النجاح الإخباري - رغم تراجع الدعم الدولي للحكومة الفلسطينية في السنوات الأخيرة بنسبة تزيد عن (70%)، إلا أنَّ حكومة الوفاق الفلسطيني تعاملت مع التضييق المالي وفقًا للإمكانيات الماليّة القائمة، ونجحت في إدارة الأزمة، بل ودفعت عجلة الاقتصاد الوطني إلى الأمام.

حيث اعتمدت الحكومة إجراءات تقشّف وفق استراتيجيّة بناء مشاريع تشغيلية حيويّة تساهم في تحسين حياة الناس، وتكون حجر الزاوية في بناء الدولة الفلسطينية العتيدة، فكانت المدن الصناعية هي العنوان الأبرز انطلاقًا من المثل القائل: "لا تعطني السمكة بل عملني الصيد"، لتخلق فرصًا لآلاف العمال.

ويحاول الاقتصاد الوطني أن ينأى بنفسه عن الضغوطات السياسية، لكن الولايات المتَّحدة الأمريكية وإسرائيل لم يرحمان هذا الملف من الإجراءات المتَّخذة في الآونة الأخيرة.

ويهرب الاقتصاد إلى النهضة الداخلية، يصنع ويؤسّس المدن الصناعية في المدن الفلسطينية بدعم دولي، وبإمكانيات ودعم فلسطيني أيضًا، لكن هل هذا هو الحلّ الوحيد أمام الاقتصاد الفلسطيني؟ أم ربما المرحلة المقبلة في ظلّ الضغوطات والممارسات السياسية والاقتصادية تدفع الاقتصاد الفلسطيني إلى إجراءات مختلفة؟

لماذا تلجأ الحكومة إلى سياسة المدن الصناعية في داخل الأراضي الفلسطينية؟ وهل هي إحدى المراحل التي تذهب بعيداً على الاعتماد بشكل كامل على الاقتصاد الدولي؟ وما هي العقبات أو الضغوطات التي تمارس على الاقتصاد الفلسطيني من الولايات المتحدة وإسرائيل؟ وهي ما تدفع القيادة الفلسطينية ربما إلى اتّخاذ إجراءات اقتصادية في الآونة المستقبلية؟

وكانت المرحلة الأولى من مدينة غزّة الصناعية قد تمَّ تحقيقها على مساحة (100) دونم وهو ما وفّر حتى الآن (2000) فرصة عمل، ويتوقع أن يتضاعف حجم هذه المدينة إلى (500) دونم.

وبدأت الحكومة المرحلة الثانية من مدينة أريحا الصناعية الزراعية بعد انتهاء المرحلة الأولى من هذه المساحة (140) من أصل (615)دونماً، وشغّلت إلى الآن (2000) عامل وعاملة يعملون في (11) مصنعًا قائمًا.

خبراء بالشأن الاقتصادي رأوا من خلال حديثهم لـ"النجاح" بأنَّ المدن الصناعية جزء من الحلول التي وضعت منذ توقيع الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية مع الجانب الإسرائيلي، وهي مطلب ليس محليًّا فقط بل دوليًّا أيضًا، مؤكّدين أنَّ المدن الصناعية لها دور ايجابي من حيث فرص العمل والاستثمارات.

قاعدة اقتصادية قوية

البرفسور طارق الحاج، أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية رأى بأنَّ المدن الصناعية جزء من الحلول التي وضعت منذ توقيع الاتفاقيات الاقتصادية والسياسية مع الجانب الإسرائيلي، وهذا مطلب دوليّ وليس محليًّا فحسب.

وأكَّد الحاج في حديث خاص لـ"النجاح" أنَّ المدن الصناعية سوف تخلق قاعدة اقتصادية قوية "لعل وعسى يبنى عليها مواقف سياسية فلسطينية مؤثرة، لأنَّ العلاقة الجدلية بين القاعدة الاقتصادية القوية والمواقف السياسية القوية لا زالت قائمة"، مشيراً إلى أنَّ الفلسطينيين اعتمدوا بشكل كبير في الآونة الأخيرة على الدعم والمساعدات التي توقفت كليًّا من بعض الدول سواء العربية أو الولايات المتحدة مع بداية العام (2017).

