نابلس - النجاح الإخباري - في ظل حرب الإبادة الجماعية المستمرة ضد غزة، برز نهج التضليل الإعلامي الإسرائيلي بشكل لافت، في الخطاب الإعلامي الغربي الذي اتسم بالانحياز والتضليل لصالح الاحتلال.

هذا التضليل سعى إلى تبرئة الاحتلال الإسرائيلي وتسويق روايته الزائفة حول حقيقة ما يعانيه الشعب الفلسطيني من اضطهاد وتهجير وقتل، وهي معاناة لم تبدأ في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، بل تمتد منذ النكبة في عام 1948.

نبحث في هذا التقرير كيفية استخدام إسرائيل للتضليل الإعلامي كأداة رئيسة لتضليل الرأي العام العالمي والتأثير عليه، مع التركيز على ضرورة فضح هذه الاستراتيجيات والكشف عن الحقائق المؤلمة التي يعيشها الشعب الفلسطيني.

ماكينة إعلامية ضخمة

الخبير في الشؤون الإسرائيلية، عقل صلاح قال إنَّ الصحافة العبرية تستخدم ماكينة إعلامية ضخمة بهدف التضليل الإعلامي وتسويق رؤيتها، وتبييض صورتها أمام المجتمع الدولي، بالإضافة إلى تبرير انتهاكاتها لحقوق الإنسان، لا سيما بعد أحداث 7 أكتوبر.

وأوضح صلاح في حديثه لـ"النجاح" أنَّ إسرائيل تعتمد على مفهوم "هاسبارا" في إعلامها، والذي يعني الشرح والتفسير والتوضيح، مدعومًا بالدبلوماسية الناعمة.

وأضاف أن هدف هذه الاستراتيجية هو خلق صورة ذهنية عالميَّة تدعم تأييد دولة إسرائيل لتحقيق أهداف استراتيجية على المدى القريب والبعيد. وأكد أن الهدف الأساسي لهذا الإعلام هو تبييض المجازر التي ترتكبها في غزة والضفة الغربية، وتبرير انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي.

ووصف صلاح ماكينة الإعلام الإسرائيلي بأنها من أنجح الدعايات الإعلامية في العالم، إذ تعمل على غسل الأدمغة على مستوى عالمي، مروجةً لنفسها ولأهدافها. وأشار إلى أن هذه الماكينة تهدف إلى تبييض صورة إسرائيل وأعمالها الخفية، وتزوير الحقائق التاريخية. تشمل هذه الرواية تبرير أعمال الاحتلال وتشويه صورة الفلسطينيين، وتحويل الانتباه عن الجرائم المرتكبة ضدهم.

في المقابل، أشار إلى ضعف الرواية الفلسطينية والعربية لعدة عوامل وقصورها، مما يسهل على الإعلام الإسرائيلي صبغ الفلسطينيين بالإرهابيين والمخربين.

وأضاف أن القانون الدولي يتيح للشعب المحتل حق المقاومة، ولكن الإعلام الإسرائيلي يروج لمحاربة العمل الفدائي وقمع الشعب المحتل.

وأكد صلاح على أنَّ هذا التضليل الإعلامي الذي يحسن صورة الكيان الإسرائيلي في العالم ويمنحها الشرعية قائم أيضًا على دعم الولايات المتحدة، ورئيسها جو بايدن، وتصوريهم الفلسطينيين كإرهابيين. وانتشرت العديد من الروايات المضللة، مثل قطع الرؤوس والاغتصاب، لتعزيز هذا التصور.

وشدد صلاح على أهمية دور الإعلام الفلسطيني واعتبره مسؤولية فردية وجماعية لإظهار الوجه الحقيقي لإسرائيل، مشدّدًاعلى ضرورة رفع مستوى النقابات والمؤسسات الإعلامية الرسمية لإيصال الرسائل للعالم، وتقديم السردية الفلسطينية بصورة مفصلة.

