طلال عوكل - النجاح الإخباري - صراع المحاور في الاقليم دخل مرحلة جديدة من العمل المكشوف، الذي لم يعد يحتمل التورية او التلاعب بمفردات علم الدبلوماسية، للتغطية على تطلعات استراتيجية و مصالح متضاربة. ايران التي لم تجد عند شركاء اتفاق 5+1 ما يساعدها على مواجهة العقوبات الامريكية المتلاحقة و المؤثرة، شقت طريقا نحو مراكمة وسائل امتلاك انجازات نووية تفيض عما حدده لها، و انضبطت له، اتفاقية 5+1.

الى جانب ذلك باتت تتحرك في اليمن و لبنان و العراق على نحو مكشوف و مباشر كان اخرها اطلاق تهديد من قبل مسؤول ايران الكبير، لان اي عدوان اسرائيلي سيؤدي بها الى تدمير تل ابيب من خلال صواريخها في لبنان. في لبنان ليس لدى ايران صواريخ و اسلحة مستقلة، مما يعني انها تعتمد اساسا على صواريخ حزب الله، الذي استدعى من بعض المسؤولين اللبنانيين استنكار مثل هذا الاعلان الذي يشكل اعتداء على السيادة اللبنانية.

لا تخفي ايران استياءها من الحراك الشعبي الذي يتواصل في لبنان منذ اسابيع، و يستهدف تغيير البنية الطائفية للنظام اللبناني و الحد من سيطرة طرف على الحكومة و قراراتها و سياساتها. و في مواجهة الحراك الشعبي السلمي في العراق، الذي يخترق التصنيفات الطائفية و يعبر عن غضبه الشديد ازاء الوجود و التدخل و التأثير الايراني، تقابله تصريحات معادية من قبل قيادات ايرانية و محاولات عبر اذرعها المتواجدة تحت مسميات مختلفة، لإخماد و افشال ذلك الحراك، و منعه من تحقيق اهدافه في تغيير الطبيعة  و التركيبة الطائفية للنظام في العراق.

في سوريا لا حاجة لحديث يزيد عن وقائع الدور و الوجود الايراني، و هو دور مكشوف و معروف و يتم التعبير عنه بوسائل سياسية و عسكرية و دبلوماسية، فضلا عن الابعاد الاقتصادية و الاجتماعية. تركيا التي تفتقر الى قوى حليفة فاعلة عدى جماعات الاخوان المسلمين، لم تعد تخفي تطلعاتها سواء عبر الانحياز لقطر في ازمتها مع السعودية و حلفائها بما في ذلك مصر، و هي بالإضافة الى دورها المباشر العسكري و السياسي في سوريا، فإنها باتت تشكل طرفا علنيا في الصراع الجاري في ليبيا عبر تحالفها و دعمها لحكومة الوفاق برئاسة السراج.

المحور السعودي المصري الاماراتي البحريني، هو الاخر يقف على طرف نقيض ازا المحاور الاخرى، الايراني اساسا و التركي تاليا. غير ان هذه المحور ليس متكاملا في النظرة و التعاطي مع الصراعات الاخرى الجارية في ساحات عربية اخرى كسوريا مثلا. ثمة محور اخر ارادت الولايات المتحدة ان تقيمه، و لم تنجح في ذلك حتى الان، يفترض ان يضم الدول السنية و بحيث يكون لإسرائيل دور فاعل فيه، حتى لو كان من موقع المجاورة. على ان فشل الولايات المتحدة، في اقامة هذا الحلف لم يؤثر سلبيا على دور الحلف الامريكي الاسرائيلي، الذي يتبع سياسات استراتيجية تتصل بهدف تمزيق الدولة القومية العربية ة الهيمنة على ثرواتها و تحقيق التوسع في الاقليم بما يخدم مصالح هذا الحلف.

الفوضى في المنطقة عارمة الصراع ممتد في الزمان و في الجغرافيا، و ربما علينا الاعتراف بان القضية و الحقوق الفلسطينية هي من اول و اهم ضحايا هذه الفوضى، التي بشرت بها و سعت اليها الولايات المتحدة منذ زمن. هذا لا يعني  ان الصراع محصور بين هذه المحاور التي ذكرناها بل ان ثمة قوى عالمية اخرى، باتت موجودة للدفاع عن مصالحها في الدولة، سواء كانت روسيا او الصين او اوروبا الغربية.

و اذا كان الفعل و التأثير بين كل المتداخلين نسبي، فان العرب هم الطرف الاضعف حتى الان في مجال حماية مصالحهم و انظمتهم و دولهم. ان اختلاف  الرؤى بين الدول العربية يفترض ان يجعل الكل على طاولة واحدة حول القضية الفلسطينية بما انها مفتاح الحرب و السلام، الفوضى او الاستقرار في المنطقة و الاقليم. غير ان ذلك يستوجب وضعا فلسطينيا و اداء مختلفا عما هو عليه الحال، و الا كان الوضع الفلسطيني القائم جزء من ظاهرة الفوضى و الصراع و الضياع التي تشهدها المنطقة بكاملها.