وأوضح أنَّ النهوض من هذه الأزمة ومن قطع المساعدات القريبة والبعيدة عن الفلسطينيين يجب أن يمرَّ بمراحل مدروسة، معتبراً المدن الصناعية جزءًا من الَّلبنة الأساسية التي نريد من خلالها أن نقوي الاقتصاد الفلسطيني.

واستدرك الخبير الاقتصادي، "لكنَّ تقوية وإنشاء المدن الصناعية يجب أن لا ينسينا تقوية الاقتصاد الفلسطيني المحلي والداخلي".

وقال الحاج: "الحكومة الحاليَّة حاولت بقدر المستطاع ونجحت من أن تخفِّف من النفقات العامّة، وهذا خلق توفيرًا لدى عجز الموازنة الفلسطينية، والاتجاه الثاني هي تحاول أن تعتمد على الذات ليس فقط من الرسوم والضرائب، بل أيضًا من خلال فرص عمل حتى لو كانت في هذه المناطق الصناعية".

وأضاف: "المجال الثاني يجب أن نلتفت كفلسطينيين؛ لأنَّه لا يعقل أن تكون مواردنا وثرواتنا مفتَّتة سواء البشرية أو الطبيعية.. يعني يجب أن يكون هناك اندماج مطلق كامل بين الثروات والموارد البشرية في قطاع غزَّة وما بين تلك الموجودة في الضفة الغربية"، منوّهًا في الوقت ذاته إلى أنَّنا وصلنا لمرحلة التضييق الكليّ؛ لأنَّ قطع الدعم والمساعدات واقتطاعات حقوقنا من المقاصة وصلت بنا لتضييق كلي، على حدّ تعبيره.

وأشار الخبير الحاج إلى أنَّ الفلسطينيين لا يستطيعون أن يخرجوا من الاتفاقيات الاقتصادية مع الجانب الإسرائيلي، لأسباب معظمها موضوعية، معلّلاً ذلك  بأنَّ الاقتصاد بحاجة لحرية انتقال رؤوس الأموال والسلع والأفراد وهذه لا نتحكم بها، مؤكّدًا على أنَّ إسرائيل لا تسمح لنا بأن نتحلَّل منها اقتصاديًّا لأنَّ الفلسطينيين هم الاستهلاك المربح للمنتجات غير الصحية الإسرائيلية.

كما انتهت المرحلة الأولى من مدينة بيت لحم الصناعية على مساحة (50) دونمًا، من أصل (200) دونم، وستشغل (700) عامل في (17) مصنعًا، وستصبح جاهزة في نهاية العام المقبل.

وكانت مدينة جنين الصناعية قد بدأت بتطوير (1000) دونم؛ لتوفير (17000) فرصة عمل، حيث تعمل الحكومة عبر هيئة المدن الصناعية على إنجاز عدَّة مدن جديدة خلال السنوات الخمس المقبلة، حيث ستبنى المدينة الصناعية في ترقوميا على أكثر من (200) دونم ستشمل أراضي مصنفة تصنيف (ج) بتكلفة تقدّر بحوالي (147) مليون دولار، كما ستبنى الحدائق الإلكترونية في طولكرم، والحديقة الإلكترونية التكنولوجية الهندية في بير زيت.  بالإضافة إلى مصنع اسمنت فلسطين والمنطقة الصناعية الإنشائية في بيت لحم.

معوقات إسرائيلية

في ذات السياق، أكَّد المحلّل الاقتصادي مازن العجلة، أنَّ المدن الصناعية لها دور إيجابي من حيث فرص العمل والاستثمارات، مستدركًا: "ولكن دائما أيًّا كانت الأساليب الاستثمارية المتبعة سواء مدن صناعية أو تجمعات استثمارية فإنَّها لا بد أن تكون في سياق بيئة استثمارية تشجّع هذا النوع من الاستثمارات من استقطاب القوى العاملة وتشغيلها".

