رصد - النجاح الإخباري - يُعدّ كأس العالم الحالي من "الأغرب" تاريخياً، إذا ما كان الأمر متعلّقاً بخروج الفرق الكبرى باكراً، والمنافسة رفيعة المستوى بين الفرق. لكن، خارج الملعب، يُمكن الجزم بكون هذا المونديال الأكثر تمييزاً على أساس الجندر (النوع الاجتماعي). 

فقد تعرّضت المشجّعات والمراسلات للتحرش عبر اللمس في الشوارع، بينما تكرّر خداع نساءٍ روسيّات كي يُغنّين أغاني أجنبية تحمل كلمات بذيئة. ويملأ التحرش أيضاً مواقع التواصل الاجتماعي، إذ ينشر الرجال تلك الفيديوهات، مهلّلين لـ"إنجازاتهم" على الإنترنت، أو ينشرون صور المشجّعات مع تعليقاتٍ حول أجسادهنّ. 

وانخرطت أيضاً شركاتٌ كبرى في الإعلانات الجندرية. على سبيل المثال، اضطرّت "برغر كينغ" للاعتذار بعد عرضها تقديم أحد منتجاتها مجاناً، مدى الحياة، إلى المشجعات الروسيات اللواتي يحملن من اللاعبين في منافسات بطولة كأس العالم لكرة القدم. ووعد الإعلان بتقديم برغر مجاناً للنساء اللواتي يحصلن على "أفضل جينات كرة القدم" و"ضمان نجاح المنتخب الروسي على مدى الأجيال المقبلة"، إضافة إلى منحهن مبلغ 3 ملايين روبل (64 ألف دولار أميركي) بموجب العرض. 

وكان النقاد قد هاجموا الإعلان، متهمين إياه بـ"التحيز الجندري" و"المهين" على مواقع التواصل الاجتماعي. وعلى أثر الحملة، حذفت الشركة الإعلان من حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، يوم الثلاثاء، إلا أن الجدل استمر على صفحات المستخدمين الروس على مواقع التواصل الاجتماعي. 

من جهتها، اعتذرت منصّة "غيتي"، الأشهر للصور حول العالم، عن نشر ألبوم صورٍ بعنوان "كأس العالم 2018: المشجعون الأكثر إثارة". 

وجمعت "شبكة الأجرة" (Fare Network)، وهي منظمة تحارب التمييز على أساس العرق والجنس في كرة القدم في أوروبا، شهادات حول السلوكيّات التي رافقت كأس العالم، وخلصت إلى أنّ 35 حادثة تحرّش جنسي واعتداء حصلت، على الأقل، معظمها في موسكو، بينما تذهب أغلب هذه الحوادث من دون التبليغ عنها. 

وقال مدير "فير" في بريطانيا، بيارا باور، إنّ كأس العالم هذا العام ظهرت فيه الكمية الأكبر من التمييز الجندري بين جميع المونديالات السابقة. قد يكون ذلك "بسبب استغلال الرجال لمواقع التواصل الاجتماعي كي يعبّروا عن غبطتهم بذلك". وأضاف "الحقيقة هي أنّه في أغلب الدول يتمّ النظر إلى كرة القدم على أنّها حكرٌ على الرجال". 

وتابع "من عدد النساء اللواتي يشغلنَ مناصب قيادية في كرة القدم، إلى قصص الإعلانات التلفزيونية، واللقطات المقرّبة لنساءٍ مثيرات بين الجمهور، وصولاً إلى عدد حمامات النساء في قلب الملاعب، فإنّ دور النساء غير فعّال، وإنّما يتمّ تسليعهنّ". مضيفاً "الحادثة تلو الأخرى تُظهر أنّ المشجّعين الرجال، في بعض الأوقات ضمن مجموعات، يقتربون من النساء بطرقٍ ذات إيحاء جنسي". وتمّ خداع الروسيات لتصويرهنّ بينما يتحدثن عن أنفسهنّ بطريقةٍ فاحشة من قبل المشجّعين الأجانب، بينما ادّعى هؤلاء أنّهم يُعلّمنهنّ كلمات بلغاتهم. ونُشرت الفيديوهات على الإنترنت. 

