غزة - مارلين أبوعون - النجاح الإخباري - فصل من فصول المعاناة والألم تطفو مرة أخرى في غزة، بعد حادثة وفاة الشاب المهاجر تامر السلطان في البوسنة، لشاب لم يجد في وطنه حياة ليحيا فيه، فركب موج الموت وهاجر إلى اللا النهاية، نهاية هي في الحقيقة مؤلمة بكل الأحوال، فالغربة نهشت عظام وأجساد الشباب وأمواجها لفظتهم صرعى، مخلفين وراءهم هم وألم لذويهم وحرقة لن تفارقهم وهم يشاهدون صور أبنائهم متوفين.

صالح حمد 22عاما ليس الأول ولن يكون الأخير في دفع فاتورة وضريبة وطن قيدهم وخنقهم، ولاحقهم حتى هربوا منه ليموتوا بعيدا عن كل شيء.

حمد بن بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة ، لم يغب لحظة عن مدينته التي لطالما عشقها وأهله وأصدقائه الذين طالما عاش معهم أجمل اللحظات والأيام، فكان كثيرا يرسل رسائل حب واشتياق لهم، لم ينسى أحد منهم بل كان دائما المبادر للسؤال عنهم، وكأنه يشتم رائحة الوطن الذي هجره مرغماً عنه، بفعل الظروف البائسة.

صالح أراد أن يحقق أحلامه الصغيرة في إحدى الدول الأوروبية، لكنها برغم اتساعها لم تسع حلم واحد من أحلام الشاب الغزي.

شهيد غربة جديد سبقه الكثير من شباب قطاع غزة، وإن اختلفت ظروف وفاتهم بالشكل لكنها بكل تأكيد اتفقت في المضمون.

سبقه لتلك الشهادة تامر السلطان، محمد البحيصي، محمد أبو شملة، محمود عوض الله وغيرهم الكثير ممن هم محتجزين في السجون التركية او اليونانية أو البوسنية، إضافة إلى المفقودين.

"صالح" الذ كان لطالما يرسل لأمه السلام، واشتياقه الكبير لها ولحضنها فكتب لها ذات مرة " أمي أفضل انسانة تجبر خاطري وتراضيني، أمي امرأة عظيمة أفخر بكونها أمي "، غادر صالح تاركا أمه الذي قال إنها هي الوحيدة التي تستطيع أن تجبر خاطره ، تركها وحيدة دون أن يجبر خاطرها قبل رحيله .

                                                                                             صالح حمد برفقة والدته

ومن ضمن الرسائل التي وجهها صالح وكانت موجعة بقدر ما تحمل من ألم وخوف وغضب لآلاف الشباب الدفين في دواخلهم، فقال: "لا تغطوني بعلم حماس أو فتح ولا حتى فلسطين حين أموت ، غطوني بحرامات أمي اللي فوق الخزانة "، تلك الكلمات هزت أفئدة الجميع ، كبارا وصغارا، بعد الاعلان عن وفاته غرقاً ، واستخراج جثته التي تشوهت وتحللت، ومع ذلك لم يبق إلا شارة فلسطين التي في يده حيث عُرف منها ، والتي أبت أن تتحلل وبقت صامدة وشاهدة على مرارة ألم شاب قاسى كل أنواع العذاب في الغربة .

رحل قبل أن يتم تغطيته بحرام أمه ، وكأن الحياة في كل مرة تعانده وتحرمه من أبسط حقوقه ، مات صالح غريقا وحيدا موجوعا، جسمه أصبح باردا

بداية الألم

يقول والده كمال حمد "45 عاما" عن تفاصيل غربة نجله ومعاناته بين البلاد وفي الغابات والأنهار ، والذي دعا دوما أن لا يكون مصيره مثل ما سبقوه من الشباب، فيُحرق قلبه على فراقه" قرر صالح برفقة العائلة مغادرة القطاع بعد الأوضاع الاقتصادية السيئة التي أضحى يعاني منها الكثيرون في قطاع غزة، فخرج من معبر رفح البري ومنه إلى مصر باتجاه تركيا حيث بقى هناك لمدة أسبوع بينما أكملت العائلة المهاجرة والتي تتكون من عشرة أفراد، طريقها إلى اليونان على أمل أن يلحق بهم صالح وقد وصلوا إلى جزيرة "ساموس" اليونانية وبعدها تمكن صالح من اللحاق بهم ولكن إلى أثينا مباشرةً في اليونان، وليس إلى الجزيرة التي تتواجد فيها أسرته حيث مخيم اللجوء هناك".

وأضاف "مكث صالح هناك شهرين من الزمن في انتظار أن تنهي عائلته المتواجدة في مخيم اللجوء إجراءات المكوث هناك في الجزيرة وحين لم تتمكن العائلة من استكمال إجراءاتها لأن كل من إخوة صالح (ضياء وبيسان) لم يحصلوا بعد على تصريح إقامة، قرر صالح حينها وبسبب هذا التأخير التحرك نحو بلجيكا ، وهو الأمر الذي رفضته في البداية ولكن مع تصميم صالح خضعت لرغبته ووافقت". 

وتابع " خرج صالح من اليونان وصولاً إلى نهر دارينا (الفاصل بين البوسنة والهرسك) يوم الثلاثاء الماضي حيث فُقد مع مجموعة شبان من غزة ومعهم شاب سوري الجنسية وعائلة يمنية حين قرروا قطع النهر بين البوسنة والهرسك إذ باغتهم تيار، بشكل مفاجئ وجرفهم وهم في طريقهم للحصول على قارب من أجل العائلة اليمنية وكان صالح هو أول من اكتشف وجود التيار بل وحذر منه.

وأردف " النتيجة أنهم جميعاً فقدوا لكن الشبان الذين كانوا معه وجدوا في حالة صحية سيئة بعدما أفاقوا من حالة فقدان الوعي التي أصابتهم، لكن ابني لم يعثروا عليه في النهر وحينها أخبروا الإسعاف بأن هناك شخص مفقود وحين لم يجدوا له أثر قاموا بإبلاغ الشرطة والحكومة والسفارة ".

لم يدر الوالد الذي يدعو ربه في كل دقيقة بان ابنه قد توفي ، ومياه نهر البوسنة جرفته بعيدا عن أصدقاء الغربة، فاحترقوا بنار الترقب أيام طويلة تأخذهم الهواجس والقلق على مصير ابنهم.

وفي يوم الاثنين الماضي، تلقت العائلة خبر وفاة ابنها ، حيث أبلغتهم السفارة الفلسطينية في البوسنة خبر وفاته، وهي التي تابعت موضوع اختفاء صالح منذ البداية بناء على تعليمات الرئيس محمود عباس.

وما أن تلقى محبي وأصدقاء صالح خبر العثور على جثته حتى ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بعبارات الحزن والألم على فراقه، ومنهم من لم تسعفه صدمة رحيل صديقه، فأخذ يلوم من يتحكمون في زمام الأمور بغزة، ويحملهم مسؤولية هجرة الآلاف من الشباب، بسبب تردي الأوضاع في غزة.

" النجاح الاخباري " رصد بعضا من عبارات صالح قبل وفاته، ومعاناته في الغربة ، واشتياقه لأهله ومدينته التي هجرها، وردود الأفعال حول خبر وفاته ورثائهم له.كلمات صالح التي علقت في أذهان محبيه:

 

ردود الأفعال حول وفاته ،من اصدقائه وأبناء مدينته ،ومن أصدقاء الغربة: