النجاح الإخباري - شغلت قضية الترادف، في كلمات اللغة العربية، عدداً كبيراً من علماء اللغة. إلا أن هذا الاهتمام بقضية كتلك، تحوّل إلى اختلاف بين رأيين، أحدهما يؤكد وجود فروق بيّنة في الكلمات التي تبدو مترادفة، والآخر ينكر هذه الفروق، معتبراً ما يترادف، يعطي المعنى ذاته.

في مقابل آراء يمكن اعتبارها أقرب إلى رافضي الترادف، وهي التي تقول إن الأسماء واحدة، وما يزيد فيها هي صفاتها، كالسيف الذي هو اسمٌ، والحسام الذي هو من صفة الحسم لأنه يحسم وينهي أمراً، ومنه القاطع، بسبب القطع.

وجاء بالنقل، في كتاب "الأضداد" لابن الأنباري، محمد بن القاسم، أن "كل حرفين أوقعتهما العرب على معنى واحد، في كل واحد منهما معنى ليس في صاحبه، ربما عرفناه، وربما غمض علينا".

ويعني الترادفُ، لغةً، ما يلحق ويتبع الشيء، وهو الرّدفُ. وتعني في الاستعمال المولّد لها، المتابعة، إذ يقال: وأردف، بمعنى أضافَ وأكمل على ما سبق، أو زاد فيه شيئاً. على غير المعنى النقدي الذي يعني عدة ألفاظ تحمل معنى واحداً.

ومن القائلين بالفروق بين معاني المفردات، لا الترادف، محمد بن زياد الأعرابي، المتوفى سنة 231 للهجرة، وأبو هلال العسكري، الحسن بن عبد الله بن سهل بن سعيد، وأبو بكر الأنباري، محمد بن القاسم، المتوفى سنة 237 ه، وأحمد بن يحيى ثعلب، المتوفى سنة 291ه، وابن فارس الحسين بن أحمد، المتوفى سنة 395ه. وأسماء أخرى عديدة، كالمبرّد، محمد بن يزيد، والمتوفى سنة 285 للهجرة.

في المقابل، فإن أنصار الترادف كثر، كالفيروز آبادي، صاحب القاموس، والناقد الكبير قدامة بن جعفر، المتوفى سنة 337ه، والهمذاني، عبد الرحمن بن عيسى، المتوفى سنة 320ه. وأسماء أخرى عديدة، كالفخر الرازي، محمد بن عمر الحسين التيمي البكري.
والتراث العربي غنيّ بمؤلفات كتبت عن المترادفات والفروق، ذلك أنها قضية تتصل مباشرة بعلم البيان والبديع والخطاب والتعبير والتواصل.

اختلاف الكلمات يوجب اختلاف المعاني وينفي الترادف التام

وبعض الدارسين تعامل مع "الترادف" كظاهرة لها أسباب محددة، من خلال القول إن كثرة الكلمات العربية المتداولة أو المعجمية، لشيء واحد بعينه، سببها وضع كل قبيلة عربية ما يخصّها هي من أسماء، ثم تأتي قبيلة أخرى بأسمائها الخاصة، وهكذا دواليك.

ومن الأسباب الأخرى للترادف، كما يراها دارسون، هو أن مؤلفي المعاجم العربية وقواميسها، نقلوا عن قبائل عربية كثيرة، فتكررت الأسماء، باختلاف اللهجات، مع أن معانيها واحدة. بالإضافة إلى أسباب أخرى تتصل باللغة ذاتها واستعمالاتها وعلاقتها بالواقع، واللهجات العربية ودورها بما يراه البعض ترادفاً.

