ياسمين شملاوي - النجاح الإخباري -
المرأة دائما موضوع يثار، وله ألف زاوية، وهو ما حرص على إثارته كل الناس في كل زمان. والزاوية التي كان يثار منها هذا الموضوع في إحدى الجلسات النسائية التي كنت ضيفة سامعة فيها، كانت حول مقارنة المرأة اليوم بالأمس. 
والأمس عند الحاضرات إنما هو أمس الزوجة الفلاحة التي كان عبء البيت بأكلمه على عاتقها، والمرأة أيام النكبة، التي كابدت كل متاعب الحياة ولم تتوقف عن  الغزل والنسج والحياكة وفي كل هذه الأثناء تلقي بأعينها صوب اليمين واليسار ومن تحتها ومن فوقها خشية من عدو يتربص بها وبأبنائها وزوجها.
 أما اليوم كما ترى الحاضرات فلقد نعمت ولانت وتميعت ولبست الأنيق، ومع الأنيق الغرور.؟ 
طلقة من القول تلتها طلقات. 
مع رشفات من القهوة وقضمات من البسكويت وسحبات من النرجيلة. 
وانتهي الأمر بكل تأكيد على غير شيء حاسم، فبشكل أو بآخر هو حديث جلسة نسائية وليس محكمة ولا يرجى أن يكون الحديث حاسما. 
وانفض القوم وبقيت مع امرأة عجوز، لم يكن في وجهها أو ثيابها ما يلفت النظر سوى الخطوط القاسية التي ترسم حاجبيها، وابتسامة تخرج  لترفع قليلا قسمات وجهها المدور وترسل الطيبة من قلب شفاف رغم اللباس الأسود شديد القتامة يقابله ما اشتعل من الرأس شيبا ناصع البياض. 
لم أكن أعرف كثيرا عن هذه السيدة غير  أنها أرمله وأنها جدة مضيفتي، وأنها فقدت أحد أبنائها في الانتفاضة الأولى، ولا تزال تعمل مربية في إحدى المدارس، لفتني لها أنها بقيت صامته طوال الجلسة تنصت ولا تتكلم وإذ خلوت إليها، بدا لي أن أسلها سؤالا بيني وبينها حديث يخرج بنا من الصمت. 
سألتها عن رأيها في امرأة اليوم والأمس. 
قالت لي: إن امرأة الأمس كانت لها أعمال شاقة ومخاوف شتى، إلا أنها أعمال على المشقة محدودة ومعروفة ومخاوف مرئية مجسمة يشار إليها بالإصبع، ذئب تراه عند الباب فتجري ترفع بندقية عن الحائط وتطلق منها إلى هدف معلوم. 
لكن أي بندقية تحملها امرأة اليوم والى أي هدف، في خضم المدن العارمة، المرأة اليوم قد ترى أطفالا جياعا، وزوجا يخرج كل يوم، يجوب الطرقات والمحلات ويعود لها مساء خالي اليدين وقد ملأ جسده التعب وتظل صابرة مبتسمة.
المرأة اليوم تحطمها حروب الاستنزاف، والمخاطر اللامرئية غير الملموسة التي لا تراها. 
امرأة اليوم لا تقل صلابة عن جداتها، المرأة ربة البيت وعاملته وحارسته، تقف أمام أخطار الحياة، سواء أكانت ماثلة مرئية ملموسة، أو  مركبة ضبابية.
  والحياة يا ابنتي أقصى من أن تلين لها امرأة أو رجل.