نابلس - منال الزعبي - النجاح الإخباري - هناك من يلاحقون الأحلام حتى يمسكون شعاع النور بأيديهم يزرعون الأمل ويحصدون النجاح، ولأنَّ نور الشمس لا يسطع إلا بعد الظلام، في أرض غزة التي خاضت نزاعات مريرة وارتوت بالدماء وتغطت بالأشلاء، بزغ نور ثلاث فتيات طوّقن الحدود الغزيّة لقرية خزاعة بالخَضار عبر استثمار الأراضي الزراعية.
مشروع ريادي لمجموعة شبابية مبادرة، جاء تحديّا للبطالة وتعزيزًا لحب الوطن في نفوس الشباب.
أسيل وغيداء وندين، فتيات حملن اسم (GreenGirls( لم يثنهن سيف البطالة المسلّط على أعناق الخريجين من رؤية الحلم، كفلسطينيات شامخات تمسّكن بالأرض فكرة ومشروعًا يحتضنُ الطموحات ويدرُّ الأرباح.
أسيل النجار (27) عامًا تحمل شهادة بكالوريوس تعليم أساسي، وغيداء قديح بكالوريوس محاسبة، وندين أبو روك تخصص علوم ماليَّة ومصرفيَّة، انضم لهن الشاب خليل أبو رجيلة بكالوريوس علم اجتماع، كوَّنوا معًا فريقًا اتّحدّ في سبيل تحقيق حلم راودهم بامتلاك مشروع قائم على استثمار الأرض وزراعتها بالمحاصيل، ثمَّ تسويقها.
البداية فكرة أدارت حوارًا بين الشابات الثلاثة الباحثات عن فرصة عمل، تقول أسيل كمال لـ"النجاح": "كان محور جلساتنا الحديث عن أفكار مشاريع، وفعلًا طرحنا أفكارًا كثيرة، منها صالون تجميل، أو بوتيك ملابس، أو محل عطور، أومقهى، أو محل متعدد الأغراض، إلا أنّ كلَّها مشاريع مكلفة تحتاج رأس مال كبير".
وتابعت حديثها، "اتَّجهت أنظارنا لاستثمار الموارد المتاحة، خاصة أنَّ أرضي قريتنا خزاعة أراضٍ زراعية خيّرة، أضاء الفكرة وأشعلها برؤوسنا والد ندين وهو مزارع، فضَّ النقاش المحتدم بترجيح فكرة استثمار أرض زراعية لأحد معارفه ودفع أجارها من مردود المحاصيل، وشراء المعدات بالدين حتى طرح المحاصيل، ما شجعنا على الإقدام على تنفيذ الفكرة على أرض الواقع".
وأضافت أسيل أنّهن على الفور آمنَّ بالفكرة ونقلنها لحيّز التنفيذ بعد استشارة مهندسين زراعيين في مديرية الزّراعة، ومشورة العم أبو أحمد والد ندين، الذين اقترحوا زراعة البازيلاء التسعينية".
جمّعن مبلغًا بسيطًا حيث دفعت كلّ واحدة منهن 300 شيكل لحراثة الأرض، وشراء البذور، لزراعة الدونمات الثلاثة.
فرحة غامرة أحست بها الفتيات عندما اتّشحت أرضهن بالخضار، ومع بزوغ أزهار المزروعات لم تتمالك أسيل نفسها فأطلقت الزغاريد فرحًا، واصفة شعورها، بقولها: "اختلطت عليّ المشاعر دموع وضحكات، شعرت بأنَّني أطير من شدّة الفرح، شعور يشبه تمامًا رؤية الأم طفلها لأوّل مرة".
جاءت مرحلة التسويق، وأراد الفريق خلق طريقة مختلفة عن بقيَّة المزارعين فرفضوا بيع تجار الجملة، معتمدين على مواقع التواصل الاجتماعي عبر صفحات فيس بوك وانستغرام تحمل لقبهن وطابعًا يتوج منتجاتهن، وأرقامًا للتواصل والتوصيل.
عملت الفتيات بروح الفريق الواحد، ما طرح البركة في مشروعهن على حدّ قول أسيل، "تعاملنا بثقة، وتولت غيداء صندوق المشروع، والأمور الماليَّة، التي رصدت حتى آخر المحصول، غطينا تكاليف الحراثة والأسمدة وشبكة الرّيّ والمزروعات، لم تكن الأرباح كبيرة، لكن تمَّ سداد كلّ التكاليف التي دفعت في المشروع، وتمكنّا من حراثة الأرض لمحصول جديد.
خمسة شهور من العمل في الأرض، زرعن خلالها الخسّ والفجل والبازيلاء والجزر، حراثة وزراعة ومراقبة المحصول ثمَّ جنيه، وصولًا لمرحلة التّسويق وتلقي الطلبيات، وتلبيتها، ورصد الأرباح، وإعادة رعاية الأرض في دورة تكامليَّة ممتعة، تجربة خاضتها الفتيات في انتظار مساهمة مؤسسات داعمة ليتمكنّ من زراعة محاصيل جديدة.
أفكار كثيرة تدور برأس أسيل التي تطمح بتطوير المشروع من الزراعة إلى التصنيع والتعليب وزيادة المنتجات وبيعها على صعيد أوسع و باسم مرخص.
مشروع أثار ردود فعل عُنونت بالفخر والاعتزاز كونهن فتيات فلسطينيات رائدات استطعن خلق فرصة عمل، متمسكات بمهنة الآباء والأجداد التي أحيينها بعقول نيّرة، فحظين بالدعم المعنوي والمساعدة اليدوية من الأهالي والمحيط في جني المحاصيل إلا أنّهن لم يتلقين أيّ دعم مادي.
تسعى الفتيات اليوم لتكبير مشروعهن، وضم أيد عاملة من صفوف الشباب والفتيات العاطلين عن العمل، في سبيل الحدّ من تفشي البطالة، داعيات المؤسسات الداعمة والحكومة لتبني المشروع ودعمه.
ووجهت أسيل باسم فريقها رسالة لمجتمع الشباب بالتمسك بطموحهم والسعي حثيثًا، والبحث بدواخلهم عن مواهب قد تكون نقطة الانطلاق نحو النجاح، الذي رأت أن أساسه الثقة، وأن لا تثنيهم الآراء المحبطة وبعض العادات والتقاليد المتحجرة عن مواصلة الطريق.
وأخيرًا أشادت أسيل بمهنة الزراعة كحرفة عظيمة متأصلة في البشر، في ظل وجود أراض حدودية فارغة داعية كل أصحاب الأراضي الحدودية في غزة، لزراعة أراضيهم وإيصال رسائل للعدو بأننا متجذرون بهذه الأرض ونبذل في سبيلها الغالي والنفيس.
"فقط من يتحدى هو من يتسحق أن يعيش" عبارة كتبتها أسيل عبر صفحتها على "فيس بوك" لتثبت مقولة أخرى لها، "معاً بالإرادة والحُلم والطموح نصل أبعد الحدود".
تحلم الفتيات الثلاثة بكيان ومكان يوصلهن للطموح، يرين المستحيل وهمًا بخيال كلّ متقاعس، مؤكّدات على أنَّ البذل والعطاء والانغماس بالأرض يصنع المعجزات، ذهبن لأرض الحلم، ليصبحن بطلات حكاية مختلفة، تكاملن فيها فتكلّلن بالنّجاح.