ويبدو ابن فارس في "معجم مقاييس اللغة" صاحب المحاولة الأوسع لإعادة تشكيل الكلمة العربية، من خلال تركيبها الحروفي الأصلي، لينطلق من ذلك إلى الكشف عن علاقات معنوية تربط بين تلك الكلمات، حتى وإن كانت غير مترادفة، في الأصل. الأمر الذي منح أنصار الفروق، هامشاً أكبر في الدفاع عن مذهبهم، لأن قدرة حروف الكلمة على صناعة معنى متقارب، حتى وقد أصبحت كلمات مختلفة، سينقض الكلمات التي عدّها البعض ترادفاً تاماً، لتصبح حاملةً لمادتها الحروفية الأولى، منطلقة منها، وبالتالي تنفي الترادف التام، مؤكدة المعنى المختلف، ولو جزئياً.

ومن عدة كتب تم تأليفها دفاعاً عن الفروق بين المترادفات، في التراث العربي، يأتي كتاب "الفروق اللغوية" لأبي هلال العسكري، سعياً منه لإثبات الفوارق بين المترادفات، لينفي تشابهها ووحدتها، مؤكداً على اشتمالها على اختلافات في المعنى.

ويقول العسكري في مقدمة كتابه: "ما رأيتُ نوعاً من العلوم، وفناً من الآداب، إلا وقد صنِّف فيه كتب تجمع أطرافه، وتنظّم أصنافه، إلا الكلام في الفَرق بين معانٍ تقاربت حتى أشكل الفرق بينها". ويعطي أمثلة لمثل تلك الكلمات فيقول: "الغضب والسخط، الفطنة والذكاء، الخطأ والغلط، الكمال والتمام، الحسن والجمال، العام والسَّنة".

ويؤكد العسكري أن "اختلاف العبارات والأسماء يوجب اختلاف المعاني". ثم يحسم قاطعاً بوجه كل دعاة الترادف: "وإذا أشير إلى الشيء مرة واحدة، فعُرِف، فالإشارة إليه ثانية وثالثة، غير مفيدة. وواضع اللغة حكيم لا يأتي فيها بما لا يفيد، فإن أشير منه في الثاني، والثالث إلى خلاف ما أشير إليه في الأول، كان ذلك صواباً. فهذا يدلّ على أن كل اسمين يجريان على معنى من المعاني، في لغة واحدة، فإن كل واحد منهما يقتضي خلاف ما يقتضيه الآخر، وإلا كان الثاني فضلاً لا يُحتاج إليه".

ويذكر أن إشارة العسكري الأخيرة، بلا لزومية الكلمة إذا كانت تشير إلى ذات معنى كلمة أخرى، هي الحاسمة بمسألة إنكار الترادف. إذ ما الغاية من أن يكون للسيف أو الأسد أو العسل، مثلاً، عشرات الأسماء، إذا كان كل اسم منها يؤدي ذات الدلالة الحرْفية التي يؤديها الاسم الآخر؟ 
ولهذا قال العسكري، إنها لو كانت في المعنى ذاته، ومترادفة، فهي "فضل لا يحتاج إليه" بحسب تعبيره. أي لا لزوم لها، من الأصل، لأنها ستكون زيادة، لو لم تؤد غرضاً مميزاً.

ويعطي العسكري مثلاً قرآنياً، ليبين فيه الفرق ما بين كلمتين يمكن أن يعدّهما البعض مترادفتين، مشيراً إلى أن أبي العباس المبرّد، صاحب "الكامل في اللغة" هو صاحب هذه الإشارة، بقوله: "وإليه أشار المبرّد في تفسير قوله تعالى (لكل جعلنا منكم شرعةً ومنهاجا) قال فعطف منهاجاً على شرعة، لأن الشرعة لأول الشيء، والمنهاج لمعظمه ومتّسعه).

وبعد براعة المبرّد، يوغل العسكري في تفريق الشرعة عن المنهاج، فيقول: "شَرَع فلانٌ في كذا، إذا ابتدأه، وأنهجَ البلى في الثوب إذا اتّسع فيه".