وقال العجلة لـ"النجاح": "مثلاً في قطاع غزَّة المدينة الصناعية الكبيرة تساعد رجال الأعمال، لكن في الإطار السياسي والاقتصادي العام يخلق العديد من المعوقات التي تثبط عمل هذه المناطق الصناعية، هذه المعوقات إفراز طبيعي من الانقسام، وهناك معوقات تتعلق بعدم قدرة المدينة الصناعية على الاستيراد".

وأضاف: "كان هناك حديث عن مدن صناعية، وتزايد بالآونة الأخيرة نتيجة الدعم الدولي، لا شك في أنَّ ازدياد عدد المدن الصناعية يصب في خانة تشجيع الاقتصاد القطاع الخاص وتقوية الاقتصاد الداخلي، وخاصة إذا كان في القطاع الصناعي، لأنَّ الاقتصاد الفلسطيني يعاني من انخفاض مساهمة القطاعات الانتاجية وخاصة الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي".

وبيّن المحلل الاقتصادي أنَّ إسرائيل تخلق العديد من المعوقات، ليس في قطاع غزَّة فقط بل أيضاً في الضفة الغربية، لافتاً إلى أنَّها  تحاول أن تجهض المجهودات الفلسطينية الاستثمارية والصناعية، وتحاول أن تفرغها من مضمونها.

وأشار إلى أنَّ هناك (120) ألف عامل فلسطيني يعملون في المستوطنات الإسرائيلية، مشدّداً على ضرورة استيعاب هذا العدد الكبير داخل المدن الصناعية؛ وذلك لنمو هذه المدن بشكل مستدام وزيادة فرص العمل.

وذكر العجلة أنَّ الصعوبات الاقتصادية منشأها الرئيس هو التبعية للاقتصاد والحالة السياسية العامة، معتبراً أنَّ الإطار السياسي دائماً هو الحاضن للأنشطة الاقتصادية، وعندما لا يكون عدم استقرار سياسي بل يوجد تهديد سياسي للسلطة ومؤسساتها واستمرار تعميق التبعية الاقتصادية للاقتصاد الإسرائيلي، فمن الصعب جداً إيجاد حلول اقتصادية على المدى القريب، حسب وجهة نظره.

وأوضح أنَّ كلَّ موقف سياسيّ يترتب عليه أثار اقتصادية، فالموقف السياسي للسيد الرئيس محمود عباس والسلطة الفلسطينية من نقل السفارة للقدس والإجراءات الأمريكية، ترتَّب عليه وقف الدعم ليس فقط من الولايات المتحدة وأيضاً من دول أثرت عليها أمريكا، مستطردًا "لكن كلَّ قرار سياسي من السلطة يتم دراسة أبعاده الاقتصادية ومحاولة تخفيف أثاره السلبية على الاقتصاد والمواطن مثلما حدث جرّاء انقطاع الدعم الأمريكي".

كما انتهت المرحلة الأولى من مدينة بيت لحم الصناعية على مساحة (50) دونماً من أصل (200) دونم وستشغل (700) عامل في (17) مصنعاً وستصبح جاهزة في نهاية العام المقبل.

وفي مدينة جنين الصناعية بدأت الحكومة بتطوير (1000) دونم لتوفير (17000) فرصة عمل، حيث تعمل الحكومة عبر هيئة المدن الصناعية على إنجاز عدَّة مدن جديدة خلال السنوات الخمس المقبلة، وستبنى المدينة الصناعية في ترقوميا على أكثر من (200) دونم ستشمل أراضي مصنفة تصنيف (ج) بتكلفة تقدّر بـ(147) مليون دولار، كما ستبنى الحدائق الإلكترونية في طولكرم والحديقة الالكترونية التكنولوجية الهندية في بير زيت.  بالإضافة إلى مصنع اسمنت فلسطين والمنطقة الصناعية الإنشائية في بيت لحم.

يُشار إلى أنَّ هناك مشاريع تدرسها الحكومة أيضاً ومنها الحديقة التكنولوجية الفلسطينية الكورية والمنطقة الصناعية الفلسطينية البولندية، وهي خطوات واثقة وحثيثة من الحكومة الفلسطينية لخلق واقع أفضل، ورسم غد مشرق رغم كلّ المعوقات التي يرميها الاحتلال وراعيته الأولى أمريكا في طريق الدولة الفلسطينية.