النجاح الإخباري - حمّل حسن أوريد، المفكر المغربي ومؤرّخ المملكة السابق، قسطًا من مسؤولية الوضعية، التي آلت إليها اللغة العربية، إلى الحكام العرب، إذ قال إنّ لغة الضاد "لم تَجدْ حاضنا لدى حكام العالم العربي، بل إن أغلبهم يعتبرونها إصْرا، ويَروْن فيها غِلّا، دون أن يستطيعوا أن يجهروا بذلك مما ينضح عنه لسان حالهم".

 

وانتقد أوريد، في محاضرة تحت عنوان "اللغة العربية وتدبير الاختلاف اللساني"، ألقاها في "صالون اللغة العربية"، المنظم من طرف الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، "جَهْل" الحُكام والمسؤولين العرب باللغة العربية، قائلا: "لقد سمعت حاكمًا عربيًّا ذا مرجعية إسلامية يتلو آية فيَشينُها نحوًا ونُطقًا، وسمعت الأمين العام للجامعة العربية يقول في خطاب مكتوب ببغداد، "أضحت بغداد قُبلة للغة العربية".

ولم يسلم المدافعون عن اللغة العربية أنفسهم من انتقادات أوريد، إذ قال إنَّ كثيرًا منهم لا يكلفون أنفسهم تطوير وزيادة معارفهم، ومنهم من يتحامل ضد الآخر، بنعته بأقذع النعوت والنيل منه عوضًا عن العمل، مشيرًا إلى أنَّ الدفاع عن العربية لا يمكن أن يتمّ إلا إذا كان المدافع عنها يحبها، لكنّ هذا العنصر لا يكفي، بل لا بد من معرفتها وإتقانها، "لأنَّ الذي لا يحسنها أو يشين قواعدها يقع غرضا لخصومها".

وبخصوص الجدل المحتدم بين المدافعين عن اللغة العربية في المغرب و"خصومها"، قال أوريد: "إنَّ السجال لا يكفي للدفاع عن لغة الضاد، "فالسجال مفيد في السياسة، وليس في القضايا الاستراتيجية؛ وليس يفيد التخوين والتحامل، وإن كان من الضروري معرفة الخصوم معرفة موضوعية وتفكيك حججهم بأناة وبدقة وعلم، وليس يحصر النقاش حول هذه القضايا بالحوار وحده على أهميته، ذلك أنَّ من يصدر عن رؤية إيديولوجية لا يعدو الحوار معه أن يكون لغطًا أو مونولوجًا لا يفيد في شيء"، يقول أوريد.

ودعا صاحب رواية "رَواء مكّة" خصوم اللغة العربية والمدافعين عنها إلى "الرويّة في الأحكام والتواضع في السلوك، والنأي عن التنطع"، مضيفًا "قد يسعوْن إلى أن يكونوا أدوات في يد التاريخ، لكن ليسوا هم التاريخ. الحكم للتاريخ". كما دعا المدافعين عن العربية إلى أن يخرجوا من القوالب القائمة، عبر تحديد طبيعة اللغة العربية، أولا، واستيعاب أنَّها لغة حضارة، قبل أن تكون لغة قومية.

وعرّج أوريد على المرحلة التي ازدهرت فيها اللغة العربية، وكانت لغة العلم والأدب والفلسفة، ثمَّ مرحلة السبات التي عاشتها إبان العصر العثماني، قبل أن تنهض مع بزوغ فجر عصر النهضة، قبل أن ينتقل إلى الحديث عن راهنها، قائلًا: "تكتنف اللغةَ العربية صعوبات، ولا عيب في الجهر بها، وتعترضها تحديات لا يفيد التستر عليها"، قبل أن يضيف بأنَّها "تختزن تراثًا غنيًّا يسعفها في الانبعاث، وتتضمن قدرة عجيبة على التطور والالتئام، وهو الأمر الذي يفرض محبتها أولًا، وهو الشرط الأوَّل، وهو غير كاف، وإتقانها من لدن من يدافعون عنها ويملكون ناصيتها".

من جهة ثانية، اعتبر أوريد أنّ التنوّع اللساني أو الثقافي لا يشكّل خطرًا على وحدة الأمّة، لكنَّه شدَّد على أنّ الخطورة تبدأ حين يصبح الاختلاف مؤدلجًا، حيث يصير تدبير التنوع، حسبه، عصيًّا. وأضاف أنّ الأمازيغية والعربية تعايشتا في المغرب. وزاد موضحًا "لا أرى في التنوع الثقافي أو اللساني خطرًا، بل قد يكون مصدر إثراء طالما أوجدْنا معابر بين المكوّنات والمرجعيات".