النبأ والخبر والنأي والبعد والسؤال والاستخبار والاستفهام

يقول الشاعر الحطيئة: 
ألا حبّذا هندٌ وأرضٌ بها هندُ 
وهند أتى من دونها، النأيُ والبُعدُ

فإذا كان النأي والبُعد، من مترادفات اللغة، فلماذا قام الشاعر بعطف إحداهما على الأخرى، كما لو أنهما مختلفتان؟ يقول العسكري: "النّأي يكون لما ذهب عنك إلى حيث بلغ، وأدنى ذلك يقول له: النأي". فيفسّرها تقديراً، بأنه أتى من دونها النأيُ الذي يكون أول البعد، والبعد الذي يكاد يبلغ الغاية.

والاستخبار، فهو طلب الخبر، وحسب. ويختلف عن السؤال الذي يمكن أن يكون طلب الأمر وطلب الأمر والنهي، وهو أن يسأل السائل غيره، أن يأمره بالشيء أو ينهاه عنه.

ويظهر أن الاستفهام، هو لما يجهله المستفهِم، أو يشك فيه.

ومثلها الفرق بين الصوت والصياح، فالأول "عام في كل شيء، كصوت الحجر وصوت الباب وصوت الإنسان". بينما الصياح: "لا يكون إلا لحيوان".

ومن المترادفات التي هي مختلفة، في الحقيقة، الإعادة والتكرار، لأن التكرار يقع على إعادة الشيء، مرة واحدة. أما التكرار فعلى إعادة الأمر، مرات".

ومنها الفرق بين التضاد والتناقض، فالتناقض في الأقوال، والتضاد في الأفعال. فالفعلان متضادان، لا متناقضان.
والفرق بين الإنكار والجَحد، فالأخير أخصّ من الأول، بحسب العسكري. فأمّا الإنكار فهو للنعمة، لأن النعمة قد تكون خافية. بينما يمكن أن يكون الجحد هو إنكار الشيء مع العلم به.

الاختصار والإيجاز، من المترادفات التي تؤدي معنى واحداً تقريباً، إلا أنهما في الأصل مختلفتان. فالاختصار، هو إلقاؤك فضول الألفاظ من الكلام المؤلف، من غير إخلال بمعانيه. أمّا الإيجاز فهو البناء على قلّة اللفظ، وكثرة المعاني. فيقال "أوجز الرجل في كلامه، إذا جعله على هذا السبيل". أمّا "اختصر كلامه، إذا قصّره بعد إطالة". بحسب العسكري.

ومن المترادفات المختلفات، النبأ والخبر. فالنّبأُ لا يكون إلا للإخبار بما لا يعلمه المخبّر. ويجوز أن يكون الخبرُ، بما يعلمه وبما لا يعلمه. كذلك فإن الإنباءَ عن الشيء، قد يتم بغير حمل النبأ عنه، فتقول "هذا الأمر ينبئ بكذا" ولا تقول "يخبر بكذا". لأن الإخبار لا يكون إلا بحمل الخبر. يقول العسكري.

وخبر الشيء وخبره، عرفه. والخبير من الخبرة وخبر. ويأتي النبأ بمعنى الخبر، إنما مشمولاً بتعظيم وغموض. ويرد في "لسان العرب": نبأ عليهم ينبأ، هجم وطلع. ونبأَ من بلد: طرأَ. ونبأ نبأً: ارتفع.

وجاء في "مقاييس اللغة" لابن فارس أن النبأ هو الإتيانُ من مكان إلى مكان. والرجلُ النابئ هو الذي يأتي من بلد إلى بلد. ويستطرد: "ومن هذا القياس النبأ: الخبر، لأنه يأتي من مكان إلى مكان". ويستكمل في القياس ذاته: "والنبأة: الصوت، وهذا هو القياس، لأن الصوت يجيء من مكان إلى مكان". وهذا لا ينطبق على الخبر الذي لا شرط لحصوله بالانتقال من مكان إلى آخر. وهكذا يفهم شرط الانتقال من مكان إلى آخر كيصبح النبأ نبأً، فاكتسب الصوت اسم النبأة، لتمكّنه من الانتقال، حصراً، ولولا مزية الانتقال لما سمّي الصوت نبأةً.

