أشرف العجرمي - النجاح الإخباري - عملية الدهس التي نفذها علاء قبها في يوم الجمعة الماضي بالقرب من بلدة يعبد في محافظة جنين والتي قتل فيها ضابط وجندي اسرائيليان وجرح فيها ثلاثة آخرون، هي من نمط العمليات الفردية التي أصبحت السمة المميزة للفعل الكفاحي الفلسطيني في الفترة الأخيرة والتي بدأت بموجة الطعن والدهس في القدس في العامين الأخيرين، وهي كذلك من العمل الذي لا يستطيع أحد بما في ذلك أقوى أجهزة الاستخبارات والأمن التنبؤ بها ومواجهتها. وتعترف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بعجزها التام عن مواجهة مثل هذه العمليات. ولعل عملية جنين من أشد العمليات قوة وفتكاً في السنوات القليلة الماضية.
ولا ينفع إسرائيل أن تقوم بهدم منزل منفذ العملية – حسب ما صرح به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولا أن تقوم بتغيير مسار جدار الفصل ليقسم برطعة إلى نصفين، فهذه إجراءات عقابية تهدف إلى إشباع شهية اليمين الإسرائيلي المتطرف التواق للتنكيل بالفلسطينيين والانتقام منهم. وهي أفعال تزيد من حدة التوتر ومن إذكاء عوامل التصعيد ورد الفعل الفلسطيني العنيف. وفي الواقع وبرغم التجربة الغنية جداً للمؤسسات والأجهزة الإسرائيلية على اختلافها إلا أنها لم تستوعب دروس العقلية والفعل الفلسطيني. وتتصرف بردات فعل عبيطة وصبيانية لإرضاء غرور المتبجحين والجهلاء في القيادة الإسرائيلية الذين غرتهم القوة الإسرائيلية الجبارة التي تضع إسرائيل في إطار القوى العظمى الإقليمية وفي ترتيب متقدم على مستوى العالم من حيث القوة العسكرية التقليدية وغير التقليدية وخاصة النووية.
لا يفهم الإسرائيليون أن زيادة حجم القمع والظلم تولد شعوراً أكبر وأعظم لدى الطرف الضعيف المقموع بالغضب والرغبة في الثورة ورد الظلم. ولا يبدو أن غالبية الإسرائيليين يعرفون عن هجمات المستوطنين المحميين من جيش الاحتلال والتي ازدادت وتيرتها في الآونة الأخيرة، وبناء على معطيات الأمم المتحدة فقد ارتفع معدل هجمات المستوطنين منذ بداية هذا العام بنسبة 50% بالمقارنة مع العام الفائت وبنسبة 67% بالمقارنة مع العام 2016. وتطرق تقرير مكتب تنسيق الشؤون الانسانية التابع للأمم المتحدة (أوتشا) إلى هذه الهجمات التي تسببت في إصابات مباشرة في صفوف المواطنين الفلسطينيين، عدا عن التخريب في الممتلكات والسرقة التي تحدث في مختلف مناطق الضفة المحتلة. ويشير التقرير إلى سلسلة من حوادث الاعتداء التي قام بها المستوطنون والمترافقة مع تصعيد قمع جيش الاحتلال. وهذه كلها أعمال تجعل حياة المواطنين غاية في الصعوبة يضاف إليها ما يقوم به الاحتلال بصورة يومية من إجراءات تثقل كاهل الإنسان الفلسطيني وتشعره بالذل والإهانة في أرض وطنه، عدا عن سوء الأوضاع الاقتصادية وانعدام الحرية والشعور بالمساواة كبشر يحق لهم أن يعيشوا في ظروف طبيعية بعيدة عن الاحتلال والقمع والظلم ومصادرة الحقوق الاساسية.
ويبدو أن القيادات الفلسطينية كذلك لم تعد تعي ما يمر به الشارع الفلسطيني، الذي بات يكفر بكل القيادات على مختلف انتماءاتها. والفعل الفردي هو نوع من التمرد على العمل الفصائلي المنظم الذي لم يعد فعالاً في ظل الاختراقات الأمنية الكبيرة التي تحدث، وفي ظل عزوف الفصائل عن المخاطرة والحفاظ على الذات والامتيازات. وهذه الظاهرة تفسر لماذا استطاع عدد قليل من الشباب على شبكات التواصل الاجتماعي إخراج عشرات الآلاف من المواطنين للتظاهر ضد انقطاع الكهرباء مرتين متتاليتين في مخيم جباليا في قطاع غزة، ولم تفلح محاولات الفصائل مجتمعة إخراج الناس بصورة مكثفة للتضامن مع القدس بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية من تل ابيب إلى القدس.
يبدو أن الحركة الوطنية بحاجة إلى تجديد يتعدى مجرد انعقاد المجلس الوطني واستبدال بعض أعضاء اللجنة التنفيذية وملء الفراغات بدل المتوفين، وإعادة التأكيد على الموقف التقليدي للقيادة، بل هناك حاجة جدية لإعادة الاعتبار للانتماء الوطني والفصائل والفعل الجماعي الشعبي الواسع الذي ينخرط فيه الجميع بشكل واع ومنظم، وعدم ترك الأمور للتحرك الفردي الذي وإن كان مؤلماً للعدو إلأ أنه لن يؤدي إلى النتائج المرجوة طالما بقي فردياً ومحدوداً. فنحن بحاجة لنضال جماهيري واسع النطاق على مستوى الوطن.
وعودة إلى العمى الإسرائيلي أو التعامي الذي يستند إلى الشعور بالعظمة وغطرسة القوة، فلا مجال أمام إسرائيل لتنعم بالهدوء والاستقرار الأمني بدون اتفاق شامل مع الشعب الفلسطيني، ومهما طال زمن الاحتلال والقمع فله نهاية بكل تأكيد، وبدون قبول الغالبية من أبناء الشعب الفلسطيني لأي حل لا يمكن له أن يرى النور حتى لو كان مدعوماً أو مقترحاً من ترامب أو كان يحظى بدعم عواصم اقليمية أو دولية. فعملية جنين لن تكون الأخيرة وستكون لها تبعات إذا ما بقي هذا الاحتلال والصراع قائماً. ونحن لا نتمنى المواجهة العنيفة لأننا لا نريد لشعبنا ولا لأي شعب آخر الأذى ولكن طبيعة الأشياء تقود بالضرورة للمواجهات العنيفة في ظل غياب الأفق السياسي وفي ظل انعدام فرص التسوية. ولن يستطيع العنف الاحتلالي ردع شعبنا عن المقاومة. والآن هناك فرصة للتغيير في إسرائيل بعد ذهاب نتنياهو وإجراء الانتخابات العامة، حتى لو كانت الأمور لا تبشر بتغيير إيجابي هذه المرة، ولكن دعونا نأمل أن يعي الاسرائيليون مصالحهم.