وكالات - أكرم عطا الله - النجاح الإخباري - هل كان الأمر في سورية مجرد برنامج كاميرا خفية انتهى الممثلون والمخرجون من أداء أدوارهم ليغلقوا المشهد على نكتة دامية؟ كيف لأزمة شغلت العرب واستنزفت مقدراتهم وشبابهم وحرقت قلوبهم وأسالت ما يكفي من الدم ووزعت شعباً على كل المنافي أن تنتهي بجملة «انتهت اللعبة»؟ لا أحد سيراجع تاريخنا المصلوب على خشبة الجهل سوى أن العرب يديرون سياستهم كما حروب القبائل وبلا توازن وتحت ردات الفعل.
حادون نحن في كل شيء، ولا حلول وسطاً كما قال لسان حال شاعرنا «نحن أمة لا توسط بيننا... لنا الصدر دون العالمين أو القبر»، ويبدو أن قَدَر القبر كان رفيقاً لخيباتنا المتواصلة التي تكثفت بجدارة أو بمرارة في عقدها المظلم الذي أخرج كل نزعات الشر الكامنة في ثقافتنا وإرثنا الدامي التي لم تتوقف سيوفه عن التمثيل بأجسادنا، متكئاً على ثقافة متخلفة توفر لنا كل ما يلزم من وقود يكفي للكراهية.
عام 2011 طرد العرب سورية من الجامعة العربية، وها هي تعود لها بعد تلك الرحلة الدامية وصراع الإرادات في معركة الكون التي تجسدت على أرضها، فلم يبقَ أحد أو دولة لم يجد له ما يفعله هناك، تعود وكأن شيئاً لم يكن، وأن ما حدث لم يكن أكثر من لعبة ساخرة وإن كانت كلفتها مئات المليارات وملايين اللاجئين وعشرات آلاف الشباب... كل هذا لا شيء في عالم عربي مازال علم السياسة بالنسبة له من غرائب الأشياء يمارسه كالهواة دون مؤهلات الحد الأدنى، وخصوصاً عندما تراجعت عواصم كبرى عن المشهد مثل القاهرة وبغداد، كانت السياسة أشبه بحفلة سيرك محزنة.
كان ربيعاً بطعم الخريف الذي تساقطت كل أوراق توته العربية، حين اعتقدت دول أنه بالمال وحده يمكن صناعة التاريخ وكتابة صفحاته، واحدة لم تخف وسط موجات الدم أنها «دفعت عشرات المليارات قبل أن تفلت الصيدة «وأخرى تعلن ذات مرة أن دباباتها ستدخل سورية براً من تركيا، هذا بعد مساهمة العرب في تحطيم ليبيا وتركها مجرد خرابة لن تقوم لها قائمة، وقبلها العراق الذي تم تدميره بكفاءة وأفلتت مصر بأعجوبة.
في سورية تجلت مصالح الكون وكل كان يتحرك ويحدد موقفه من المكان الذي يقف فيه، بدءاً من الولايات المتحدة وإسرائيل مرورا بالدول العربية وروسيا والصين وأوروبا وقوى سياسية رفعت علم الثورة السورية، وكانت ترى في الأزمة السورية ما يمكن حصاده عندما تنتهي المعارك في لحظة اصطفافات أيدلوجية وحزبية وحين تتم السيطرة على سورية.
لم يكن الأسد أفضل الرؤساء العرب، ولكنه لم يكن يختلف عنهم بالكثير. فالسجون تنتشر على امتداد الأوطان، والحريات تشكو الفقر المدقع كما مواطنها العربي، كلها أوطان عشش فيها الفساد والقمع والموت والزنازين، وكل حسب إمكانياته حتى أصغر الدول وحسب سلوك المعارضة كان يتم اختيار أدوات القمع، وكان الشعب السوري قد بدأ ثورته المدنية في لحظة تفتحت فيها بلدان عربية على عهد الحريات. ماذا لو ترك الشعب السوري يدير ثورته وحده دون تدخل؟ ألم تلعب الدول التي تدخلت وحرفت مسار ثورته بالمال والإعلام وحرفت مطالبه الديمقراطية دوراً تخريبياً كان ثمنه تحطيم الدولة؟ نذكر حين كان حوار ذات مرة بين النظام والمعارضة كيف قامت تلك الدول بتحريض المعارضة على عدم الاتفاق لأنها ستسلمها الدولة على طبق من دم، فأضاعت فرصة تاريخية كان يمكن أن تتكامل بها سورية بكل مكوناتها، لكن الهدف لم يكن كذلك بل أبعد بكثير.
   كانت تراجيديا ستمتد فصولها لسنوات قادمة لبلد قادم من أعماق الحضارة تم تدميره بلا هوادة في لحظة تاريخية ساخرة. واضح أن المنطقة تطوي فصلاً من أسوأ فصول تاريخها التي تنضم إلى كل معارك تاريخ صراعات السلطة ونزاعات القبائل التي كتبت تاريخنا الطويل حتى صفحته الأخيرة. وبات واضحاً أن هناك دوراً يطل من عاصمة عربية كبيرة هي الرياض يصنع ما يكفي من التوازن الذي فقدته المنطقة عندما غابت عواصم المركز وباتت مؤشراته واضحة ربما يكفي لطمأنة العرب. هذا الدور الذي لم يعد يدير السياسة بخفة كانت سمة السياسة العربية في عشريتها السوداء.
صحيح أن هناك مستجدات وتحولات هائلة في العالم وصلت صداها للمنطقة العربية، ولم تكن عودة سورية واستقبال رئيسها في عواصم عربية سوى استجابة لتلك الأصداء، وفي هذا ما يبشر بأن صفحة عربية أكثر تفاؤلاً تنفتح أكثر ثقة بنفسها وبإمكانياتها وبقرارها الذي يبدو أنه أكثر سيادية بعد أن خاض العرب معارك الآخرين بأموالهم وفضائياتهم وأبنائهم، وعلى جثث مدنهم التي تفحّمت وطوابير اللاجئين الحزينة.