هكذا يظهر الاختلاف الشديد بين الخبر والنبأ، ذلك أن الأخير عظيم ومجهول ويحمل معنى الترقب والوعيد مسبوقاً بالوعد أو تالياً له. من هنا الإجماع على أن "النبأ العظيم" التي ترد في القرآن الكريم، تحمل معنى يوم القيامة، أو أنها تشير إلى القرآن الكريم نفسه. مع ترجيح أن "النبأ العظيم" تعني القيامة والبعث بعد الموت. وكذا تتبدى أهمية إشارة ابن فارس إلى أن النبأ هو الإتيان من مكان إلى مكان، معطوفاُ عليها قوله إن من هَمَز بالنّبي (ص)، فلأنه "أنبأ عن الله. والله أعلم". بحسب كلامه.

ويأتي النبأ والرجل النابئ، بما يشتمله من معنى غامض يخاف منه، وفيه قول الشاعر الذي ينقله ابن فارس: "ولكن قذاها كلّ أشعث نابئ أتتنا به الأقدار من حيث لا ندري. ذلك أن النابئ هو من جاء من بلد إلى بلد، لا تُعرف غاياته. ومثله "السيل النابئ" الذي يأتي من أرض إلى أرض، لا يعرف ما في وحله ومائه.

من هنا فإن للنبأ جسامةً وأثراً وشمولية ووعداً ووعيداً. ولعل هذا ما حدا بأغلب البلدان العربية لاستخدام صيغة "وكالة الأنباء" لا "وكالة الأخبار". ذلك أن الأولى أعمّ وأشمل وتتضمن معنى الجديد الغامض والمجهول والمفاجئ والجسيم. ولهذا اشترط العسكري في "الفروق" أن النبأ لا يكون إلا للإخبار بما لا يعلمه المخبر، فيما يجوز في الخبر أن يعلمه أو لا يعلمه، بحسب قوله.

الكذب والزور والبهتان والإقرار والاعتراف والعلامة والسّمة والأثر

وكذلك الفرق بين مترادفات الكذب والزور والبهتان. فالزّورُ هو الكذب الذي حَسُنَ في الظاهر، ليحسب أنه صدق. أمّا البهتان فهو مواجهة الإنسان بأمر لا يحبه، فيبهته.

ولعل من الكلمات التي ترد كثيراً، في التعابير المعاصرة، على أنها من المترادفات، هما كلمتا الإقرار والاعتراف. وعادة ما تنوب الواحدة منهما عن الأخرى، وتؤديان الغرض ذاته، في النص. فيقال أقرّ بكذا، واعترف بكذا. أو الإقرار بكذا أو الاعتراف بكذا. في حين أن الإقرار هو إخبارٌ عن شيء ماضٍ، فيما الاعتراف أصله من المعرفة، ويقتضي تعريف صاحبه أنه قد التزم ما اعترف به.
أما الإقرار فالأصل فيه هو التقرير، وهو تحصيل ما لم يصرّح به القول. ويقول العسكري، إن هذا هو السبب الذي يدفع بأصحاب الشروط لدفع طرف على أن "يقرّ به" لا أن "يعترف به".

ويميّز العسكري أكثر ما بين الاعتراف والإقرار، فيقول: يجوز أن يُقَرَّ بالشيء وهو لا يعرف أنه أقر به، ويجوز أن يقرّ بالباطل الذي لا أصل له. ولا يقال لذلك اعتراف. لأن الاعتراف هو الإقرار الذي صحبته المعرفة بما أقر به مع الالتزام به". ولهذا يقال "الشكر اعترافٌ بالنعمة" ولا يقال "إقرار بها".

بدورها تبدو كلمات العلامة والسّمة والأثر، مترادفات، فيما السمةُ نوع مخصص من العلامات، وهو "ما يكون بالنار في جسد حيوان، مثل سمات الإبل، وما يجري مجراها". بحسب العسكري الذي يوضح أن أثر الشيء يكون بَعده، أمّا علامته فتكون قبله.