يوم السبت الماضي، صوّر شخصان أرجنتينيّان نفسيهما وهما يتحدّثان لامرأة روسيّة باستخدام تعابير إسبانيّة جنسيّة فجّة. أحدهما كان مدرّساً في جامعة، وتمّ فصله. 

وتعرّضت ثلاث صحافيات، على الأقل، لتحرّش على الهواء، خلال تغطيات المونديال. وقبل أسبوعين، على قناة "دويتشه فيله" الألمانية، في نسختها الناطقة بالإسبانية، ظهرت المراسلة الكولومبية جولييت غونزاليس ثيران وهي تتحدث عن كرة القدم من مدينة سارانسك الروسية بمناسبة كأس العالم 2018، قبل أن يقترب منها أحد المشجعين بشكل مفاجئ ويلمس مناطق من جسدها، ثم يقبلها على خدها ويهرب، تاركًا إياها تكمل تقريرها وهي تحت تأثير الصدمة. 

وانتقدت المراسلة تصرف الرجل على صفحتها الشخصية على "إنستغرام" وقالت: "لا أستحق ما حدث معي، أطلب فقط القليل من الاحترام". وأضافت: "أنا صحافية متخصصة أتشارك معكم متعة كرة القدم، إلا أنني يجب أن أحدد من جديد على ما يبدو الحدود بين المودة والمضايقة". 

وأكدت ثيران أنها أمضت ساعتين في المكان تحضر للبث ولم تتعرض لأية مضايقات، قبل أن تفاجأ بتصرف الرجل الذي لم تحدد هويته بعد ظهورها على الهواء مباشرة، في حين صرحت لقناة "دويتشه فيله": "يعتقد الكثير من الناس أن المراسل يظهر على الهواء لإضفاء المزيد من الألوان على الصورة ويتجاهلون مقدار العمل الجاد الذي نقوم به". ولاحقاً، بعد انتشار الخبر بشكلٍ كبير، اعتذر المعتدي من المراسلة. 

ووصفت بيبيانا ستينهاوس، أول حكم رياضي في الدوري الألماني لكرة القدم، تصرف الرجل بـ"غير المقبول" وقالت: "أستطيع أن أدرك ما الذي تشعر به، لأني تعرضت لهذا النوع من المواقف عدة مرات في الماضي". وأضافت: "لا تخدعوا أنفسكم بالاعتقاد أن هذه الأشياء لا تحدث للنساء". 
كما أكدت ثيران أنها تود الاستمرار بأداء وظيفتها، وأن ما تعرضت له كان مجرد حادثة عابرة بالنسبة لها، وقالت: "أغلب المعجبين يثنون علي ويتصرفون معي بطريقة لائقة، هذا لا يمنع وجود استثناءات قليلة مثل هذا الشخص الذي تمادى". 

وتمّ تقبيل مراسلتين غصباً على الهواء في روسيا. فالمراسلة البرازيلية جوليا غويمارياس التي تعمل في قناة "تي في غلوبو" الرياضية، اقترب منها أحد المشجّعين في ييكاترينبرغ محاولاً تقبيلها، قبل أن تدافع عن نفسها وتقول للمتحرش "لا تفعل هذا. لن أسمح بهذا. هذا ليس صواباً. لا تفعل هذا لامرأة مطلقاً". وسُمع صوت المعتدي يعتذر للمذيعة في الفيديو. 

المراسلة الثالثة كانت مراسلة "فرانس 24" كاثيفان غورجيستاني، التي تعرّضت يوم الإثنين الماضي لتحرّش على الهواء، في سان بطرسبرغ. ودفعت المراسلة أحد المشجّعين الذي اقترب منها ولامس كتفيها مراراً بينما كانت تُحلّل مباراة روسيا والأوروغواي، قبل أن يقترب المعتدي أكثر ويقبلها من رقبتها.