عمر حلمي الغول - النجاح الإخباري - الشعب الإنجليزي ليس لونا او اتجاها فكريا أو سياسيا أو ثقافيا ولا اجتماعيا او دينيا واحدا، شعب المملكة المتحدة أسوة بشعوب الأرض متعدد المشارب والإتجاهات والميول في مختلف مجالات وميادين الحياة. رغم أن من تولى الحكم فيها منذ الثورة البرجوازية في القرن السابع عشر، هي القوى الممثلة لطغم الرأسمال من الحزبين الرئيسيين العمال والمحافظين، غير ان ذلك لم يلغ او يسقط التعددية داخل المجتمع البريطاني.

الهدف مما تقدم، والشعب الفلسطيني يعلن رفضه لوعد بلفور المشؤوم، الذي تمر ذكراه المئوية غدا الخميس، ويطالب الحكومة البريطانية بالاعتذار له، كونه وعدا لا أخلاقي، وغير إنساني، أنتج كما غير محدود من النكبات والكوارث على مدار سبعين عاما خلت، في أعقاب إقامة الدولة المارقة والخارجة على القانون، إسرائيل عام 1948، التي تتفاخر تريزا ماي ووزير خارجيتها، بوريس جونسون بذلك الوعد غير المشروع، والمتناقض مع ابسط حقوق الإنسان. مع الفارق النسبـي ان وزير الخارجية أبدى الأسف لعدم إقامة الدولة الفلسطينية، ودعا في مقالته، التي نشرت في صحيفة "التلغراف" اول امس الاثنين، إلى مواصلة الجهود لإقامة الدولة الفلسطينية. الهدف مما تقدم هو إبراز الوجه الآخر لبريطانيا، وجه إنساني مشرق، يحمل البشارة بالأمل في إنصاف الشعب العربي الفلسطيني، وتقديم الدعم له لتحقيق أهدافه الوطنية في العودة وتقرير المصير والحرية والإستقلال من قبل بريطانيين شجعان، أدركوا الحقيقة، ولمسوا الواقع البشع الذي نتج عن وعد وزير خارجيتهم الأسبق جيمس آرثر بلفور في الثاني من تشرين الثاني1917.

ثلة من 60 شخصا بريطانيا ساروا سيرا على الأقدام طيلة أكثر من 135 يوما من لندن العاصمة البريطانية إلى القدس عبر فرنسا وسويسرا وإيطاليا واليونان وتركيا، ومن تركيا لعمان بالطائرة، وأكملوا سيرهم باتجاه معبر الكرامة في أريحا وصولا للعاصمة المحتلة في الخامس من حزيران 1967 تنديدا بوعد بلفور المشؤوم.  

هذا الوفد الإنجليزي النبيل، شاء إرسال رسالة لحكومة بلاده مفادها المطالبة بإنصاف الشعب العربي الفلسطيني، وتقديم الاعتذار له على ما طاله بسبب وعد بلفور قبل مئة عام، والاعتراف بدولته، والعمل على تجسيدها على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967. كما يريد الوفد لفت نظر دول العالم على مرور سبعين عاما على النكبة وخمسين عاما على الاحتلال الإسرائيلي لأراضي دولة فلسطين المحتلة عام 67 ومرور عشر سنوات على حصار قطاع غزة.

ورحلة السلام والعدالة للوفد البريطاني لا تنتهي بالوصول للقدس العاصمة المحتلة، بل سيتنقل البريطانيون الستين بين المحافظات والمدن والقرى الفلسطينية لتسليط الضوء على تعقيدات ووحشية الحياة في فلسطين الناجمة عن إجراءات وإنتهاكات حكومات الإستعمار الإسرائيلية المتعاقبة. وللاحتجاج على سرقة إسرائيل للمياة الفلسطينية، وعلى ما تلحقه من ضرر فادح في البيئة الفلسطينية، ولخنقها حرية الحركة للأفراد والجماعات ولتنقل السلع والبضائع بين المدن. هذا وسيزور الوفد بلدة تقوع في بيت لحم، ثم سيتوجهون للرشايدة للفت الانتباه لقسوة وصعوبة حياة البدو الفلسطينيين في المناطق النائية. كما سيزور الوفد المخيمات الفلسطينية لذات الغرض، حيث سيتجه لمخيم عايدة ثم مخيم العزة وتاليا الدهيشة وصولا لمخيم العروب في الخليل. ولن يقتصر عند ذلك الحد، كونه سيتابع إبراز الوجه القبيح للإحتلال الإسرائيلي بالوصول إلى قرية سوسيا وخربة ام الخير والتواني، وهي التجمعات التي يلاحقها ويستهدفها الاحتلال بالهدم والتهجير القسري، ثم يتابع السير إلى النقب في داخل الداخل للتضامن مع القرى الـ46 غير المعترف بها من قبل حكومات إسرائيل المتعاقبة، وأخيرا الوقوف على حدود قطاع غزة بسبب عدم إمكانية الدخول إليه.

هذا الوفد الإنجليزي النبيل القادم لشد أزر الشعب الفلسطيني، وإعلان رفضه وتنديده ببلفور ووعده، لن يتمكن من تعويض الفلسطينيين عن نكباتهم وكوارثهم طيلة العقود السبعة الماضية المتوالدة من الوعد المشؤوم. ولكنه يحمل مع كل نبلاء بريطانيا موقفا سياسيا وإنسانيا يستحق التقدير والاعتزاز به، لأنه يرفض، كما رفض رئيس حزب العمال، جيرمي كوربين المشاركة بدعوة رئيسة الحكومة لـ"الاحتفال" بإصدار الوعد المشؤوم من قرن خلا، وغيره من البريطانيين الأحرار، ويعكس بمسيرته الجبارة الانحياز غير المشروط لكفاح الشعب الفلسطيني، ويرسل رسالة للعالم كله وفي المقدمة منها إسرائيل الإستعمارية تقول، ان البريطانيين ليسوا مع بلفور ولا مع وعده المشؤوم، وإذا ما استمرت حكومات صاحبة الجلالة تدور في فلك بلفور وسياساته الاستعمارية، فإنها ستخسر آخر بقعة ضوء تضيء بريطانيا، وهي الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية ومبادئ حقوق الإنسان.

[email protected]