النجاح الإخباري - ضحكة صارخة في ذلك المكان، وصراخ في مكان آخر، وإذا دققت بمسامعك ينساب إلى أذنيك أغنية فيروز وما أن تنقل نظرك يساراً حتى ترى دخاناً خافتاً، وأثناء مرورك تشدك رائحة الميرمية التي تغلي مع الشاي على الحطب.

وحده هذا المشهد يراودك في فصل قطف الزيتون، حيث أن المناطق الريفية تضج من بعد صلاة الفجر بأصوات وخطوات المزارعين الذين يتجهزون للتوجه إلى أرضهم لقطف ثمار الزيتون، فيكون للفلاحين متعة لا مثيل لها مع "كاسة الشاي إلي بالميرمية" و"قلاية البطاطا بزيت الزيتون" وشرط المتعة أن يطهى الشاي والطعام على نار الحطب.

تنهدت الثمانينية أم صالح واضعة أنات قلبها في كلمات امتزجت باحمرار عينيها وكأنها معلنة استسلامها لذكريات موسم الزيتون "ساق الله على أيام زمان، لو ترجع.. أيام الخير والبركة وهداة البال".

رسمت أم صالح ابتسامة على شفتيها وكأنها استرجعت كنزاً وبدأت تردد "على دلــعـونـا وعلى دلـعــونـا .. زيتون بلادي أجمل ما يكونا.

زيتون بلادي واللوز الأخضر .. والميـرمية وما بنسى الزعتر

وأقراص العـجـّـه لمـا تتـحـمر .. مـا أطيبـها مع زيت الزيتونا".

وقالت: "أيام زمان كان موسم الزيتون يعني الصحوة بكير قبل طلوع الشمس، اللمة الحلوة، الشاي على الحطب، الغدا تحت الشجرة، عونة (مساعدة) القرايب والجيران والمعارف دون مقابل،  اليوم بسرح أغلب المزارعين للقطف بعد الساعة 8 وياخذوا معهم المعلبات أو المقالي للفطور او الغداء، وبهاي الأيام ما حدا بساعد حدا".

وتابعت أم صالح حديثها: "كانت أمي تغني لمن يأتي لعوننا:

ييـجوا فزعة وعونه إللي يحبونا..  ييـجوا فزعـه يا هلا وحيا الله

يضلّوا أحبابي يا من درى يا رب.. يضلوا أحبابي يا هلا وحيا الله

وتنوه أم صالح أن أشهر المأكولات بعد موسم قطف الزيتون وعصره "المسخن"  ومثل ما بقول المثل "يا زيتون الحواري ... صبح جدادك ساري

يا زيتون اقلب ليمون ... اقلب مسخن في الطابون

 

   سنة إلك وسنة عليك

وقال المزارع محمد عبد الهادي: "الأشجار بشكل عام عادة تعطي سنة وترتاح سنة، السنة الماضية كان إنتاج الزيتون بالنسبة لأرضي جيدا، بينما السنة أقل إنتاجا".

وتابع: "عند الساعة السادسة صباحا أكون في الأرض وعند السادسة مساءً أعود إلى المنزل"، مشدداً أن الدور الأكبر يقع على عاتق المزارع من خلال اهتمامه بالأرض والأشجار، فشجرة الزيتون تحتاج إلى عناية كي تجود بالعطاء، يقول المثل: "الزيتون زيّ ما بدك منه بدُّه منك" ولأجل ذلك يجب أن تُعطي الشجرة حقّها من حراثة وتقليم.

وأضاف: "لم تعد الأرض تجذب الفلاحين، فمعظمهم غير مهتم بالعناية بها، بل أصبحوا يتسارعون على البيع، أعلم أن قطف الزيتون متعب ولكن كما قال المثل: زيته طيب ولقاطه بشيب".

وأوضح أن وزارة الزراعة في بداية كل موسم تحدد موعداً لقطف الزيتون وذلك بحسب كمية المحصول وموعد الإزهار، والظروف الجوية التي سادت أثناء نمو المحصول وكمية الأمطار في الموسم السابق، "إلا أن التزام بعض المزارعين غير كامل؛ حيث يبدأ المزارعون قطف الثمار مبكرًا؛ من أجل الانتهاء منه قبل موسم الأمطار"، مشيراً إلى أن موعد القطف له تأثير كبير جدًا على نوعية الثمار والزيت الناتج منها؛ فالقطف في الموعد الصحيح، يعطي زيتًا بنوعية أفضل.

أقل من النصف

وقال رئيس مجلس الزيتون الفلسطيني فياض فياض: "إنتاج زيت الزيتون لهذا العام ما يقارب (10 الاف طن) على مستوى فلسطين، وهو اقل من النصف مقارنة مع العام السابق"، مشيراً إلى أن تدني المحصول لهذا الموسم مرتبط "بعوامل تتعلق بشكل كبير بالظروف الجوية والتغير المناخي، بالإضافة لإصابة الأشجار بأمراض وآفات جديدة دخلت على البلاد، أدَّت إلى سقوط الثمار عن أشجار الزيتون".

