أنور رجب - النجاح الإخباري - الاصدار المرئي الأول في هذا العام لولاية سيناء– فرع تنظيم داعش، الذي تم نشره قبل عشرة ايام تقريبا، وتضمن مشاهد لقيام مجموعة من عناصر التنظيم بإعدام احد أعضائه بتهمة "الردة"، وإعلان المتحدث فيه عن بدء الحرب على غزة "ولا تبقوا في غزة رافضياً لعينا، ولا نصرانياً كافرا، ولا ملحداً جاحدا أو إخوانياً مرتدا، واقبلوا توبة من تاب قبل النصرة عليه"، وإن خص حركة حماس بالجزء الأكبر من الخطاب، مطالباً عناصر التنظيم باستهداف بنية الحركة بكل الطرق والوسائل "عليكم بالنواسف والكواتم واللواصق، انسفوا محاكمهم الوضعية ومقراتهم الأمنية"، هذا الإصدار يحمل في ثناياه العديد من المؤشرات والدلالات الخطيرة، سواء من حيث الجدية أو التوقيت أو الأهداف المتوخاة من هذه المعركة لا سيما فيما يتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية.

ليست هي المرة الأولى التي يهدد فيها تنظيم داعش حركة حماس، ولكن هذه المرة مختلفة عن سابقاتها، فقد استخدم التنظيم لغة شديدة وقاسية قولاً وعملاً، فقد احتوى الإصدار على تأصيل فقهي وشرعي يوضح الأسباب التي توجب الحرب على حماس "إن قتال الكفرة المبدلين للشرائع لمتحتم عليكم وهو أوجب الواجبات بعد توحيد الله"، وللتأكيد على ذلك نشر التنظيم من خلال جريدة النبأ الأسبوعية الناطقة باسمه ما اعتبره تأصيلاً لتكفير حماس ووجوب قتالها، بعد أن أفرد صفحة كاملة رصدت سبعة نواقض وقعت بها حماس تنفي عنها صفة الإسلام، والتي تعرف في أوساط الفقه التكفيري بنواقض الإسلام العشرة أو "قواعد التكفير العشرة"، ومن حيث الفعل قام التنظيم بإعدام أحد عناصره لكونه فقط ساعد في تهريب السلاح إلى حماس، وهو ما يحمل رسالة لحماس مفادها أن التنظيم لديه القدرة على وقف خطوط تمويلها بالسلاح وتقييد حركة عناصرها خاصة وانه بات المتحكم الآن إلى حد كبير في طرق ومسالك التهريب من والى غزة عبر سيناء، وتعمد إظهار أربعة من أبناء قطاع غزة دون لثام، ومن بينهم القاتل الذي قام بإعدام الضحية والمعروف باسم "محمد الدجني" وهو عضو سابق في كتائب القسام، ووالده من القيادات الميدانية المعروفة في حركة حماس، وكأن التنظيم يقصد القول بأنه قادر على اختراق صفوف كتائب القسام وحركة حماس، وفي نفس الوقت يهدف لتشجيع آخرين للالتحاق بصفوفه "واقبلوا توبة من تاب قبل النصرة عليه".

ما يعزز فرضية أن قطاع غزة يقع ضمن خطة إعادة انتشار تنظيم داعش وساحة مستقبلية لفعله ونشاطه الإرهابي (وان كان العنوان حركة حماس)، هو سعيه لإعادة تموضعه في مناطق أخرى وفي مقدمتها سيناء المصرية، والتي ترتبط بعلاقات متداخلة ومعقدة مع قطاع غزة خصوصاً فيما يتعلق بمستوى العلاقة والتعاون والتنسيق حد الاندماج بين الجماعات التكفيرية المتطرفة في كلا الجانبين، وهذا يمكن الاستدلال عليه من حجم مشاركة العناصر الغزية وارتفاع عدد القتلى في صفوفهم خلال مشاركتهم في العمليات الإرهابية في سيناء، وهذا الأمر له دلالاته لا سيما بعد موجة هجرة العناصر التكفيرية من غزة باتجاه سيناء والتي أعقبت التفاهمات الأمنية التي تمت بين حماس ومصر      التي دفعت بحماس الى تسهيل خروج عناصر داعش باتجاه سيناء بهدف التخلص من عبئهم، ناهيك عن وصول آخرين من العناصر الغزية المتواجدين في مناطق أخرى إلى سيناء بوصفها أصبحت وجهة مركزية لعناصر داعش القادمة من كل حدب وصوب عبر الحدود المشتركة بين مصر والسودان وليبيا، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار وجود قاعدة فكرية وبشرية ولوجستية للجماعات التكفيرية في غزة بغض النظر عن مدى صلابة أو ضعف هذه القاعدة، والتي كان لحماس الدور المركزي في صناعتها ورعايتها، فان سيناريو استهداف داعش لحماس وقطاع غزة بات أمراً وشيك الحدوث.