سقط القناع

حجم جرائم الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين كان له وقع كبير في الشارع الغربي، الذي ينتفض يوميًا للمرة الأولى في تاريخه نصرة للشعب الفلسطيني وللتنديد بجرائم الاحتلال.

وعلّقالمختص بالشأن الإسرائيلي صلاح عقلبأن إسرائيل اليوم تواجه صعوبات في تبييض صفحتها وإقناع العالم، بعد أن ثبت إجرامها خاصة في ظل وضوح الحقائق الحالية في حرب غير متكافئة أهدافها الأطفال والنساء والمدنيين، لم تستثنِ الخيام ولا مدارس الإيواء ولا المستشفيات، مشيرًا إلى أنَّ مجازر الاحتلال وجرائم الحرب التي وقعت في غزة أسقطت القناع ليظهر الوجه الحقيقي لدولة الاحتلال.

مضيفًا أن الصورة الذهنية التي رسمتها إسرائيل عالميا استخدمت فيها الحشد بكم هائل من التعبئة الفكرية لتغيّر واقعها بعد السابع من أكتوبر خاصة مع استمرار الحرب الشرسة على قطاع غزة للشهر الثامن على التوالي.

وأضاف أن الدعم الأمريكي والبريطاني للإعلام الإسرائيلي قد خف في الفترة الأخيرة، مما قلل من تأثير التضليل الإعلامي.

زيف وتلفيق

بدوره المختص في الشأن الإسرائيلي، نهر جمهور، قال إنَّ إسرائيل تعتمد على أساليب معقدة في التضليل الإعلامي، تمثلها ما يعرف بـ"هاسبارا"، وهي استراتيجية تشمل الشرح والتوضيح للدبلوماسية الناعمة بهدف رسم صورة ذهنية إيجابية عن إسرائيل على المستوى العالمي.

وقال جمهورلـ"النجاح": "إسرائيل استغلت أحداث السابع من أكتوبر والصور التي خرجت في اللحظات الأولى لمخاطبة الرأي العام الدولي الذي كان يتماهى تمامًا مع الرواية الإسرائيلية".

وأضاف جمهور أن وسائل الإعلام الإسرائيلية، وخاصة قناة 13 العبرية، تبنت نشر أخبار زائفة مثل ادعاء إعدام أطفال على حبل غسيل، واغتصاب نساء، وبقر بطن امرأة حامل، وكلها ادعاءات ثبت كذبها لاحقًا. وأكد جمهور: "إسرائيل تجيد الكذب وتعتمد عليه في روايتها الصهيونية الملفقة، والقائمة على التزييف وحرف الحقائق لدعم وجودها".

وأشار جمهور إلى أن الصحافة العالمية بدأت تكشف زيف هذه الادعاءات، حيث نشرت صحيفة "هآرتس" تحقيقات تفند الادعاءات الإسرائيلية، وكذلك الصحف الفرنسية التي أكدت عدم وجود أدلة على حالات الاغتصاب التي زعمتها إسرائيل. كما أوضح أن المسؤولة الأممية المختصة بمعالجة هذا الملف أكدت عدم تسلم أي دليل موثق حول هذه الادعاءات.

وقال جمهور إن الإعلام الإسرائيلي تمكن في البداية من استقطاب التعاطف العالمي عبر ترويج قصص عنف ضد الإسرائيليين، إلا أن الحقائق بدأت تتكشف وأصبحت إسرائيل تواجه صعوبة في استمرار روايتها الكاذبة. وأشار إلى أن العالم بدأ يدرك حجم الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين، واصفًا ذلك بأنه "إبادة جماعية متعمدة".

وأكد جمهور على أهمية تحري الدقة والوعي في تناقل الأخبار وعدم الاعتماد على المصادر الإسرائيلية بشكل أعمى، حيث إن إسرائيل تستخدم الإعلام كأداة في حرب نفسية ضد الفلسطينيين. وأضاف: "النقل عن الإسرائيلي بشكل أعمى هو ترويج للتضليل، خاصة في ظل الوضع المتفجر في غزة".