وكذلك النظرُ فهو لطلب الهدى، أمّا الرؤية فهي إدراك المرئي، وتلحق بهما كلمتا الإبصار والمشاهدة، ليكون للأخيرتين معنيان متشابهان ظاهرياً، ومختلفان، دلالياً أيضاً عن الشبيهات: لمح ورأى وأبصر. فيفصل ابن فارس في مقاييسه، لتكون شهد أصلاً يدل على حضور وعلم وإعلام. ومنها الشهادة عند القاضي للإقرار بعلم الشيء. فيما بصر وأبصر، لهما أصلان، الأول العلم بالشيء، والثاني من "بصر الشيء، غلظه، ومنه البصر وهو أن يضم أديم إلى أديم، يخاطان كما تخاط حاشية الثوب". بينما اللمحُ تدل على اللمعان، والنظرُ على التأمل الذي استُعير منه -بحسب ابن فارس- معنى نظرتُ إلى الشيء إذا عاينته. ويقطع في الرأي: ما يراه الإنسان في الأمر.

العتاب واللوم والمديح والثناء والتقريظ والإطراء

ومن أمثلة العسكري: الفرق بين المديح والثناء والتقريظ والإطراء، فالمديح للحي والميت. أما التقريظ، فهو لا يكون إلا للحيّ، والتعبير أصله في عمل يحصل لتحسين نوعية الجلود. ومثلها الفرق بين المديح والثناء، لأن الثناء مدحٌ مكرر، من قولك ثنيت الخيط. أما الإطراء فهو المدح في الوجه. على غير المديح الذي يمكن أن يكون بحضور الممدوح أو غيابه.

ويرد في كتاب "الفصيح" لأبي العباس ثعلب (200-291ه) تمييز بين "الأسْر" و"الحصْر"، فالأول يقال لاحتباس البول، والثاني يقال لاحتباس البطن.

ومن ذلك، المعاتبة: تواصف المَوجدة ومخاطبة الإدلال، أي مخاطبة تقرّب لا مخاطبة عداء ومشاكسة. فيما اللوم هو العذْلُ. فيقال: شَتَم ولامَ، ويقال: لامه وعذله، لكن لا يقال عاتَبَه وعذله، لأن العتاب هو للمودة أقرب.

لحاه ويلحوه ويشتمه ويسبّه ويهجوه

وهجاه، أي شتمه في الشعر. فالهجاء بابٌ من الشعر. أمّا سبَّه فقد قَطَعه وطَعَنَه في السَّبَّة، ويقصد منها تسمية عضو معين في الجسم، لإبراز حجم المسبّة المذلّة (!).

أمّا لحاهُ ويلحوه، فلاحاه ملاحاةً نازَعَهُ، ويقال الفعل لعود النبات أو الشجر، بمعنى تقشّر أو آن له أن يسقط. وتعني التقبيح واللّعن، وهي تشتمل معنى اللوم، أيضاً، في "القاموس المحيط".

القضم والخضم والظل والفيء والمأتم والمناحة والخُلف والكذب

القضم هو أكل الصلب اليابس. أمّا الخضم فهو أكل الطريّ كالبطيخ وكل ما هو رطب. وفي "أدب الكاتب" القضم بأطراف الأسنان، والخضم بالفم كله.

أمّا المأتمُ، فهو للنساء "يجتمعن في الخير والشر" ولا يصح على أنه "المصيبة"، بحسب "أدب الكاتب" لابن قتيبة، عبد الله بن مسلم، والمتوفى سنة 276ه. ويؤكد أن القول الصحيح هو "المناحة". ومثلها الظل والفيء، إذا يذهب الناس إلى الاعتقاد بأنهما شيء واحد، وهما ليس كذلك، بحسب "أدب الكاتب"، لأن الظل "يكون غدوة وعشية، ومن أول النهار إلى آخره". أمّا الفيء فلا يكون إلا بعد الزوال.
وجاء في كتاب "الفصيح" لأحمد بن يحي ثعلب، أن "الفيء" هو ما كانت عليه الشمس ورجعت عنه.