نعم، يوجد العديد من الموانع والعوائق التي من شأنها أن تعيق أو تعرقل أو تفشل إستراتيجية داعش في قطاع غزة إذا ما أحسنا توظيفها، ومن أهمها وجود وعي مجتمعي يرفض هذا النمط من التدين والتأسلم يقوده ويدعمه مجموعة كبيرة من المفكرين والمثقفين ورجال الدين على صفحات التواصل الاجتماعي، وعزز من هذا الرفض تجارب الشعوب في المنطقة التي عانت من هذه الجماعات، وكذلك الموقف الجمعي لفصائل العمل الوطني المدركة لخطورة الجماعات التكفيرية وحجم إضرارها بالقضية الفلسطينية، وبالرغم من ذلك فإننا لا يجب أن نركن إلى هذه العوامل دون رؤية ناضجة وفاعلة، فقد شهد هذا الفكر نمواً واتساعاً وتمكن معتنقوه من إيجاد بنية بغض النظر عن شكلها ومستوى تماسكها لها امتداداتها واتصالاتها الخارجية، تستقبل الدعم والتوجيهات من عناصر غادرت القطاع واندمجت مع داعش حتى أنها شكلت سرية باسم "أبو النور المقدسي" في سوريا، وأصبحت الأسماء الغزية التي يتم نعيها حاضرة دوماً على وسائل الإعلام الداعشية، هذا بالإضافة إلى وجود أعداد من العناصر التي تعتنق هذا الفكر وتتخذ من الأجنحة العسكرية لبعض الفصائل وتحديداً كتائب القسام غطاء لها، وقضية مقتل المواطن مثقال السالمي قد تكون النموذج الأبرز لهذه الاختراقات.

المسألة الأكثر خطورة والتي لا يحتمل الأمر الحديث عنها بعبارات غامضة وبأسلوب المداراة والتحايل، ويجب على الجميع الوقوف أمامها لدرء خطر هذه الجماعات وأفكارها، هي البيئة الفكرية الحاضنة للفكر المتطرف والتي تتمثل في المنظومة الفكرية والتربوية لحركة حماس، لاسيما وأنها اقترنت بسلوك ميداني يتشابه ويتقاطع في الكثير منه مع سلوك تلك الجماعات (وهو ما أشار إليه الداعشي المتحدث في الإصدار)، الأمر الذي منح منفذاً نموذجياً لهذا الفكر للتسلل إلى قطاع غزة والانتشار فيه، وليس أدل على ذلك من النسبة العالية لأبناء حماس الذين التحقوا بالجماعات الإرهابية، وما يزيد من مسؤولية حماس في هذا الشأن هو احتفاظها بالسيطرة على قطاع غزة طوال 11 عاماً لجأت خلالها لتوظيف هذه الجماعات في خدمة أجنداتها الحزبية، وعقدت معها التفاهمات والصفقات مرة تلو الأخرى، ولم تفعل ما يجب فعله لمواجهة الأفكار المتطرفة، هذا في حين خلت وثيقتها أو تصريحات قادتها من الإشارة لأي نية لديها لإجراء مراجعات جدية لتلك المنظومة التي تتضمن الكثير الكثير من الأسس والمفاهيم والتأويلات التكفيرية المتطرفة، وما جرى تعديله فقط هو ما يتوافق مع إستراتيجيتها بتسويق نفسها إقليمياً ودولياً وهو الموقف من اليهود وطبيعة الصراع سياسي أم ديني. إن إجراء مثل هذه المراجعات بالقطع سيقود إلى تحقيق مصالحة وطنية ومجتمعية جدية وملموسة وتؤسس لشراكة وطنية حقيقية، من شانها أن تخلق مجتمع قوى ومتماسك وصلب  يشكل سداً منيعاً أمام جميع المحاولات التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية وإنهائها سواء عبر سيناريو ترامب أو سيناريو داعش.

قد يرى البعض فيما نقول أن فيه قدراً من المبالغة، وفي هذا الصدد نود التذكير بما حل بدولة سوريا التي كانت تخلو من هذه الجماعات وبعيدة عن أفكارها قبل ما يسمى بالربيع العربي، ولكن تقاطع وتناقض المصالح الإقليمية والدولية وتعقيداتها حوَلها إلى مركز استقطاب رئيسي لهذه الجماعات تعيث بها خراباً ودماراً، ولا بد أن ننتبه أيضاً أن ما يجرى في سيناء يتم برعاية دول على مستوى الإقليم والعالم، وهذه الرعاية قد لا تكون قاصرة على سيناء فقط وربما تشمل غزة، لا سيما وان سيناريو داعش قد يفتح الباب واسعاً أمام خطة التهجير إلى سيناء، وتمرير ما يسمى  صفقة القرن التي باتت ملامحها واضحة خاصة بعد ما ورد على لسان ستيف بانون كبير مستشاري ترامب السابق في كتاب "نار وغضب داخل بيت ترامب الأبيض" حول تصفية القضية الفلسطينية، وما عجز ترامب عن تمريره بموافقة الأطراف ذات الصلة، ربما يسعى هو وإسرائيل وآخرين لفرضه أمراً واقعاً في ظل سياسة التعامل مع الأمر الواقع التي هي واحدة من أركان استراتيجية ترامب في التعامل مع القضايا المستعصية على الطريقة الاسرائيلية كما فعلها في موضوع القدس.