منال الزعبي - النجاح الإخباري - في دواخلهم قصص مبكية، وغصة حارقة، وتنهيدة خانقة، وعواصف وحروب لا تهدأ،

نحاول فتح الأحاديث فتظلّ غير مكتملة، ونسأل فيحل الصمت فرُبَّ أسئلة لا إجابة لها.

كان ينهي إجراءات الدفن لعمّه الشهيد حين هاتفناه فتنهّد، عبد الله تحسين رضوان حرارة المغترب العائد إلى وطنه ظنًا أنه الحضن الآمن الدافئ وعش المستقبل، ترك أهله في السعودية وعاد حاملا شهادة الثانوية لينضم إلى جامعات الوطن فيتخرج فيها.

بصوت هادئ جدًا ومشاعر متداخلة قال عبد الله يحدثنا قصته: "إنها سنتي الدّراسيَّة الثانية في جامعة الأزهر في تخصص الهندسة، عدت لأكمل دراستي هنا، أسكن في بيت العائلة مع أعمامي، كنت أنهي كلَّ فصل دراسي وأنطلق إلى أهلي في الإجازة، حتى وقعت الحرب، وغيرت كل شيء حتى ملامحنا".

وأكمل: "محت الحرب ملامح حيَّ الشجاعيَّة حيث نعيش. قصف الاحتلال شوارع عدّة واستهدف مجاري المياه وأماكن تجميعها وشبكات أنابيبها أسفل الأرض. أُعلن حي الشجاعية منطقة منكوبة ولم يعد صالحا للسكن، دمّر الاحتلال 85% من منازل الحي وبناه التحتية، بل كل مقومات الحياة فيه؛ كي لا يعود أحد إليه، حيث نزحنا إلى حي التفاح".

عبد الله الذي حُرم من دراسته وانقطع عن جامعته التي دمرتها الحرب، بل حبسته عن أهله فصار بين غربتين، بدموع محتبسة، قال: "الأمر تجاوز الدمار والهدم ونسف الطموحات، بل مدّ يده وخطف أهلًا وأحبة، استشهد عمي وأخوالي، وزرع داخلنا شعورًا غير مفهوم، نريد ولا نريد، تناقضات عدة، وذكريات لا خلاص منها أبدًا".

أما في حي التفاح شمال غزة، الذي لم يسلم أيضًا، فوصف الحالة المزرية التي يعيشها النازحون: "الحال هنا ليس أفضل، والمعاناة كبيرة، فلا طعام إلا المعلبات التي تصلنا عبر المساعدات، ولا ماء ولا كهرباء، والإنترنت انقطع لفترة طويلة، وحاليًّا يتوفر بصعوبة بالغة، نعتمد على الشرائح الإلكترونية.

يتواصل عبد الله مع أهله المغتربين عن طريق اتصالات دولية متقطعة، ليطمئن قلب أمه الذي تحوّل إلى مرجل نار طيلة مدة الحرب، حتى سلّمت أمرها لله.

اليوم ينهي عبد الله فصلًا دراسيًا منتسبًا إلى جامعة النجاح الوطنية التي أطلقت مبادرة "يدًا بيد" والتي بادر للتسجيل والانتساب إليها ما إن سمع عنها من أصدقائه، أملًا في الحياة وتشبثًا بها، وحول تجربته يقول: "هي محاولة إنقاذ ما يستحق إنقاذه، التجربة ممتازة والمحاضرون متعاونون جدًا".

"حالة من الضبابية والمصير المجهول" عبارة ختم عبد الله فيها حديثه أتبعها بقوله: " أسلمنا أمرنا لله، هو أعلم بدواخلنا الممتلئة بأشياء لا تشملها قوانين الفضفضة.