نابلس - هيا قيسية - النجاح الإخباري - خبراء ومختصون: منصات التواصل الاجتماعي جعلت العالم يشاهد تفاصيل الجرائم الإسرائيلية

هيا قيسية

لعبت منصات التواصل الاجتماعي دورا محوريا منذ أحداث السابع من أكتوبر وألقت بظلالها على نقل صورة ما يحدث من مجازر بحق الشعب الفلسطيني في العالم الغربي، وهي قضية كانت وسائل الأجنبية تحاول تجاهلها في البدايات مع التركيز فقط على ما جرى من أحداث في غلاف غزة والمعاناة للإسرائيليين جراء ذلك، لكن منصات التواصل كانت المفتاح الذي أشعل الجامعات في الولايات المتحدة والدول الأوروبية، فكيف حدث ذلك، وما أسبابه؟

جعلت منصات التواصل الاجتماعي العالم يتابع أدق التفاصيل الجارية خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، فكانت صفحات الناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي في بؤرة الحدث ومصدر المعلومة الأول في كثير من الأحيان، متفوقة على وسائل الإعلام التقليدية، حيث الرقابة والأخلاقيات الإعلامية التي تحد من نشر صور الدم والدمار كما هو على حقيقته.

بالمقابل تم استهداف هؤلاء الناشطين وعائلاتهم بالقصف والتهجير والتهديد، كما تعرض الصحفيون كذلك إلى الاستهداف والقتل المتعمد.

إلى الجانب الآخر تعرضت الحقيقة للتشويه والتزوير من قبل بعض الصحفيين الأجانب ووسائل الإعلام الداعمة للاحتلال، في محاولة لخلق الأكاذيب وتلفيقها.

تأثير مزدوج


الباحث بالإعلام والتسويق الرقمي صدقي أبو ضهيراعتبر في حديث للنجاح، أن تأثير وسائل الإعلام الاجتماعي على القضية الفلسطينية كان مزدوجاً، فمن جهة، ساعدت في إيصال صوت الفلسطينيين ومعاناتهم إلى جمهور واسع حول العالم، مما خلق تضامناً ودعماً دولياً. ومن جهة أخرى، استخدمت أيضاً لنشر الدعاية والتضليل الذي يمكن أن يضر بالقضية، وهنا تعتمد الفعالية على كيفية استخدام هذه المنصات ومدى قدرة المستخدمين على تمييز الحقائق من الأكاذيب.

كما أضاف، أن وسائل الإعلام الاجتماعي تفوقت في بعض الجوانب على الإعلام التقليدي من حيث السرعة والتفاعل المباشر مع الجمهور.

فالمستخدمون يمكنهم نشر تجاربهم الشخصية وشهاداتهم الفورية، مما يضفي مصداقية وإنسانية على الأخبار.. ومع ذلك، يبقى الإعلام التقليدي مهماً في تقديم تحليلات معمقة وتقارير مستفيضة تفتقر إليها غالباً المنصات الاجتماعية.

وحول تأثير الإعلام الاجتماعي على القضية الفلسطينية سياسياً، قال أبو ضهير إن وسائل الإعلام الجديد ساهمت في زيادة الوعي الدولي بالقضية الفلسطينية، وهذا الوعي المتزايد أدى إلى زيادة التضامن الدولي، سواء من خلال حملات الدعم أو الضغط السياسي على الحكومات لاتخاذ مواقف معينة.

كما ساهم الإعلام الجديد في تغيير الرواية الإعلامية، حيث كانت الرواية الإعلامية حول القضية الفلسطينية تُسيطر عليها وسائل الإعلام الكبرى، التي قد تكون متحيزة أحياناً.

أما مع ظهور السوشال ميديا، أصبح للفلسطينيين وللأصوات الداعمة لهم منصة لعرض وجهات نظرهم مباشرة دون تقييدأو تحريف، وهذا التغيير ساعد في تقديم صورة أكثر تنوعاً ودقة عن الوضع على الأرض.

وأضاف أبو ضهير أن الإعلام الاجتماعي ساهم أيضا في التأثير على السياسات الحكومية، من خلال الضغوط الناتجة عن الحملات الشعبية الإلكترونية عبر المنصات المختلفة، التي تطالب بمقاطعة منتجات معينة أو فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على الاحتلال، كما حدث ويحدث في عديد من الجامعات الغربية.

على الجانب الآخر، تواجه القضية الفلسطينية تحديات تتمثل في انتشار المعلومات الزائفة والدعاية المضادة عبر السوشال ميديا، وهنا اعتبر أبو ضهيرأن هذه المعلومات يمكن أن تخلق تشويشاً وتقلل من فعالية الرسائل الداعمة للقضية، وهذا يتطلب جهوداً مستمرة للتحقق من المعلومات ومواجهة الدعاية السلبية بنشر الحقائق.

