غزة - خاص - النجاح الإخباري - تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي تشديد حصارها على قطاع غزة، وتصر سلطات الاحتلال على تشديد الحصار بشكل أشد قسوة مما كان عليه قبيل العدوان الأخير في مايو 2021؛ وهو ما يدفع إلى مزيد من تدهور الأوضاع الإنسانية مع استمرار إغلاق المعابر، والأعطال المتكررة لخطوط تغذية التيار الكهربائي الإسرائيلي من الداخل المحتل، ومع استمرار منع دخول المواد الأساسية اللازمة لإعادة عمل المنشآت الصناعية والتجارية وعدم الشروع في إعادة الإعمار.

تحذيرات كثيرة للمجتمع الدولي من استمرار عجزه عن الوفاء بالتزاماته، ولاسيما تعهداته بالإعادة إعمار قطاع غزة ورفع الحصار المفروض عليها لضمان استقرار الأوضاع السياسية والأمنية وعدم العودة لمربع الصراع العنيف، سيما وأن الأوضاع الإنسانية قد تشكل محركا حقيقياً لتجدد الصراع.

مواجهات مستمرة

وفرضت قوات الاحتلال الإسرائيلي الحصار على قطاع غزة منذ 9/10/2000، وعادت لتشدد الحصار في عام 2007 بعد أن أعلنت قطاع غزة كياناً معادياً، وحظرت دخول البضائع والسلع الأساسية كما حظرت تصدير المنتجات، ومنذ ذلك التاريخ تستخدم سلطات الاحتلال تحكمها المطلق في المعابر وسيطرتها على الأجواء والمياه كوسيلة لتحقيق أغراض ومآرب سياسية فتارة تمنع الصيد وتارة تقلص المساحة وكذلك الأمر بالنسبة لمعبر بيت حانون، فتارة تسمح بمرور المرضى وتارة تحرمهم من الوصول إلى المستشفيات وتسمح لمريض وتمنع آخرين، والأمر نفسه على معبر كرم أبو سالم فتمنع دخول البضائع والمواد الأساسية، وتارة تسمح بدخول مواد وتمنع أخرى، وبالرغم من الأثر الإنساني، ولاسيما الاقتصادي والاجتماعي الكارثي على سكان قطاع غزة لم يتحرك المجتمع الدولي لإنهاء هذا الانتهاك الذي يرقى لمستوى جريمة الحرب كونه عقاباً جماعياً يطال أكثر من مليوني إنسان فلسطيني هم سكان القطاع.

ويواجه سكان قطاع غزة مشكلة انقطاع التيار الكهربائي التي تزداد حدة في ظل صيف ترتفع فيه درجات الحرارة عن معدلاتها السنوية ما يعكس نفسه على أوجه الحياة كافة، ولاسيما الخدمات الأساسية، ويشير آخر تحديث لشركة توزيع كهرباء غزة الأحد الموافق 11/7/2021 إلى أن نسبة عجز الطاقة الكهربائية بلغت 55.3٪، مع عمل كافة الخطوط القادمة من شركة الكهرباء الإسرائيلية وهو أمر نادر الحدوث، الأمر الذي ينعكس على خدمات المياه، والصرف الصحي والرعاية الصحي، في ظل استمرار القيود الإسرائيلية على وصول المرضى إلى المستشفيات.

وتواصل سلطات الاحتلال منع دخول كافة أصناف المواد الخام والبضائع باستثناء المنظفات ولفات النايلون والورق فهي تحظر دخول كل أصناف المواد الخام الضرورية لتشغيل المنشآت الصناعية. كما تحظر دخول المنتجات المصنعة كالملابس والأحذية وغيرها رغم اقتراب عيد الأضحى المبارك.

وتستمر معاناة ضحايا الهجمات العسكرية الموجهة ضد الأعيان المدنية والبنية التحتية ولاسيما خلال العدوان الأخير على قطاع غزة، بحيث يتواصل تهجير 8500 إنسان ممن دمرت مساكنهم كلياً بالإضافة إلى نحو 250.000 إنسان ممن لحقت بمساكنهم أضرار جزئية يعانون من عدم تمكنهم من إصلاح مساكنهم في ظل استمرار حظر دخول مواد البناء وعدم إطلاق آلية لإعادة إعمار ما دمرته قوات الاحتلال. بل إن الحصول على فرشة عادية أصبح أمراً صعباً في ظل تدمير مصانع الإسفنج ومنع دخوله إلى قطاع غزة، وهذا ينخرط على معظم الأساسيات من الأدوات المنزلية.

آثار كارثية

من جهته، أفاد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، بأن الهجوم العسكري الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة في مايو 2021 خلف آثارا اقتصادية كارثية ولا سيما في القطاع الإنتاجي، وتسبب بخسائر مباشرة وغير مباشرة تتجاوز نصف مليار دولار في مختلف القطاعات.

