غازي مرتجى - النجاح الإخباري -
كتب غازي مرتجى
ثمانون صفحة لخصّت الحالة السياسية في فلسطين وما يرتبط بها اقليميًا عربيًا وعالميًا هي الورقة التي تقدّم بها صائب عريقات ابان اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني الأخير . الورقة التي خرج البيت الابيض نافيًا أن يكون قد تقدّم ببعض ما جاء فيها يتأكد رويدًا رويدًا حتى أضحى الإعلان عن صفقة القرن الأمريكية مسألة وقت .
الخطة الأمريكية التي ستأتي في سياق الفرض لا التفاوض ستُنفذ بموافقة الفلسطينيين او عدمه ولم تفكر الولايات المتحدة بطرحها الا بعد ان استشارت حلفائها في المنطقة من العرب حتى أنّ رئيسًا عربيًا حاول ان يضغط قليلًا لتحصيل مكتسبات لصالحه فطرحوا له مرشحًا أقوى منه فلم يلبث سويعات إلا وأدّى فروض التبجيل والشكر لخطة الرئيس الأمريكي ترامب . فيما تُرك الفلسطينيين وحدهم في مواجهة الولايات المتحدة وحيادية بعض العرب تستمر الولايات المتحدة بصياغة خطتها التصفوية التي باتت واضحة المعالم . هذه الخطة التي حاول الرئيس الفلسطيني أبو مازن تحسين شروطها واعتبارها خطة مرحلية لا وضع نهائي فرفض ترامب وقال إما أن تقبلوها كما هي أو ترفضوها كاملة . وقد تسلمت القيادة الفلسطينية بشكل غير رسمي نسخة من الأفكار الأمريكية وتبقى على الفرق الفنية للولايات المتحدة وبمساعدة فنيين من إسرائيل العمل على تفصيل التفاصيل وصولًا لكتابة أسماء المواطنين ممن سيتم ضمهم للدولة الفلسطينية المنقوصة أو الشوارع التي ستُصادر أو تُضّم . الخطة الأمريكية ليست "مزحة" أو أفكار وإنما مخطط كامل بالخرائط والأسماء وتفاصيل التفاصيل .
حتى منتصف العام ستُطرح الخطة الأمريكية والأخطر ما قاله غرينبلات أنّ الخطة ليست للنقاش والتفاوض إنما للتنفيذ أرادها الفلسطينيون رزمة واحدة فليأخذوها ولو رفضوا فليرفضوها جملة وتفصيلًا . الرجوب ردّ عمليًا عندما أكد ان خطة ترامب لا يمكن أن تُطبّق إلا في حال كان هناك موافقة عربية والدلائل تشير ليس إلى موافقة فقط بل إلى ضغط على القيادة الفلسطينية للقبول بالخطة وتأكيدًا لذلك وفي رسالة واضحة قال الرئيس أن قلمه من يوقّع فقط ولا نقبل أن يُوقع عنا أحد . تعود بنا الذاكرة لما تحدث به رئيس وزراء دولة فلسطين في أول رد على قرار ترامب :"لا يسوى الحبر الذي كُتب به" .
التصريحات لم تكن وليدة الحاجة وإنما تُرجمت عمليًا فما تبحثه الحكومة في الوقت الحالي من طرق الانفكاك من الاحتلال الاسرائيلي وإمكانيات اصدار عملة وطنية او التعامل بعملة غير الشيكل الاسرائيلي ورغم وجود بعض المُحبطين لذلك من المحسوبين على اتفاق باريس إلا أنّ قرار اللجنة التنفيذية وتوصيتها لحكومة الوفاق بالعمل على ذلك دليل دامغ على أنّ التصريحات التصعيدية ليست "فقاعات" وإنما مشروع مُتكامل وصولًا لإقامة الدولة الفلسطينية . المحسوبون على "اتفاق باريس" لم يكونوا أصحاب تصريحات فقط وإنما أداروا الظهر لبعض البنود في الاتفاق المذكور تؤهل السلطة ومؤسساتها وأذرعها الاقتصادية المختلفة من العمل ببعض الحُرية في جوانب مختلفة لكنهم عجزوا عن ذلك فقط لحماية مصالحهم .
نتنياهو المأزوم يريد الانتصار على حساب الدم الفلسطيني وقد بدأ ردًا على الاصرار الفلسطيني بجر "الدم" في محاولة منه لخلط الأوراق . التصريحات التي تلت عملية اغتيال الشهيد أحمد جرار في جنين من السلطة - الحكومة وقيادات حركة فتح أربكت حسابات الاحتلال مرة أخرى فانشغلت طواقمه "الالكترونية" بمحاولة اختلاق تصريحات كاذبة ومواقف مزيفة وفبركة أحاديث من نسج الخيال فالاحتلال يخاف "الكلمة" كما "الرصاص" ويحسب لها كثيرًا ..
عودة إلى الخطة الأمريكية والتي تسربّت بعض بنودها مختصرها أن تبقى سلطة الحكم الذاتي بلا سلطة . 14 % فقط من فلسطين التاريخية تحت ولاية السلطة والماء والهواء وكل شيء تحت تصرف الاحتلال . القدس التي لم يجرؤ أي من قادة الاحتلال على مناقشة وضعها التاريخي والديني تُحددها الولايات المتحدة بأراض تقع في الأطراف لتقول أنها عاصمة فلسطين . كل هذه الرزمة مقابل تسهيلات اقتصادية ودفعات مالية كبيرة للسلطة تتضمن بناء مدن على غرار "روابي" في أطراف القدس وبعض المناطق المُسماة "ج" . كثير من التفصيل تتضمنها خطة الرئيس الأمريكي لكنها وبالمختصر لا تصل إلى 50% مما طُرح على ياسر عرفات في كامب ديفيد ورفضه في حينه . ما الحل إذًا ؟ اعادة صياغة العلاقة مع الاحتلال بشكل كامل هو الحل الوحيد المطروح حاليًا . وأرى أن الوقت مناسب لقفزات كبيرة للأمام في سياق الانفكاك الاقتصادي رغم صعوبة الأمر والتحديات بوجهه . لكن لا شيء مستحيل .