من جهته قال مؤسس المرصد الفلسطيني لتدقيق المعلومات "تحقق" بكر عبد الحق، للنجاح: إن منصات التواصل الاجتماعي أضحت مسرحا هاما للتغطية الإخبارية والدعاية النفسية والتضامن العالمي والنقاشات منذ أحداث السابع من أكتوبر حتى هذا اليوم، بالتالي كان هناك تفاعل كبير مع الأحداث منذ بدء اليوم الأول لأحداث السابع من أكتوبر مرورا بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

 وتعددت الاستخدامات في منصات التواصل ما بين التغطية الفورية، حيث تم استخدام منصات تويتر وفيسبوك، واتساب وتيليجرام بشكل فاعل لنشر المعلومات والفيديوهات والصور حول مجريات الأحداث.

كما أضاف أن الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية -طرفا الصراع- استخدما وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فاعل في إطار الحرب النفسية وتبادل ونشر مقاطع الفيديو، وكل طرف يروج من خلال هذه المقاطع لقدراته العسكرية وأيضا للهجمات التي تشن هنا وهناك.

الاستخدام الآخر لمنصات التواصل كان مرتبطا بالتضامن العالمي، بالأخص إنستغرام وتيك توك، حيث كانت مساحات هامة جدا للتضامن العالمي والتفاعل مع الجرائم التي يرتكبها الاحتلال في قطاع غزة، وهو ما أسفر عن ظهور حملات رقمية، حركت الشارع العالمي بمظاهرات كبيرة واسعة، واليوم الحراك الطلابي في الجامعات الأمريكية وجامعات العالم هو امتداد لحمله التضامن على منصات التواصل الاجتماعي.

كما تطرق عبد الحق، إلى الاستخدام المغاير لمنصات التواصل الاجتماعي، حيث استخدمت بشكل كبير من قبل أصحاب المصالح من الجهات أو مجموعات الدعم وإن صح التعبير، الجيوش الإلكترونية، وذلك من أجل تضليل المعلومات خصوصا حملتي (بني وود وغزة وود) التي كانت تستخدم هذين الوسمين من أجل التشكيك في معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة، وتقوم على هذه الحملة حسابات إسرائيلية لإعطاء غطاء للعدوان المستمر على غزة.

وحول تأثير الإعلام الجديد على القضية الفلسطيني، اعتبر عبد الحق، أن الإعلام الجديد هو سلاح فعال حيث خدم القضية الفلسطينية بشكل كبير، من خلال المساهمة في زيادة الوعي العالمي تجاه قضيتنا، وتغيير الكثير من المواقف خاصة تجاه حقيقة الاحتلال وطبيعة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

بالتالي كان الإعلام الجديد بكل مكوناته كان أداة فاعلة في زيادة هذا الوعي، وفي منح الفلسطينيين صوتا ومساحة للتعبير بكل لغات العالم.

كما تم استخدام السوشال ميديا في إطار التعبئة والحشد، وعلى سبيل المثال حملة المقاطعة العالميةBDS.

وأضاف أن الإعلام الجديد عزز من أدوات الدبلوماسية والسياسة خصوصا الدبلوماسية الرقمية من خلال استخدام هذه المنصات للتعبير عن مختلف وجهات النظر، كما عززت من الحرام الشعبي على مستوى العالم في إطار مساندة القضية الفلسطينية.

وحول الرواية الإسرائيلية والروايات الكاذبة المتعلقة بالفلسطينيين والمقاومة، التي شاهدناها على مدار الأشهر الماضية، قال عبد الحق إنه تم استخدام منصات المعلومات التي تداعت عبر الإعلام الجديد من أجل تفنيد مختلف المزاعم والأكاذيب حول الأحداث التي شهدها طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر.

  • الإعلام الجديد كسر حدود الجغرافيا

وأشار عبد الحق إلى أن الإعلام الجديد ووسائل التواصل الاجتماعي، كسرت حدود الجغرافيا وكسرت حدود السياسة في التغطيات بما يدور في غزة من أحداث، رغم أن الاحتلال مارس اعتداءات عديدة اتجاه الصحفيين واستهدافهم، حيث تم استشهاد أكثر من 140 شهيدا في قصف الاحتلال للمقرات الإعلامية في غزة، كما أنه قطع خطوط الاتصال والكهرباء، إضافة لمحاصرة صحفيين في الضفة.

