نابلس - هيا قيسية - النجاح الإخباري - فيما تُطفأ شموع العام 2024، يضيء الظلام نفسه في غزة بشظايا القصف وألسنة النيران. هنا، لا تُعد الأيام لنهاية عام، بل تُحسب بالساعات التي تفصل بين فقد وآخر. غزة، التي دخلت الحرب في السابع من أكتوبر 2023، تقف اليوم بعد أربعة عشر شهرًا من الموت والدمار، شاهدةً على عجز العالم عن إنقاذها من قبضة الإبادة الجماعية.

وحسب آخر الإحصائيات في اليوم 444 من العدوان ترتفع حصيلة الشهداء في قطاع غزة المكلوم إلى  45,259 شهيدا و 107,627 إصابة.. ومازالت الأرقام في تصاعد مستمر وسريع.. 

أيام بلا أعياد

بينما كان العالم يحتفل برمضان، وعيدَي الفطر والأضحى، وغصت الشوارع في العواصم بالأضواء والهدايا، كانت غزة تغرق بالدماء. أطفالها لم يعرفوا بهجة صباح العيد، بل كانوا يصحون على صوت الانفجارات. شهر رمضان الذي مرَّ في 2024 كان شبحًا ثقيلًا، يحمل معه ذكريات الطاولات التي كانت تلتف حولها العائلات، لكنها أصبحت خاوية بعد أن غابت الوجوه وامتلأت الأرض بالركام.

أعياد بعيدة عن غزة

وفي ديسمبر، حينما يحتفل العالم بالعيد المجيد، يُضيء الأطفال أشجار الميلاد حول العالم، لكن في غزة، لا أشجار ولا أضواء؛ فقط العتمة تُحيط بمن بقي من الأطفال الذين يحملون ندوب الحرب. حتى يوم الطفل العالمي واليوم العالمي لحقوق الإنسان مرّا مرور السحاب، وكأن القوانين الدولية تلاشت عند حدود غزة.

منازل تتحول إلى مقابر

المنازل التي كانت تشهد على أحلام العائلات في غزة، أصبحت قبورًا لمن فيها. عشرات العائلات مُسحت من السجل المدني. مَن بقي على قيد الحياة، يعيش في نزوح دائم، يقتسم فتات الخبز والماء. المستشفيات، التي كانت ملجأ للمرضى والمصابين، أضحت أطلالًا بعد أن أنهكها القصف. في عامٍ كامل، لم يتوقف العدوان عن تدمير البنية التحتية، تاركًا وراءه مدينة تئنُّ من نقص الغذاء والدواء.
في جباليا وحدها الاحتلال دمر 70% من منازلها بالكامل..  وحولها إلى مدينة أشباح

عامان من الألم

مرَّ أكثر من 14 شهرًا والعالم صامت. أطفال غزة لم يخرجوا إلى المدارس، بل درسوا البقاء على قيد الحياة. نساء غزة لم يعدن يحلمن بالأمان، بل بالكاد يجدن لقمة تسد رمق أطفالهن. حين كان أطفال العالم يكتبون رسائل إلى "بابا نويل"، كان أطفال غزة يكتبون وصاياهم الأخيرة.

أكثر من 17 ألف من أطفال غزة ارتقوا شهداء.. والآلاف منهم مفقودين

الوداع الموجع

بين كل ساعة وساعة، تودع غزة أرواحًا جديدة. من فقدوا أمهاتهم وآبائهم، من حملوا نعوش إخوتهم وأخواتهم، أصبحوا شهودًا على واحدة من أكثر الحروب وحشية في التاريخ الحديث. ومع ذلك، فإن الأمل ما زال يسكن تلك الأنقاض. أملٌ بهدنة قد تمنحهم فرصة للتنفس، وربما لاستعادة لحظات من الحياة التي سلبتها الحرب.

غزة، اليوم، لا تودع عامًا، بل تودع أرواحًا وأحلامًا وأعيادًا مرت دون أن تعرفها. عام 2024 يرحل، لكن جرح غزة يبقى، شاهدًا على صمود شعبها، وعلى خذلان عالم صمّ آذانه عن صرخاتهم.

تتطلع غزة إلى عام 2025 بعيون مليئة بالدموع، وأمل مكسور. في مكانٍ ما، بين الحطام، هناك صوت طفل ينادي للسلام، وهناك امرأة تحلم أن تستعيد وطنها بيتًا، وأب يبحث عن إجابة لسؤال: "إلى متى؟".