وذكر المرصد الأورومتوسطي، في تقرير له، أن فريقه رصد تنفيذ جيش الاحتلال هجمات دقيقة ومركزة على منشآت اقتصادية تحوي مصانع ووحدات إنتاجية متنوعة.

وأوضح أنه إلى جانب استهداف المنشآت الإنتاجية في مناطق متفرقة من قطاع غزة، عمد الجيش الإسرائيلي خلال هجومه إلى استهداف مدينة غزة الصناعية بشكل مباشر، وهي من أكبر التجمعات الإنتاجية في قطاع غزة، إذ تضم عشرات المصانع والشركات التي تشغل مئات العاملين، ويجري داخلها جزء كبير من العمليات الإنتاجية لمصانع القطاع.

وقال إنه من خلال مراجعة سلوك جيش الاحتلال وطبيعة الذخائر الدقيقة التي استخدمها في استهداف المنشآت الاقتصادية، يتضح أن إسرائيل ربما تعمدت استهداف القطاع الإنتاجي في قطاع غزة على نحو خاص، من أجل إحداث أضرار فادحة وطويلة الأمد في القدرات الإنتاجية، ووأد أي جهود لتحقيق تنمية اقتصادية في القطاع المحاصر منذ أكثر من 15 عاما.

وفي 10 مايو 2021، شن الجيش الإسرائيلي هجوما عسكريا واسعا على قطاع غزة استمر 11 يوما، نفذ فيه آلاف الهجمات الجوية والمدفعية على القطاع الصغير الذي يكتظ بأكثر من 2 مليون شخص، ما أدى إلى استشهاد 254 فلسطينيا، بينهم 66 طفلا، و39 امرأة، إلى جانب تدمير آلاف الوحدات السكنية والمنشآت الاقتصادية، وإلحاق أضرار كبيرة في البنية التحتية.

وخلال الهجوم العسكري الذي أطلق عليه الاحتلال اسم "حارس الأسوار"، ارتكب الجيش- بحسب المرصد الأورومتوسطي- انتهاكات متعددة ومركبة، قد ترقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، عبر القوة النارية الهائلة التي استخدمها ضد المناطق المدنية المكتظة بالسكان، ليعتدي بذلك على عدد من الحقوق الأساسية أبرزها الحق في الحياة، والحق في السكن، والحق في العمل وكسب العيش والحق في الملكية.

ولفت إلى أن الهجمات الإسرائيلية المباشرة ألحقت دمارا واسعا في المنشآت الاقتصادية في قطاع غزة، بما في ذلك تدمير وإلحاق أضرار بأكثر من 100 مصنع، وتدمير بنايات وأبراج سكنية تضم محالًا تجارية متعددة الخدمات، واستهداف ورش صناعية، ومؤسسات تعليمية ومراكز تدريب، وقصف أراض زراعية بمساحات واسعة، تضم بعضها مزارع لتربية المواشي والدواجن.

خسائر مباشرة

وخلص تقرير المرصد الأورومتوسطي إلى إلحاق خسائر مباشرة وغير مباشرة تتجاوز نصف مليار دولار في مختلف القطاعات الاقتصادية في غزة، ما عمق من أزمة الاقتصاد الهش أصلًا بفعل تداعيات 15 عامًا من الحصار والانقسام.

وذكر أن تدمير وإعاقة عمل المصانع والمنشآت الإنتاجية تسبب بتعطيل آلاف العمال عن العمل، وزيادة معدل البطالة المتفشية بنسبة عالية أساسًا في قطاع غزة، حيث تبلغ نحو 49% بشكل عام، وترتفع في أوساط الشباب والخريجين إلى أكثر من 67%.

وطالب المرصد الأورومتوسطي السلطات الإسرائيلية بفتح تحقيق جدي في استهداف القطاع الاقتصادي في غزة ومحاسبة الفاعلين، والعمل على تحييد المدنيين وممتلكاتهم والمنشآت الاقتصادية خلال الهجمات العسكرية.

ودعا مجلس الأمن الدولي إلى فتح تحقيق في الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية خلال هجومها على قطاع غزة، بما في ذلك قتل المدنيين واستهداف ممتلكاتهم.

وتتفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن الحصار وجملة الانتهاكات الإسرائيلية، حيث تجاوزت أعداد العاطلين عن العمل نصف السكان، فيما تصل أعداد الفقراء إلى نسب غير مسبوقة، وينعدم الأمن الغذائي (68.2%) من مجموع السكان، وبلغت نسبة الأسر التي تتلقى مساعدات (70%) من مجمل الأسر في قطاع غزة.

وتتواصل معاناة السكان وهيئات الحكم المحلي في ظل الدمار الذي ألحقته الهجمات الحربية الإسرائيلية بالطرق والشوارع المرصوفة وشبكات تغذية المياه والصرف الصحي وشبكات الهاتف الأرضي وخطوط الإنترنت، وعدم قدرة البلديات وشركة الاتصالات على إعادة إصلاحها في ظل نقص الإمكانيات والموارد المزمن واستمرار حظر دخول المواد اللازمة للإصلاح.