لارا زايد - النجاح الإخباري - في تغطية أحداث الحرب على قطاع غزة، كرست وسائل الإعلام الإسرائيلية طاقاتها وأجندتها بما يتسق مع الأهداف السياسية للحكومة الإسرائيلية، حيث يبدو جلياً تماهي الإعلام مع نهج الحكومة ومزاج الشارع، مع فرض الرقابة العسكرية تعليمات بشأن التغطية الإعلامية حظرت بموجبها تناول 8 قضايا أو نشرها أو التعامل معها من دون الحصول على موافقة مسبقة من الرقيب العسكري.

ومن بين ما هو محظور على جميع وسائل الإعلام الإسرائيلية، نشر أي معلومات شخصية عن المحتجزين أو وضعهم الصحي وأي مواقف إسرائيلية تتعلق بالمفاوضات الرامية للإفراج عنهم، لقطع الطريق أمام أي تساؤلات حاسمة في هذا الملف الذي يشكلُ غضباً إسرائيلياً كبيراً لدى عائلاتهم.

صحيفة هآرتس ذكرت في هذا الإطار، بأن وسائل الإعلام الإسرائيلية تهتم بالعاطفة على حساب التقارير الإخبارية الصعبة المتعلقة بموضوع المحتجزين.

ويلحظ المتابع للإعلام الإسرائيلي مدى تجاهله لاستهداف عشرات الآلاف من الفلسطينيين في غزة جراء القصف الجوي الإسرائيلي، فيما يظهر صوراً للمباني المدمرة دون ذكر إمكانية دفن الناس تحت الأنقاض.

وتعلق هآرتس على ذلك بقولها "هذا يضر بدور الصحفي لأن المشاهدين يعتادون على عدم معاملة الجانب الآخر كبشر، ثم لا يفهمون لماذا يدير العالم بأسره، الذي يرى الصور الصعبة من غزة، ظهره لنا ويعامل إسرائيل كمعتدٍ"

وللإحاطة بشكل موسع، في تفاصيل ما يرد عبر الإعلام الإسرائيلي، يذكر لنا المختص بالشأن الإسرائيلي عصمت منصورأنه عقب الصدمة التي واجهتها دولة الاحتلال بعد السابع من أكتوبر، واهتزاز ثقتها بنفسها، لعب الإعلام دور المتجند في سبيل رفع المعنويات وتوحيد الشعب، مضيفاً "أصبح إعلاماً شعبوياً وأشبه بأنظمة الشمولية وتعمد بث الأغاني الوطنية مع التحريض الكامل، مرتدياً البدلة العسكرية للدفاع عن الجنود وهوية إسرائيل، في ظل شعورهم بمجابتهم لخطر يهدد وجودهم"

ويواصل منصور حديثه بالقول "الإعلام الإسرائيلي يعمل وفق عدة إيدلوجيات، لكن جميع وسائل الإعلام بعد 7 أكتوبر توحدت خلف الرواية الصهيونية، وشيطنة الفلسطيني، وتغييب الرواية الفلسطينية، وفصلت الأحداث عن سياقها، بوصف ما حدث يوم السابع من أكتوبر بأنه لاسامية، وإرهاب ونازية، وكل هذه الأوصاف من أجل عدم اعتباره رد فعل على ممارسات الاحتلال الإجرامية الممتدة منذ سنوات طويلة"

ويشير منصور إلى أن القيود التي فرضتها الرقابة العسكرية على وسائل الإعلام الإسرائيلية، لاقت تقبلاً واسعاً مع التزام كامل بالشروط الموضوعة، حتى من قبل المحللين والمراقبين السياسيين، إلا أنه خلال الأشهر الأخيرة فقط انتقدت بعض وسائل الإعلام هذا النهج المتبع.

ويبين المختص بالشأن الإسرائيلي عصمت منصور، كيف استغل الإعلام الإسرائيلي العاطفة والخوف والشعور بالرعب لتمرير الدعاية وتوحيد الإسرائيلي خلف الرواية والإعلام والمصطلحات التي تبناها منذ بدء الحرب، مشيراً إلى أن ذلك كان واضحاً في كل المراحل التي مرت فيها الحرب، حينما وصفوا حركة حماس بـ "داعش" وسلسلة الأكاذيب التي أطلقت في أحداث 7 أكتوبر، وذلك من أجل استثارة عاطفة الغرب ضد الإسلاموفوبيا.

مضيفاً "كل ذلك قاد إلى تكريس الصورة النمطية عن الفلسطيني بأنه إرهابي ومتطرف إيدلوجياً ويمارس العنف، وباستعادة اليهودي دور الضحية التي يحتكرها منذ سنوات وبأن هذا الصراع هو بين حضارتين من متقدمين ومتخلفين، وفق ما يصوره الإعلام الإسرائيلي ويروج له"

ويوافق ما ذكره منصور سابقاً، المختص بالشأن الإسرائيلي خلدون البرغوثي، بتعليقه على أثر القيود التي فرضها الرقيب العسكري على الإعلام الإسرائيلي بقوله "الرقيب حاضر جداً في التغطية الإخبارية الإسرائيلية، ويحجب الكثيرمن المعلومات والتقارير لدرجة أن بعض الصحفيين يقولون صراحة خلال تقديمهم خبراً أو حدثا ما، إن هذا يقدم بعد الحصول على موافقة الرقيب، وهذا يعني أن الكثير من المعلومات يحجب أو يؤخر بثه حتى يصبح تحت إطار "سمح بالنشر".