وكان الصحفيون يعملون بأقل الإمكانيات، هاتف محمول وإنترنتفقط، وبالتالي كثير من الصحفيين الشباب والنشطاء ساهموا بشكل كبير من خلال هواتفهم المحمولة وحساباتهم الاجتماعية، في نقل مجريات الأحداث في قطاع غزة بسرعة ودقة، دون أي تأطير أو توظيف سياسي لهذه الأخبار، الأمر الذي ترك أثرا لدى الرأي العام العالمي اتجاه القضية الفلسطينية، وساهم في تغيير كثير من الاتجاهات في العالم والتحول من دعم الاحتلال لدعم القضية الفلسطينية.

  • دور تكاملي

حول الأفضلية في المساهمة بإيصال القضية الفلسطينية تحدث عبد الحق عن دور تكاملي في هذا الشأن، حيث اعتبر أن الإعلام التقليدي ربما لم يسهم في الماضي بشكل كبير في نشر معاناة الفلسطينيين لأنه يخضع لقوانين وضوابط وتحكمه السياسية والأنظمة ورأس المال والتمويل، بينما السوشال ميديا هي مساحة حرة مفتوحة ساهمت في إيصال معاناة الفلسطينيين بالرغم من تقييد المحتوىالتي تمت من خلال شركات التواصل (ميتاوتيك توك ومنصة إكس) إلا أن النشطاء والفلسطينيين تمكنوا من إيصال قضيتهم والتعبير عنها بشكل حر من خلال الالتفاف على الخوارزميات التي تقيد المحتوى الفلسطيني .

من جهة أخرى اعتبر أن التقارير التي تصدر عن قنوات عالمية وإقليمية ومؤسسات احترافية، لها قيمتها وتعتمد ولها آذان صاغية بالمحافل الدولية، بالتالي التكامل ما بين الإعلام الجديد والتقليدي لعب دورا في إيصال معاناة الفلسطينيين، وإن كان هناك أفضلية في وسيلة على أخرى في بعض الجوانب.

  • جيوش إلكترونية

أكد بكر عبد الحق الذي يعمل في مجال تدقيق المعلومات، إن الإعلام الجديد ساهم في تعزيز الزخم تجاه القضية الفلسطينية، من خلال المؤثرين والناشطين والحملات الاجتماعية التي تتم مثل حملات المناصرة ومقاطع الفيديو والمحتوى بمختلف أشكاله، ساهم في حضور القضية وكان الصوت الفلسطيني يصل لأقصى الدنيا، ولأعلى مستويات النظام العالمي، مثل مجلس الأمن والأمم المتحدة والمحكمة الجنائية ومحكمة العدل الدولية ومؤسسات حقوق الإنسان، ووصل للجمهور باختلاف لغاته وجنسه وعرقه، وهذا ما عزز حضور القضية الفلسطينية في المحافل الدولية أكثر وأكثر.

وتابع أن السوشال ميديا كانت مسرحا كبير للتضليل ولحملات التعاطف الخاطئة مع فلسطين من خلال نشر فيديوهات غير حقيقية، وتضخيم قدرات المقاومة، وفبركة ترجمات على لسان قادة الاحتلال وأشكالأخرى من التضليل الإعلامي والمعلوماتي.

مؤكدا أنه في منصات التواصل تنشط الجيوش الالكترونية وحملات الضغط التي تعمل بشكل مكثف من أجل نشر الرواية وتجنيد الجمهور لدعم جهة سواء كانت المقاومة الفلسطينية أو الاحتلال، بالتالي فوضى النشر والتزييف وتضارب المعلومات والتضليل الإعلامي وتضليل المعلومات، كان موجود بكثرة في منصات التواصل الاجتماعي، ولكن في المقابل كانت جهود منصات تدقيق المعلومات في المنطقة العربية والعالم في مواجهة هذا التضليل ومحاولة توضيح الحقائق للجمهور.

ختاما.. لا شك بأن القضية الفلسطينية وحرب الإبادة على قطاع غزة، ومنذ يومها الأول أخذت مساحة واسعة من مواقع التواصل الاجتماعي، التي وصلت لمختلف الأجيال، ولكن تأثيرها الأكبر كان للأجيال المستخدمة بكثرة لهذه الوسائل إلا وهم الشباب، الذين ساهموا بكل خبراتهم وقدراتهم على إيصال الصوت الفلسطيني، ومشاهد الإبادة، وحملات المقاطعة، مستخدمين وسوما عديدة، وطرق تحايل على خوارزميات بعض المنصات التي قيدت المحتوى، وكانوا بلا كلل وملل ينشطون افتراضيا.. إلى أن انتقل الأمر واقعيا ورأينا قوة وتأثير طلبة الجامعات الغربية في إيصال الصوت الفلسطيني وصوت غزة، بل والمطالبة بالتحرك لوقف الإبادة وقطع العلاقات مع الاحتلال.