مدى شلبك - النجاح الإخباري - بعد غياب دام 13 عامًا في غياهب سجون الاحتلال عاد الأسير المحرر محمد أبو رزق ليستنشق هواء الحرية بعد الإفراج عنه في التاسع من الشهر الجاري.

الطريق هذه المرة مختلفة فهي طريق العودة إلى نابلس وإلى المنزل تحديدا، دموع تغزو الخدين، وفرحة منقطعة النظير في طريق لم تتغير معالمها ولكنها مشفوعة بالنظر ليس كسابقتها لحظة الاعتقال.

 حشود من الأقارب والأهل والأصدقاء في الانتظار  وبين الدموع والفرح تبقى الغصة بالقلب لمن بقوا هناك خلف تلك القضبان وفي تلك الغياهب  التي قضى معها أبورزق أياما وسنوات طوال رغم كل صعوباتها الفرحة لم تكتمل.

وحول تفاصيل الاعتقال والأسر روى الأسير المحرر أبو رزق لـ"النجاح الإخباري"، فقد اعتقلته قوات الاحتلال يوم استشهاد الرئيس الراحل ياسر عرفات بتاريخ 11 نوفمبر 2004، في أخر يومين من شهر رمضان ذلك العام، خلال تواجده واثنين من أصدقائه في قرية روجيب شرق جنوب نابلس، حيث اقتحمت القرية والمنزل قوة عسكرية كبيرة تضم دبابات وسلاح جو المنطقة بحدود الساعة الثالثة والنصف فجرًا، ودامت عملية الاقتحام حتى تسليم الأصدقاء الثلاثة أنفسهم عند الساعة الخامسة والنصف.

ولاحقا حكمت محكمة الاحتلال على أبو رزق بالسجن 13 عامًا، بعد مطاردته لمدة سنتين، ومحاولة اغتياله عدة مرات، كونه كان على علاقة وطيدة بكافة الفصائل، وشارك بعدة فعاليات خلال الانتفاضة.

بعد الاعتقال نُقل الأسير أبو رزق إلى مركز التحقيق، الذي تعرض فيه للضغط النفسي، حيث عُزل بحجرة كما القبو حسب وصفه، دون إضاءة ولا كهرباء، حجرة مليئة بالسواد، كما تعرض كباقي الأسرى للتعذيب الجسدي، إذ تعرض للشبح لفترات طويلة والجلوس على كرسي مكبل اليدين والقدمين لعدة ساعات، بالإضافة إلى تسليط التكييف عليه وفتح الشبابيك خلال فترة التحقيق معه التي تمت خلال فصل الشتاء.

وخلال حديثه نوه أبو رزق إلى استفادته من تجربة أصدقائه وزملائه في العمل الوطني الذين تعرضوا للتحقيق من قبله، مضيفًا أن الإرادة والأمل ومبادئ وقيم الانتفاضة كانت حصنا منيعا له.

وتنقل الأسير طيلة فترة أسره بين عدة معتقلات، أمضى سنينه خلالها بالقراءة والكتابة والمطالعة والدورات التعليمية والسياسية التي تعدها الكوادر داخل معتقلات الاحتلال، فتجدد واجبه الوطني من خلال الثقافة والعلم، الذي صادره الاحتلال عام 2006 عندما منع الأسرى من تقديم الثانوية العامة، كما منعهم من الدراسة في الجامعة العبرية، لكن الأسرى وجدوا بدائلاً أخرى.

انتهاكات احتلالية

يسترجع الأسير المحرر أبو رزق، المشاهد التي مرت عليه من انتهاكات مارسها الاحتلال بحق الأسرى قائلاً: "قوات القمع تحاول خلق حالة توتر مستمرة في الغرف والأقسام، حيث تقتحم وحدات "متسادة" و"دورن" أقسام المعتقلات والغرف في الليل والفجر، وتبدأ باستفزاز الأسرى وتفتشهم وتفتش غرفهم بشكل همجي وجنوني".

يكمل حديثه: "عند استشهاد أحد الأخوة كانت تندلع توترات مع إدارة مصلحة السجون، ويحدث أن تغلق إدارة سجون الاحتلال القسم بعد اقتحامه وتطلق الغاز على الأسرى، فقابلنا ذلك في أحد المرات بالتكبير مباشرةً، وقمنا بإرجاع ثلاثة وجبات على مدار ثلاثة أيام".

في عام 2012 وبعد إمضائه 8 سنوات في الأسر، توفى والد الأسير المحرر أبو رزق، الذي حرم من رؤية نجله خلال السنوات الثلاثة الأولى من اعتقاله في سجن جلبوع، وبعد ذلك سُمح له بالزيارة كل 45 يوم، إلا أن إدارة سجون الاحتلال زادت تباعد فترات الزيارة، عن طريق إصدار تصريح زيارة كل ستة أشهر.

وبالنسبة للوضع الصحي للأسرى أوضح أبو رزق، أن مشفى الرملة هو عبارة عن عيادة، أما العلاج فيقتصر على المسكنات مهما كانت حالة المريض حرجة، حيث كان يعاني من مشاكل في القولون، والعلاج كان عبارة عن مسكنات فقط، مشيرًا إلى وجود حالات خطيرة لا يمكن أن تبقى بالسجن لحظة واحدة.

وفي خطوة غير مسبوقة طلبت إدارة سجون الاحتلال من رزق توقيع كتابًا من شرطة الاحتلال ومخابراته في يوم الإفراج عنه، يلزمه بالحضور عند استدعائه من قبل قائد المنطقة، ويمنعه من رفع العلم الفلسطيني والإدلاء بأي تصريح أو كلمة، كما يمنعه من المشاركة بمسيرات تخص الأسرى، وبعد الاحتجاج من قبله وقبل بعض الأسرى من جميع الفصائل سُمح له بالمغادرة.

قانون مخترق

إلى ذلك، قال مدير مركز أحرار لدراسات الأسرى وحقوق الإنسان فؤاد خفش لـ"النجاح الإخباري"، إن كل ما يقوم به الاحتلال بحق الأسرى هو اختراق للقانون الدولي والإنساني، فعلى سبيل المثال ينص القانون على حق ذوي الأسير بزيارته كل إسبوعين مرة، بينما تحرم إدارة السجون بعض الأسرى من رؤية ذويهم لخمس وعشر سنوات كما تحرمهم من اللقاء بالمحامي الموكل للدفاع عنهم، ويعتقل الاحتلال أطفالاً دون سن الـ18، ويعزل بعض الأسرى لسنوات طويلة وهذا أيضًا اختراق للقانون الدولي.

وبناء على ذلك أكد خفش، أنه يجب رفع شكاوى على الاحتلال نتيجة لانتهاكاته بحق الأسرى، من قبل السلطة الفلسطينية إلى المؤسسة الدولية، ويشمل دور الجمعيات والمؤسسات الحقوقية على توثيق ورصد انتهاكات الاحتلال ورفعها للمؤوسسات الدولية.

وكان قد ذكر رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين عيسى قراقع، أن عام 2017 سجل معاملة قاسية وإجرامية ووحشية بحق المعتقلين على يد حكومة الاحتلال، وأن قضية الأسرى أصبحت عنوانًا مستهدفًا من الاحتلال على الصعيد السياسي والوطني والاجتماعي.

حيث شهد عام 2017 حربًا دمويةً على أكثر من 1500 أسير خاضوا إضرابًا مفتوحًا عن الطعام استمر 41 يومًا.