ويقول ابن قتيبة، في سياق التمييز بين مفردتين اعتقد وهْماً، أنهما تمتلكان معنى واحداً، وهما: الكذب والخُلْف. فالكذب: "فيما مضى، وهو أن يقول فعلتُ كذا وكذا، ولم يفعله". أمّا الخلْف فهو "فيما يُستَقبَل" ويشرحها "أن تقول سأفعل كذا وكذا، ولا تفعله (في المستقبل)". ومثلهما، خطأ توحيد المسكين والفقير، فالأول هو الذي "لا شيء له" أما الثاني فهو الذي "له البلغة من العيش".

والحلالُ هو المباحُ الذي يقرّه الشرع. فيما المباح قد يكون محظوراً غير حلال. واليمين اسمٌ مستعارٌ للقسَم "وذلك أنهم كانوا إذا تقاسَموا على شيء تصافقوا بأيمانهم، ثم كثر ذلك، حتى سمّي القسم يميناً". يقول العسكري. فيما القسم أبلغ من الحلف. فـ"أقسم بالله، صار ذا قسم بالله". والحلف من سيف حليف. وحلف بالله قطع المخاصمة بالله.

الرّيب والظن والشك والعطش والظمأ والهُيام والأُحاح

وجاء في "فرائد اللغة" للأب هنريكوس لامنس اليسوعي، والذي يعبّر صراحة عن معتقده في الترادف التام، فيراه "مما يستحيل كيانه" مؤكداً أن اللغة العربية "بحرٌ طافح بالألفاظ المتقاربة المعنى، حتى يختلط على الكاتب أن يفرّق بينها"، فيقول إن الشكّ هو تردد الذهن بين أمرين، على حد سواء. وقالوا إن التردد بين الطرفين إن كان على السواء فهو (الشك) وإلاّ فالراجح (ظن) والمرجوح وهمٌ، والشك سبب الريب، كأنه شكّ أولاً فيوقعه شكه في الرّيب. ويقال شك مريب، ولا يقال ريب مشكك. ويقال أرابني، أمر ما، ولا يقال شكّني. وينقل عن الجويني قوله: "الشك ما استوى فيه اعتقادان، ولكن لم ينته أحدهما إلى درجة الظهور.

والعطش أول مراتب الاحتياج إلى الماء، يقول "فرائد اللغة"، وتصبح "ظَمَأً" إذا اشتدّ العطش. أمّا إذا تواصل ذلك الظمأُ، واشتدّ، وعجز صاحبه عن احتماله، فيصبح اسمه "الهيام". ويضيف ابن فارس في "المجمل" بأن للعطش اسماً آخر هو "الأُحاح" وهي من "أحّ" المرتبطة بالسعال. فيصبح الأحّ عطشاً، إذا اضطر صاحبه إلى "الأح" أو إصدار صوت لترطيب الحنجرة عبر السعال "الأح" فيصبح عطشه أُحاحاً.
وجاء في "الغريب المصنف" لأبي عبيد القاسم بن سلام، المتوفى سنة 224، أن العطشان، يحمل اسم "الناهل". والناهلُ هو الذي شرب حتى ارتوى.

ثمانية أسماء للشَّعْر.. واللمس غير المسّ

ومع ابن فارس، وهو الحسين بن أحمد بن حبيب الرازي، المتوفى سنة 395ه مع اختلافات بتاريخ وفاته، في كتابه "الفرق" فإنه يسرد ثمانية أسماء للشَّعر، كل اسم منها يشير إلى موضعه الدقيق في جسم الإنسان. فيحمل الشَّعْر اسم "الهُلب" إذا كان للحاجب، ويصبح "الهدب" إذا كان للأشفار، ويتحول إلى "الشارب" إذا كان للشفة العليا، ويكون "العَنفَقة" إذا ما كان دون الشفة السفلى، وهو "اللحية" إذا كان للذقن، وهو "العِذار" إذا كان للعارض. أما إذا كان في المنطقة التي تلي الشدق، فيصبح اسمه "المِسحل". واسمه "العقيقة" لمّا يكون شَعراً قد ولد به الجنين.