مضيفاً "تبنت وسائل الإعلام الإسرائيلية بمجملها الموقف الرسمي، والعسكري، وتجاوزته في حجم التحريض الذي قام به صحفيون ومقدمو برامج إخبارية وسياسية ومحللون ضد الفلسطينيين، إلى درجة التحريض على القتل، كما تتجاهل وتمتنع وسائل الإعلام العبرية إلا ما ندر عن عرض الكارثة الإنسانية التي حلت بقطاع غزة، وعند التعرض لها يتم تحميل المسؤولية للفلسطينيين أنفسهم"

ويذكر البرغوثي إلى أن هناك دوافع وإيديلوجيات مختلفة تنتهجها وسائل الإعلام في تغطيتها، وتكون بناء على التوجه الفكري والسياسي الذي تتبناه وسيلة الإعلام، ويشير خلدون على سبيل المثال بقوله" على مستوى القنوات التلفزيونية، قنوات ١١-١٢-١٣ تتبنى توجه إسرائيل لضرورة تحقيق أهداف الحرب، لكنها تتبنى في إطار أهداف الحرب أولوية إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، حتى لو بصفقة توقف الحرب مؤقتا أو بشكل دائم، لكن قناة ١٤ مثلا تدفع باتجاه الحرب وعدم وقفها مهما كانت الأسباب"

ويضيف "مع ملاحظة أن هذا الاستنتاج بناء على النقاشات في نشرات الأخبار والاستوديوهات التحليلية من داخل القناة أو مع الضيوف، لكنه لا يعبر عن موقف القنوات الرسمي، بل مواقف مقدمي البرامج والنشرات والمحللين. لذلك نجد الكثير من مقدمي النشرات والبرامج والمحليين في القنوات الثلاثة الأولى يهاجمون الحكومة ونتنياهو ويتبنون أولوية الصفقة التي تضمن إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين بغض النظر عن الثمن المقابل، وهناك أقلية فيها يتبنون وجهة النظر المغايرة والمتطرفة بشدة.

ويذكر البرغوثي، محاولة أنسنة الإعلام الإسرائيلي للإسرائيليين وشيطنة الفلسطينيين لأقصى درجة سياسية متبعة منذ عشرات السنوات، إلى جانب القصص الإنسانيةالحاضرة بشكل مكثف، وكذلك المقابلة المثيرة للعواطف، وبعدة لغات، بهدف خلق حالة تعاطف عالمية.

ويؤكد البرغوثي، أن كل ذلك أسهم في إبقاء الصورة النمطية للفلسطيني، وإظهاره كمتوحش يسعى لسفك الدماء، مع التركيز على رواية "الضحايا" الإسرائيليين وتجربتهم مع الفلسطيني، خاصة من أسروا في السابع من أكتوبر وتم إطلاق سراحهم في الصفقة السابقة.

"فضلا عن تحليلات المختصين بالشأن الفلسطيني وطرح أنفسهم كخبراء في العقلية الفلسطينية، فمثلا نجد مقابلات مع محققي شاباك حققوا مع السنوار خلال فترة أسره، أو مع مسؤولين في السجون التي كان بها" ويضيف البرغوثي

وفي ذات الإطار، يقول خلدون البرغوثي، بأن الإعلام الإسرائيلي أنفق على قضية الأسرى الإسرائيليين مبالغ طائلة، خاصة في الإعلانات المتلفزة وفي مواقع التواصل الاجتماعي محليا ودوليا، ويتم صياغة رسائل بقالب عاطفي بشكل عام، أو هجومي على الفلسطيني، وتعد هذه بشكل احترافي وبمستوى عال.

ويختتم البرغوثي حديثه بكيفية تغطية وسائل الإعلام الإسرائيلية لقضية مقتل الإسرائيليين الثلاثة الذين كانوا أسرى وتمكنوا من الهرب، برصاص الجيش الإسرائيلي

وأوضح في ذلك "هذه القضية تم التغطية عليها بقرار الرقابة العسكرية، والبيانات الرسمية الأولى لم تنشر أي تفاصيل، حتى تم استكمال التحقيقات العسكرية فيها، ومع نشر أي معلومة تقريبا كان المراسلون يشيرون إلى أن النشر بموافقة الرقابة، ومع رفع الرقابة عن القضية تمكن صحفيون إسرائيليين من تقديم تفاصيل حصلوا عليها كما يبدو من أطراف مطلعة عسكرية وسياسية.