وأكد فياض أن تصدير الزيت والزيتون سيتم كالمعتاد، وأن الارتباطات على هذا التصدير بنيت منذ عشرات السنين.

وأضاف أن فلسطين ستشهد ارتفاعا في اسعار الزيت ولكن ليس بشكل كبير، قائلاً "خلي الزيت بجراره تا تيجي أسعاره".

وأضاف: "تتعرض شجرة الزيتون من آفات: عين الطاووس، وذبابة ثمار الزيتون، بينما آفة هذا الموسم ذبابة أوراق الزيتون وهي عابرة".

ومن جهته يقول الفلاح قاسم السده "إن شجرة الزيتون كانت ممتلئة وحبتها مليئة بالزيت، بينما هذه الأيام إنتاجه قليل، لعدم اهتمام المزارع بأشجار الزيتون جيدا وعدم قلع الاعشاب من تحتها بل رشها بالمبيدات، بالإضافة لطريقة حرثها وأسلوب القطف المتبع حاليا باستخدام الخطافات التي تجرد ثمرة الزيتون والاوراق معا".

وتابع: "لشجرة الزيتون عليك حق، فكلما اهتممت بها كلما اعطتك أكثر، ولا شك بأن الأرض المزروعة بالزيتون لها مواعيد محددة من السنة للحراثة وهي تحرث أكثر من مرة بعمق مختلف".

الزيتون والأمثال الشعبية

القمح والزيت عماد البيت، القمح والزيت سَبعين في البيت، قمحي وزيتي عمارة بيتي، خبز وزيتون أطيب ما يكون، السمن للزين والزيت للعصبنة (أيّ أنّ السمن للأولاد يكون سببًا في زينهم وجمالهم لكن الزيت يكون سببًا لقوة العصب والعضل)، الزيت مسامير الركب ويقصدون به أنه يشدُّ الركب عند كبار السن.

وقيل أيضا: ادهن ابنك بزيت وارميه في البيت بمعنى أن الزيت علاج لأمراض الجلد وتشققاته، كُل زيت وناطح الحيط كناية عما يمد الزيت الجسم من القوة والطاقة والمغذيات، الزيت في العجين ما بضيع أي أنّ الزيت ينفع في كل المأكولات وله فوائد حتى لو وضعته في عجين الخبز، الزيتون شيخ السُفرة.

والزيتون في فلسطين أنواع، والذاكرة الشعبية تحفظ هذه الأنواع بما ارتبط بها من موروث محكي:

- "يا زيتون الحواري صَبَّح جَدّادك ساري".

- "الزيتون النبالي سيّال والقاطه عجال في عجال".

- "المُليصي زيته طيب بس القاطه بشيّب".

- "البرّي زيته مُرّي".

- "البلدي زيته طيب والقاطه بغلب".

زيتونا حامل والزيت بنقط منه.. جدّاد يا وحداني يا رب كثّر منه

زيتونا حامل والزيت بجرار.. جدّاد يا وحداني يا رب تعمر داره

يا زيتونة ابو احمد مري - هريلي بلح هري

يا زيتونة ابو جاموس  - هريلي ذهب وقروش

 

بهجة الموسم.. تنغصه اعتداءات الاحتلال

ويتخوف الفلاحون الفلسطينيون ككل عام من هجمات المستوطنين على اراضيهم، حيث لا يكتفون بسرقة الثمار، بل يخربون أيضا أشجار الزيتون بجرفها وقلعها وإضرام النار.

وقال مسؤول ملف الاستيطان في شمال الضفة الغربيةغسان دغلس: "إن موسم الزيتون في العام الماضي شهد اعتداءات بشكل كبير من قبل المستوطنين للمزارعين وأراضيهم تمثلت بتخريب، وقلع،  وحرق الاشجار، أو سرقة المحاصيل، بالاضافة للتعدي على المزارعين بالضرب".

وأضاف: "نحن نخشى تكرار هذا الموضوع بموسم الشهر القادم، فلا يوجد حراك سياسي من لجان دولية او غيرها للجم اعتداءات المستوطنين، نتوقع ان تكون هناك اعتداءات اكثر على الفلاحين، فحكومة الاحتلال اعطت الضوء الاخضر للمستوطين بالاعتداء وبحماية قوات الاحتلال".

تابع: "نحن نقوم منذ بداية الاسبوع القادم بانشاء غرفة عمليات موحدة لكيفية ادارة موسم قطف الزيتون خصوصا في مدينة نابلس والتي تشهد نسبة اعتداءات وتطرف اكبر".

وأشار دغلس إلى أن المستوطنين قاموا بالاعتداء على الاشجار قبل يومين يف الساوية ومنطقة اللبن ويتما وحوارة وبورين، وكأنهم يرسلون اشارات أنه سيكون هناك موسم صعب على المواطنين".