وكذلك القيمة هي مقدار الثمن من غير نقصان، يقول أبو هلال العسكري، فيما الثمن قد يكون بخساً وقد يكون أكبر من القيمة الحقيقية. وبالتالي القيمة لا ترادف الثمن. حيث يقال عادة قيمة الشيء بمعنى ثمنه. وهذا خطأ شائع.

ويأتي الكتمان ليرادف الإخفاء، في كتم عنه وأخفى عليه وعنه. فيما الكتمان هو سكوتٌ عن المعنى، فيما الإخفاء يشمل هذا وغيره، وقد يكون إخفاءً لأشياء عينية، كالدراهم التي تخفى، لكن لا تكتم.

وتستعمل الكثير بمعنى الجمّ. والجمّ تقال للكثير المجتمع، في الوقت الذي يمكن للشيء أن يكون كثيراً بدون اجتماع. ومثلهما الوفرة والوافر، فلا تقال على العدد الذي يناسبه الكثير، فيما الوافر في زيادة حجم الشيء لكثرته غير العددية، كالحظ الوافر.
واللمس باليد خاصة، يؤكد "الفروق". والمسّ يكون باليد وغير اليد. وينقل: اللمس يكون بين حيَّين، بينما المسّ بين جَمادين.

قعد وجلس واضطجع والحيلة والتدبير

ومع ابن فارس أيضاً، فيقول في كتابه الشهير "الصاحبي"، وهو بصدد إعلان مذهبه في عدم وجود الترادف: "ونحن نقول إن في قعدَ معنى ليس في جلس. ألا ترى أنّا نقول قام ثم قعد، ثم نقول كان مضطجعاً فجلس، فيكون القعود عن قيام، والجلوس عن حالة هي دون الجلوس لأن الجَلْس هو المرتفع، فالجلوس ارتفاعٌ عما دونه".

والحيلة تشابه التدبير، يقول أبو هلال في فروقه، فيما هي تعمل في المحظور وفي المباح. على غير التدبير الذي لا يكون حيلة. فالحيلة هي من "أحيل به عن وجهه" سواء كان في خير أو في شر. إلا أنها تتضمن الإحالة السالفة، بتغيير موضع الشيء، وهي مما يتم التصرف بها فتصير: تحايلاً.

وعلى ذات المنوال الوجعُ والألمُ. الوجع أشمل لأنه قد يتأتى من الموجوع نفسه ومن غيره. بينما الألم هو ما يلحقه الشخص بنفسه. يوضح العسكري.

والقنوط أشد من اليأس، والخيبة لا تأتي إلا بعد الأمل، أمّا اليأس فقد يأتي قبل الأمل، وبعده. فيما القنوط قد يكون في خير أو في شر. والخيبة تشترط الأمل كي تحدث، على غير القنوط الذي قد يحصل دون أن يسبقه أمل.

التّرادف التّام ضدّ اللغة العربية.. والبعث ليس هو الإرسال فقط

كثيراً ما يلجأ أنصار الترادف التّام، إلى كلمات وردت بالمعنى نفسه، إنما في صيغ جمل وسياقات مختلفة. من مثل بعث النبي، أو إرسال النبي، للتأكيد على أن البعث والإرسال، مفردتان مختلفتان، إلا أنهما تضمنتا المعنى ذاته. ومثلهما كلمتا الشك والرّيب. وكلمات أخرى كثيرة بطبيعة الحال.

