رئيس التحرير - النجاح الإخباري - وصل ترمب إلى الرئاسة الأميركية رغم عمل معظم وسائل الإعلام على نفي إمكانية فوزه، ومنذ بدأ السباق الذي باتت متابعته أشبه بفعاليات كأس العالم، كون الانتخابات تجري على من سيحكم العالم وليس الولايات المتحدة فقط.

فلسطينيًا، هناك من يتحدث عن ذعر فلسطيني من وصول ترمب إلى الرئاسة. أعتقد أن هذه الصورة منافية لتحليل سلوك الرئيس الأميركي في فترته السابقة. ترمب هو "أبو الصفقات" وسيعمل على تثبيت طريقة إدارته للعالم في سنواته الأربع القادمة، وقد يواجه مقاومة عنيفة من الدولة العميقة الأميركية التي تقتنع بشكل كامل بسياسة المائتي عام الماضية بأنهم تسيدوا العالم بإبقاء المعارك مفتوحة، وإن أغلقت جميعها استفزوا غيرها لتفتح.

"أبو الصفقات" جاء ويحمل معه تصورًا كاملًا لإحلال السلام، والأرضية مهيّأة الآن أكثر من أي وقت مضى. علينا كفلسطينيين التفكير في هذا الاتجاه فقط: علينا تحسين المكاسب في الصفقة القادمة؛ المقاطعة في هذه المرحلة ليست حلًا، فالأدوات الفلسطينية المستخدمة منذ ثلاثة أرباع قرن لن تجدي نفعًا.

ثلاث نقاط ستفيد القيادة الفلسطينية بمختلف مشاربها:

1.  ترمب غالبًا سينتقم من نتنياهو ويقذفه خارج منظومة الحكم كونه يعلم تمامًا أنه متلاعب ومحكوم لإرث تاريخي وحلفاء يمينيين متطرفين لن يعطوه مجالًا للبراغماتية. لذلك، من المتوقع أن يكون غانتس هو الحاكم الجديد في إسرائيل بدعم كامل من ترمب. لن يعطي الرئيس الأميركي لنتنياهو فرصة التلاعب به مرة أخرى.

2. الموقف الفلسطيني سيكون في المرحلة القادمة بيد المملكة العربية السعودية التي ربطت كل مشاريعها مع الولايات المتحدة وإسرائيل بإقامة الدولة الفلسطينية. لذلك، لا بد من توطيد العلاقات مع المملكة من جهة، والعمل على تنسيق عالي المستوى مع المحيط العربي (الأردن - مصر)، بحيث يكون الحل شاملًا ولا يستثني الفلسطينيين ومطالبهم. على الرئيس أبو مازن التحرك باتجاه كسر تابوهات كانت مغلقة في الفترات المنصرمة واتخاذ قرارات تاريخية تنقذ إمكانية إنهاء القضية الفلسطينية مرة واحدة وإلى الأبد. ثبات المواطن الفلسطيني في أرضه وعليها هو الإنجاز الوحيد المهم في هذه المرحلة، وكل ما يخالف ذلك لا يعدو كونه أحلام يقظة ليس لها مكان في الواقع المعقد.

3. ترمب يريد قيادة موحدة ضمن قرار واحد حتى لا يكون التشتت سببًا في رفض الإسرائيليين للصفقة الكبرى والعمل على التحلل من أي اتفاق. الوحدة الوطنية بأي ثمن ولجميع المكونات يجب أن تكون هدفًا أساسيًا في المرحلة القادمة. أعتقد أن جميع التنظيمات يمكنها البدء بعمل مراجعات سياسية لتتمكن من الوصول إلى ميثاق موحد يمكننا من التفاوض على الصفقة القادمة بأساس أكثر متانة ويحسن تفاصيلها.

يجب البدء باتخاذ قرارات حاسمة في المرحلة القادمة، ولا بد من التفكير في إعادة هيكلة النظام السياسي الفلسطيني. من المهم التفكير بتفعيل دوائر كانت مهملة في منظمة التحرير الفلسطينية، ومن الطبيعي التفكير بمراكز جديدة لضم كافة المشارب إلى مشروع الكينونة الفلسطينية، للتحول من سلطة حكم ذاتي نحو سلطة دولة فلسطينية، أو سيكون مصير القضية في مهب الصفقة القادمة.

إما أن نكون على رأس الطاولة في الصفقة القادمة، أو أن نبقى المسند للطاولة التي سيجلس عليها الجميع ويفكرون في مستقبل دولهم وأنظمتهم. إما أن تكونوا على رأس الطاولة، أو ستكون القضية الفلسطينية وكافة مكوناتها في مهب التفتيت.