غيداء نجار - النجاح الإخباري - كثيرة تلك الحكايات الفلسطينية النضالية التي تجسد أروع البطولات، والتي تضرب أمثال التحدي والإصرار والتشبث بالأرض والوطن، والتي نتناقلها جيلاً بعد جيل بالكتابة وبالقصص الشفوية، فنعتز بها وبأبطالها وبالتاريخ الذي سطرته سيرهم الذاتية.

"قامات لتوثيق النضال الفلسطيني" حلمٌ بزغ نجمه في نيسان لهذا العام، ليحمل في عنوانه حلماً وآمالاً حثيثة في التشبث في الموروث النضالي الوطني، ونشره بطريقة جديدة، عله يعزز الوعي الجمعي لدى الأجيال الناشئة، ساعياً إلى ترسيخه بروايات صادقة حافظاً له من الضياع والتلاشي. وأول كلمات نطق بها ذلك الحلم "ربما تسحبني الآن المخيلة بيدها الخشنة لتأخذني هناك، خلف جبال التذكر، وضباب الملاحم البسيطة، من هذا المنبر أذهب بعيداً إلى مكان لم ولن تتخيلوه أبداً، إلى بطن أمي، أعود متربعاً شفافاً كفراشة في نيسان؛ حيث اقتادوه جريحاً مضرجاً بعنفوان صلد يكسر أنياب الجلاد البشع، كنت جنيناً لا أعلم شكل النهار ولون الليل، لكن كل ما أعرفه كيف يكون طعم الغياب القسري، تخيلوا 17 عاماً يغيب عنك والدك مجبراً من أجل أن يدفع عنا ضريبة هذا الأب الكبير المقدس (الوطن)...!".

أنس أسطه (27 عاماً) هو صاحب ذلك الحلم الذي اقتبس نوره من الواقع الذي عاشه صغيراً، فقد ولد في غياب أبيه الذي اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي عام 1990، بسبب دهسه مجموعة من الجنود على مدخل مخيم عسكر/نابلس، وعاش الابن يتيم الأب حتى عام 2005 لتتكحل عيونه برؤيته.

"تساءلت مع نفسي، ما هي الأحداث التي دارت مع والدي أثناء غيابه؟ كيف عايش تلك الأيام القاسية في زنزانة العدو الغاشم؟ ما هي الدوافع التي أدت به إلى السجن؟ كيف تم اعتقاله بالرغم من أنه كان مصاباً وتم أخذه من مستشفى الاتحاد/نابلس آنذاك؟ وغيرها من التساؤلات التي سعيت لأحصل على إجابات صحيحة لا لبس فيه، فقررت وباستشارة عدد من أصدقائي ومختصين أن أؤسس "قامات" لأوثق تجربة أبي النضالية ولتكون انطلاقة لآلاف التجارب المماثلة، بأساليب حديثة وشيقة" يقول أنس.

قبيل إطلاق "قامات" عثر أنس –أثناء ترتيب منزل العائلة- على شريط فيديو يظهر فيه العملية الجراحية التي أجريت لوالده سمير أسطه في مستشفى الاتحاد النسائي في نابلس، حيث كان مصاباً بعيار ناري في ساقه إثر عملية الدهس التي نفذها، ويظهر في الفيديو عملية خطف قوات الاحتلال للأسطه وسجنه 15 عاما، فكان هذا الفيديو ذكرى خالدة ونواة لهذه المؤسسة الشابة من خلال إنتاج فيلم "ديكودراما" يتحدث عن كامل تجربة سمير أسطه وما عايشه في 15 عاما التي قضاها في السجن.

وفي هذا السياق يقول أنس لـ"النجاح الإخباري": "نحن في قامات نؤمن بأن كل بيت فلسطيني فيه قصة نضالية لا يكاد يعرفها الجميع، وهناك قصص مؤثرة وقصص واجب علينا أن نتناقلها جيلا بعد جيل، ولأننا كشباب علينا مسؤوليات في ذلك؛ جعلنا المجلس الإداري لهذه المؤسسة من الشباب، حيث أن أكبرهم عمراً لا يتجاوز 32 عاماً، وكامل المجلس يعمل تطوعيا، ولكي نحفظ حق الكبار وذوي الخبرة والمشورة، أسسنا مجلسا استشارياً يضم ثلة من الشخصيات الرسمية والسياسية والمجتمعية".

أنتجت "قامات" حتى الآن فيلماً بعنوان "كأنها الآن" وثقت فيه التجربة النضالية للأسير المحرر سمير أسطه، وهي حالياً تسابق الزمن في إنتاج مجموعة من الأفلام التي سيتم عرضها خلال الفترة القادمة.

ويتابع أنس حديثه "نتطلع إلى التشاور مع الجهات ذات الاختصاص للوصول لإدماج المخرجات المعلوماتية والقصصية في المنظومة التعليمية الأساسية والجامعية وإصدار التقارير المساندة، وتوظيف الطاقات الشبابية الملهمة والمبدعة؛ من أجل ضمان النجاح في توثيق النضال الفلسطيني وتعميم هذا التجارب عبر المنصات الإعلامية خاصة الإعلام الجديد، وندأب على تأسيس متحف افتراضي "موقع الكتروني" يجمع جميع المواد الأرشيفية، ويتم تقديمها بأساليب مشوقة ومؤثرة وممتعة".

النضال الفلسطيني المعبق بتراب هذه الأرض الخصبة بدماء الشهداء والجرحى، والمزركشة بآمال الأسرى القابعين في ظلمة الزنازين وبرد البعد والعزلة، صار واجباً أن يتم حفظه عن ظهر قلب بطرق جديدة، عدا عن تحفيز الأجيال القادمة لأخذ هذه التجارب وحفظها.