وأجمع المحللون على أن إسرائيل لا تكتفي بالتضليل الإعلامي وتشويه الحقائق بل تحارب الرواية الفلسطينية بكل قوتها وتقيّد وصولها.

ودعوا إلى ضرورة توخي الحذر وعدم السماح لإسرائيل بتسميم الأجواء الفلسطينية الداخلية عبر تسريبات وشائعات تهدف إلى إثارة التناقضات والخلافات.

وأكَّدوا على أهمية الحفاظ على وحدة الصف الفلسطيني في مواجهة هذه الاستراتيجيات الإعلامية المضللة.

أمثلة على التضليل الإعلامي:

1. نشر أخبار كاذبة: تم الإبلاغ عن حالات نشر الصحفيين ومحللي الاستخبارات لأخبار كاذبة دون التحقق منها بشكل كافٍ، مما يساهم في شيطنة الفلسطينيين.

2. تبرير الإبادة الجماعية: تستخدم المصادر الإسرائيلية الرسمية التضليل الإعلامي لتبرير الإبادة الجماعية في غزة، معتمدة على شبكة واسعة من الصحفيين ومحللي الاستخبارات الذين يتجاهلون الموضوعية والدقة التحليلية.

3. الادعاءات الزائفة: تم تداول روايات زائفة خلال الحرب الأخيرة على غزة، مثل ادعاءات بأن الفلسطينيين يرتكبون أعمال وحشية كمسوغ لجرائم الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل.

4. صور مفبركة: نشر الجيش الإسرائيلي صورًا مفبركة تظهر قيام مقاتلي حماس بإطلاق صواريخ من المناطق السكنية في غزة، واستخدمت هذه الصور لتبرير الهجمات على المدنيين الفلسطينيين.

5. فبركة الفيديوهات: تم فبركة فيديوهات ونشرها على أنها تظهر الفلسطينيين يرتكبون أعمال عنف، مثل فيديو مراسلة قناة إسرائيلية تحدثت عن "مقتل 40 طفلاً إسرائيليًا" دون أدلة.

6. فرز وتوظيف وحدات كاملة لنشر أفكار مسمومة وترويج الرواي الإسرائيلية وبث الفتنة عبر مواقع التواصل الاجتماعي كافة وبلسان عربي وإعلام موجه للفلسطينيين وبالأخص لأهلنا في غزة مثل أفيخاي أدرعي وكابتن إيلا والكثير من الحسابات والصفحات المسمومة.

يرى الكثير من المحللين والمختصين بالإعلام أن معركة الرواية تشكّل جزءًا هامًا من معركة الرأي العام العالمي وإن الإبادة الجماعية المتعمَّدة هي التوصيف الأنسب لهذه الحرب، التي يجب توظيف كل السبل لنقل حقيقتها وفضح الاحتلال وجرائمه، فالكيان الإسرائيلي، منذ ما قبل قيامه رسميًا من خلال احتلال فلسطين في عام 1948، أتقن صياغة الرواية التي تجيز له ليس فقط احتلال أرض عربية كفلسطين، بل أيضًا شرعنة كل الجرائم التي ارتكبها وما يزال يرتكبها حتى اللحظة ضد الفلسطينيين.

وأضافوا أن نشر الرواية الفلسطينية يحتاج إلى موقف فلسطيني موحد لنقل الحقيقة وإيصال الصوت وفضح سياسات الاحتلال، مؤكدين على أهمية دورالصحفيين والأكاديميين والكتاب في دحض الرواية الإسرائيلية، خاصة أن الرواية الإسرائيلية اليوم ضعيفة ولم تعد قادرة على إقناع العالم.

وأكدواعلى دور المنظمات الحقوقية والقانونية ومؤسسات الأسرى والطفل والمرأة في مواجهة التضليل الإعلامي مشددين على أن المطلوب من الجميع هو ممارسة دورهم على المستوى الإعلامي في فضح جرائم الاحتلال.