النجاح الإخباري - ألقت تسريبات «ويكيليكس» الضوء على ازدواجية السياسة الخارجية الأميركية، وكشفت «وثائق بنما» عن شبكة من الأعمال المصرفية الخارجية والملاذات الضريبية والثغرات القانونية التي تسمح للعائلات السياسية فائقة الغنى في الدول الاستبدادية والجريمة المنظمة بإخفاء رؤوس أموالها. لكن رغم كل ذلك، قد يكون «فوتبول ليكس»، وهو موقع إلكتروني يحتوي على عدد كبير من الاتصالات الداخلية والوثائق المذهلة والخوادم الآمنة للغاية، أفضل دليل على مخالفات الاقتصاد العالمي والنظام الدولي المتداعي.

وفي عام 2016 كشف الموقع عن وثائق، بالتعاون مع مجلة «دير شبيغل» الألمانية وتحالف من وسائل الإعلام الأوروبية، توضح الطبيعة الواسعة الانتشار لدفع الأموال بشكل سري وغير قانوني والتهرب الضريبي في سوق انتقالات اللاعبين وفيما يتعلق بالطرق التي تتبعها الأندية لدفع رواتب اللاعبين، فضلا عن الثروات الهائلة التي تتراكم لدى وكلاء اللاعبين.

ومنذ ذلك الحين، تم إدانة النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، الذي يعد أحد أكثر لاعبي كرة القدم حصولا على الأموال عبر كل العصور، بتهمة التهرب من دفع الضرائب، على الرغم من أنه لن يتعرض للسجن في أي وقت من الأوقات!

وكما هي الحال مع «وثائق بنما» السرية، سلط موقع «فوتبول ليكس» الضوء على عدم كفاية القوانين الضريبية في الاقتصاد العالمي والخارجي وتساهل نظام العدالة الجنائية تجاه الأغنياء. وإذا ما وضعنا ذلك جانبا إلى جنب مع التفاوت الواضح والمتزايد الذي تولده كرة القدم الأوروبية - بين الأندية والدوريات والبلدان المختلفة، وبين الجانب التجاري والقواعد الشعبية للعبة - فإن كرة القدم ستكون بمثابة نموذج مثالي لاقتصاد بريطاني متداعٍ.

إن الطرق التي يتهرب بها الأفراد والشركات الغنية بكل وقاحة من التزاماتهم الاجتماعية والاقتصادية هي طرق بغيضة في حقيقة الأمر، لكن أحدث مجموعة من الوثائق والقصص التي نشرها موقع «فوتبول ليكس» تشير إلى شيء أكثر إزعاجًا – وهو الاستعمار المنظم والممنهج، والفساد، وتدخل الأغنياء والأقوياء في خيارات المشجعين واللاعبين والأندية والجهات التنظيمية.

وكان الشكل الأكثر وضوحا لهذا الأمر هو شراء أندية كرة القدم، فنجد على سبيل المثال أن أندية ليفربول وروما وآرسنال ومانشستر يونايتد مملوكة من قبل مليارديرات أميركيين، في حين يُرضي المليارديرات الروس غرورهم ويسعون لتحسين سمعتهم من خلال امتلاك أندية تشيلسي وموناكو وباوك سالونيكا اليوناني. وتمتلك العائلات المالكة في أبوظبي وقطر ناديي مانشستر سيتي وباريس سان جيرمان على التوالي.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، لكنهم بدأوا، مثل الصناعة المصرفية، في إرباك واستقطاب هيئات كرة القدم الوطنية والإقليمية التي تتمثل وظيفتها في تنظيم اللعبة من الأساس.

وفي بريطانيا، تم التركيز على تحايل نادي مانشستر سيتي على قواعد اللعب المالي النظيف التي فرضها الاتحاد الأوروبي لكرة القدم لمنع الأندية من الحصول على مميزات غير عادلة من خلال الحصول على تسوية للديون من الرعاة وعدم تسديدها بعد ذلك، أو تلقي أموال طائلة من صفقات رعاية غير منطقية من قبل شركات متحالفة مع ملاك هذه الأندية.