وكثيراً ما تشبّث بعض من أنصار الترادف، بورود كلمتي البعث والإرسال، في النص القرآني، بمعنى واحد وهو إرسال النبي، مغفلين ما ورد في النص القرآني نفسه، عن معنى آخر للبعث الذي بمعنى الإرسال. فما معنى البعث في هذه الآية: "يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا"؟ وهي هنا تتضمن معنى الإيقاظ من الغفوة ومعنى الإعادة إلى الحياة. وهذه الآية: "ثم بعثناكم بعد موتكم"؟ وهي تتضمن معنى الإحياء أيضاً. فضلاً عن أن البعث في الأصل المعجمي يتضمّن معنى الإثارة، ومنه استمدّ البعث كفعل إيقاظ أو إحياء أو تحريك. فضلاً عن كثافة دلالة الأصل الحروفي للبعث، التي تطورت وأصبحت تحمل معنى السبب والدافع. فأين هو الترادف؟!

ويشار إلى أن تشابه معنيي كلمتين مختلفتين، في استعمال ما، لا يعني وحدة معناهما، مطلقاً. فالبعث الذي يحمل معنى الإرسال والتوجيه والرسالة، يتضمّن أيضاً معنى الإحياء والانبعاث والتجدد، وهو ما تخول منه كلمة الإرسال، بالكامل.

وكلمات كثيرة، كالأب والوالد، فيما الوالد لمن أولدك، والأب قد تقال للجد البعيد. والابن والولد، فالولد يقتضي الولادة ولا يقتضيها الابن. والولد يقتضي والداً، والابن يقتضي أباً، والذي قد يكون جداً بعيداً أو معيلاً. خصوصاً أن "الأبَّ" هي الكلأ، ومنها استمدّ الأب أبوةَ التغذية والرعاية، والتي قد يمتلكها غير الوالد، كالجد والعم. وينقل "لسان العرب": "ما له أبٌ يأبوه، أي يغذيه ويربيه".

ومنها تشابه كلمات البثّ والعرض والنشر. والعرض تقف عند الإظهار، فحسب. بينما البثّ يتضمن الإظهار والنشر والترويج والتفريق، فضلاً عن تصرّف فيها بمعنى البوح والاعتراف والمكاشفة، ولهذا جاء في "لسان العرب" أن البثّ في الأصل شدة الحزن والمرض. فيما النشرُ ينقصه من البث الكثرة والعموم والاتساع والتفريق. الكتاب ينشر، لكن الجهة تبث، فيما التلفاز يعرض.

وكذلك الهبوط، نزول يعقبه إقامة. ولا يقال هبط الأرض إلا إذا استقرّ فيها. فيما النزول، على حاله، قد يتبعه صعود، أو لا يتبعه. إلا أن النزول تأخذ من الهبوط، معنى الإقامة، إنما العابرة، فالساكن في الفندق، نزيلٌ، لأن إقامته محدودة بمدة زمنية. وهذا يؤدي لفرق بين البيت والمنزل. فباتَ يفعل كذا وكذا، ويبيت بيتاً وبياتاً، أي ظل يفعله ليلاً، وليس من النوم. يحسم "لسان العرب". وينقل برواية: "ومن قال باتَ فلانٌ إذا نامَ، فلقد أخطأ. ألستَ تقول بتّ أراعي النجوم، معناها أنظر إليها. فكيف ينام وهو ينظر إليها؟". وبيّت الأمر، دبَّره بليلٍ. والمبيت الموضع الذي يبات فيه، ولا يشترط النوم.

الهمُّ شبيهه الغمّ، فيما الأولى الفكرُ في إزالة المكروه. والثانية وقوع الضرر أو توقّعه. ويوضح العسكري: "قيل: الغمّ ما لا يقدر الإنسان على إزالته كموت المحبوب. والهمّ ما يقدر على إزالته".

ولا تكاد تنتهي الكلمات التي عدّها البعض في الترادف، فيما هي خارجه، خصوصاً في الأصل المعجمي والمرتبط بالمادة الحروفية للكلمة. حيث تفترض حروف معينة، لو اجتمعت في كلمات، معاني مشتقة من ذلك الأصل الحروفي، حتى في حال تغيير الترتيب. وإذا كانت حروف اللغة العربية، متضمنة لمدلولات معينة في تراكيب مختلفة، فكيف هو الحال مع كلمات مختلفة حروفياً، أيضا؟