النجاح الإخباري - في السابع من أكتوبر 2023، شهد العالم حدثًا هز كيان الاحتلال الإسرائيلي من أساسه، كان ذلك اليوم بمثابة الصدمة التي كشفت عن هشاشة وفشل كامل المنظومة الأمنية والاستخباراتية الإسرائيلية، التي طالما تغنت بتفوقها وعدم قابليتها للاختراق. غير أن رد الفعل الإسرائيلي جاء انتقاميًا ومتهورًا، حيث شنت قواتها عدوانًا واسع النطاق على قطاع غزة، طال المدنيين والأبرياء وتسبب في دمار هائل للبنية التحتية والمنازل. وشاهد العالم مشاهد مروعة لم يسبق للبشرية أن عرفتها، وهو ما أدى إلى تبدد الصورة المزيفة التي كانت الولايات المتحدة تروجها لإسرائيل على أنها "واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، وكشفت للعالم وجهها الحقيقي كدولة احتلال قائمة على العنصرية والاضطهاد، لا تتوانى عن استخدام أبشع أساليب القتل والتدمير لتحقيق مآربها.

الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء واصف عريقات يقول لـ"النجاح" إن دولة الاحتلال تحاول منذ السابع من أكتوبر استعادة هيبتها وقوة ردعها، وهي حتى اليوم غير قادرة على تحقيق الأهداف التي أعلنتها ألا وهي تحرير الأسرى بالقوة العسكرية، وتدمير المقاومة الفلسطينية، ويمكن القول إنه "وبعد مرور 216 أيام على العدوان لا زالت قوات النخبة تعمل بكل طاقتها التدميرية باستخدام الأسلحة الثقيلة والقذائف المحرمة دولياً لاستعادة قوتها ردعها لتثبت للعالم أنها الأقوى".

وأشار عريقات إلى أن العقيدة العسكرية الإسرائيلية بركائزها الثلاث الردع والإنذار والحسم لم تعد موجودة بعد السابع من أكتوبر، ودولة الاحتلال فشلت في أن يكون لديها معلومات أمنية واستخباراتية دقيقة للسيطرة أكثر على أرض الواقع، ورغم وجود 120 ألف جندي على مدار أشهر في قطاع غزة لم يستطيعوا تحقيق الردع بسبب عدم وجود معلومات أمنية، وهذا يفقد قوات الاحتلال حسمها في المعركة استعادة قوة الردع".

وتابع الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء واصف عريقات أن المقاومة الفلسطينية استطاعت على مدار سنوات عدة أن تضلل إسرائيل في تدريب المقاومين الفلسطينيين، وكانت تخوض معارك عقول وأدمغة، وبالتالي حققت هذا الإنجاز والتفوق النوعي ب 1200 مقاوم، مقابل 20 ألف جندي من نخبة النخبة وأسرت قتلت عدد منهم أمام العالم أجمع.

وأضاف: "إن المعركة الآن هي بين جيش الاحتلال والمقاومة الفلسطينية، ورغم عدم مقارنة توازي الإمكانيات التي تملكها المقاومة بالنسبة لما يملكه العدو، إلا أن من يملك زمام السيطرة والقوة على الأرض هي المقاومة الفلسطينية لأنها تتفوق بالقدرة على التخطيط والرسالة، ومعرفة نقاط ضعف العدو".

ربيع الجامعات وقادة المستقبل-

على مستوى آخر، إسرائيل خسرت صورتها أمام العالم سياسياً، والدليل ما تشهده الوليات المتحدة الأمريكية في هذه الأيام من تحركات طلابية شملت عدداً كبيراً من الجامعات الأمريكية وخاصة الجامعات العريقة والتي لها تاريخ حافل بالإنجازات العلمية والفلسفية على الصعيد العالمي، والتي لطالما شكلت نموذج يحتذى به في الحريات العامة.

وانطلقت التظاهرات من جامعة كولومبيا في نيويورك وانتقلت الى باقي الجامعات كحركة احتجاجية ضد سياسة الولايات المتحدة الأمريكية المؤيدة للاحتلال الإسرائيلي حتى تجاوز عدد الجامعات التي امتدت إليها الاحتجاجات أكثر من (70) جامعة، وشكلت تحديا حقيقيا لإدارة الجامعات والإدارة الأميركية في كيفية التعامل معها.

بدوره يتحدث الدكتور حسين الديك، الخبير بالشأن الإسرائيلي والأمريكي المقيم في نيويورك أن الاحتجاجات والمظاهرات تميزت بشمولية غالبية الولايات الأمريكية عابرة للأحزاب السياسية وللولايات الديمقراطية والجمهورية، فقد انطلقت من أهم قلاع الحزب الديمقراطي  نيويورك وكاليفورنيا، ولكنها في الوقت نفسه امتدت الى قلاع الحزب الجمهوري ولاية تكساس، وامتدت على طول الولايات في الساحل الشرقي الأمريكي، ومن ثم إلى الساحل الغربي وولايات الوسط والجنوب، بمعنى أنها اخترقت كل الولايات على اختلاف توجهاتها ديمقراطية أو جمهورية وكان لها صدى كبير في التأثير في المجتمع الأمريكي".

 وأشار الديك إلى أن الدبلوماسية الرقمية الشعبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي شكلت المحرك الأساسي لتلك التظاهرات إذ فشلت الحكومة الأمريكية في السيطرة على الراي العام من خلال الإعلام التقليدي الموجه في الولايات المتحدة الأمريكية الذي يتبنى الرواية الإسرائيلية بشكل مطلق ومنحاز ولا يعطي أي اعتبار للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

وأضاف الديك: " تأتي هذ التظاهرات لتشكل ثورة في الوعي في المجتمع الأمريكي  والتي سيطرت عليه دائما الرواية الإسرائيلية، وشكلت هاجسًا كبيرًا للإدارة الأمريكية وللنخب السياسية الجمهورية والديمقراطية وللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية من ثورة الوعي لطلاب الجامعات الذي اصبحوا أكثر حساسية وتعاطفا مع الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني ولديهم معارضة كبيرة للدعم الأمريكي اللامحدود للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وأن هؤلاء الطلاب سيكونون بعد سنوات قليلة في مركز صنع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يشكل مصدر قلق كبير للوبي الصهيوني الأمريكي وللنخب السياسية والاقتصادية الأمريكية المتحالفة معه تاريخيا.

وفي حديثه عن ثورة الوعي الأمريكية أشار إلى أن حالة التحول الكبير التي حصلت في الوضع السياسي الداخلي في الولايات المتحدة الأمريكية تعود على عدة عوامل نمت وتطورت عبر سنين طويلة حتى وصلنا الى هذه الحالة السياسية المعقدة التي نعيشها اليوم، مما يلقي بظلاله على الانتخابات الأمريكية القادمة في 7/11/2024م، والتي كما يبدو ستكون انتخابات تاريخية بسبب التنافس الكبير بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، إضافة الى وجود مرشح مستقل للرئاسة هو روبرت كندي، فان شريحة الشباب تشكل الخزان الانتخابي للحزب الديمقراطي تقليديا في الانتخابات والتظاهرات التي تنتشر في الجامعات الأمريكية تؤدي الى خسارة الحزب الديمقراطي لقاعدته الجماهيرية والفئة الأقوى في قاعدته الانتخابية، إضافة الى ذلك فان تلك التظاهرات الطلابية تعبر عن عدم رضى الجيل الشاب من سياسة النخب السياسية والاقتصادية الأميركة التقليدية".