وقد نجح باريس سان جيرمان والجهات الراعية له من الأسرة الحاكمة عن طريق نشر مجموعة من الميزانيات القانونية العملاقة والتهديد والضغط والإغراء، في الهروب من عواقب وخيمة نتيجة عدم الالتزام بقواعد اللعب المالي النظيف، التي وضعها جياني إنفانتينو (رئيس الفيفا الحالي) عندما كان يشغل منصب الأمين العام للاتحاد الأوروبي لكرة القدم، والذي تراجع وقام بـ«إعادة تفسير» القواعد لتصب في مصلحة الناديين! إن انقلاب الرجل الذي يشغل منصب رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم، أي قمة رأس الهرم المتعفن، بالعمل على تقويض لجنة الأخلاقيات التابعة للفيفا هو تأكيد أن كرة القدم تدار بشكل غير شريف.

ولا يعد باريس سان جيرمان ومانشستر سيتي الناديين الوحيدين بين أندية الصفوة الأوروبية التي تعمل على إفساد النظام العام. وتفكر هذه الأندية بطريقة: إذا كنت لا تستطيع أن تطوع العالم بأكمله لرغباتك وملاذاتك، فلماذا لا تقوم بإنشاء عالمك الخاص؟ وبنفس المنطق الذي يعمل به المليارديرات في مجال البرمجة على الانعزال في قصورهم والأثرياء على الابتعاد في مجتمعات معزولة عن الآخرين، فإن مجموعة صغيرة من بين أغنى الأندية في العالم تتحرك لكي تنظم «دوري السوبر الممتاز» فيما بينها.

وقد استخدمت هذه الأندية التهديد بتنظيم مثل هذا الدوري لفرض المزيد من التنازلات والحصول على المزيد من الأموال من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم. ومن المؤكد بالطبع أن هذه الأندية لن تضع في اعتبارها آراء ومصالح مشجعيها أو بقية العالم من حولها.

وماذا يفيد تحذير اتحاد اللاعبين المحترفين من أن استحواذ أندية كبيرة وغنية على نصيب الأسد من الثروة في عالم كرة القدم، يهدد الأندية الصغيرة وبطولات الدوري الأقل بريقا.

«تسريبات كرة القدم»، التي نشرت مؤخرا أشارت إلى أن شركة كي كابيتال بارتنرز الإسبانية قدمت خطة حديثة إلى ريال مدريد تنبأت بأن يؤسس 11 ناديا أوروبيا كبيرا مسابقة دوري سوبر في 2021.

بينما رابطة اللاعبين المحترفين اكتفت ببيان قالت فيه: «من المهم أن تعترف الأندية والشركات الكبرى أن عليهما مسؤولية تجاه صناعة كرة القدم المحلية. المسؤولية الجماعية تقع على عاتق كل المساهمين للحفاظ على قيم كرة القدم. لكن مطالب الرابطة بحماية استقرار واستمرار النظام الهرمي الاحترافي لكرة القدم، هل تجد من مستمع حيث باتت التنافسية داخل البطولات تتلاشى وهو ما يلقي بظلاله على ملايين المشجعين وآلاف الوظائف للاعبين ويطرح أسئلة خطيرة إزاء جدوى هذه الصناعة».

لقد كشف موقع «فوتبول ليكس» عن مشهد قبيح وغير عادل وغير فعال يسيطر على كرة القدم في الوقت الحالي، وهو مشهد يمكن وصفه بأنه غير إنساني على نحو متزايد أيضا، تماما كما هو الحال في بقية العالم. ولعل أوضح دليل على قوة الليبرالية الجديدة لتحويل أي شيء في النفس البشرية إلى سلعة يتمثل في البند الغريب الموجود في عقد اللاعب البرازيلي نيمار مع باريس سان جيرمان والذي يجعله يحصل على 375 ألف يورو سنويا نظير تحيته وتلويحه للجمهور! لقد أصبح هناك سعر وثمن لكل شيء ولكل شخص، وحتى لو كانت هناك عوائق قانونية أو سياسية أو أخلاقية أمام ذلك، فسوف يتم شراء هذه العوائق أيضا وتفكيكها!.

وفي كلمته الافتتاحية في كأس العالم، أعلن إنفانتينو أن «كرة القدم سوف تغزو روسيا». ومع ذلك، وكما أوضحت ابتسامة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين آنذاك، فإن العكس تماما هو الصحيح. ويمكن التأكيد على أنه في ظل قيادة إنفانتينو للفيفا، وفي ظل غياب المقاومة السياسية والثقافية بشكل قوي وجدي، ستظل كرة القدم تخضع لاحتلال سياسي دائم وخبيث.