وكالات - حسن البطل - النجاح الإخباري - أبوس جَبِين «أبو يعقوب» المُدمى، وأربع أيدٍ صغيرة، هي أيدي الولد يعقوب وأخيه، اللذين ضمّهما أبوهما بيديه إلى أضلاع صدره، بينما حُنجرته ترفع الهُتاف الأوّل في وجه الظلم والظالمين «الله أكبر». في كفل حارس استأسدَ «أبو يعقوب» في الذَّوْدِ - بيديه العاريتين وبـ»أعصاب» زُنُوده.. وبما مَلكَت يمينه من حجر - عن مأوى وسقف لولديه وزوجته، أحالتهما الجرّافة أنقاضاً. امرأةٌ باكية؛ رجلٌ غاضب يسحُّ دمه من جبينه، وَوَلَدان (أو ثلاثة) بعيون أربع (أو ستّ) مذهولة تماماً: هذه إحدى صُور العام الفلسطيني الذي يمضي (والنّاس صِيَام)، كما صورة الفتى في بيت لحم بعد إصابته بطلقةٍ في بطنه، ويَدَاه تقبضان على علم بلاده يُرفرف في الاتجاه المعاكس لانحناءة الفتى. أبوس جَبِين «أبو يعقوب».. وأشدُّ على يُمناه التي قذفت جندياً بحجر. رجلٌ شُجاع ذادَ عن: حَوضِه، حِمَاه .. بيته بالسلاح الذي في يده: حجر.. وصرخة غضب «الله أكبر». صُورة «البطولة والإباء» مُتكاملة العناصر في مسيرة عائلة «أبو يعقوب»: الأب يضمُّ وَلَدَيه بزِندَيه إلى صدره، وزوجته تضمّهم جميعاً والهُتاف أبلغ الهُتاف «الله أكبر».
***
من صورة «البُطولة والإباء» في كفل حارس، إلى صورة الكذب والرّياء في «مركز الليكود»: عريف اجتماع - «المسخرة» هو نفسه وزير العدل تساحي هنغبي، ابن غيئولا كوهين زعيمة حزب «هتحيا» اليميني العنصري الصهيوني.
قُبيل انفراط عقد «حكومة الليكود»، وقف هنغبي على منصّة الكنيست، حاثّاً الحكومة على التفاتة «حُسن نيّة» أُولى وأخيرة، وتنفيذ قرارات «المحكمة العليا» المتعاقبة، بإعادة أهالي قريتي «إقرِث» و»كفر بُرعم» إلى أراضيهم .. أو بعضها، خصوصاً أن مستوطني «برعام» على بعض هذه الأراضي، لم يعودوا يُمانعون «عودةً جزئية ومشروطة للجيران المشرّدين».. منذ حوالي خمسين عاماً.عوني سبيت «أبو نبيل»، شاعر شعبي (زجّال) من مواليد «إقرِث» كرّس حياته، وأشعاره لقصّة القريتين. إنها أشعار في الكتب وفي القلوب، يمكن أن تُفتّتَ قلباً من حجر، ولكنها لا تؤثّر في حكومة ترفض تنفيذ قرارات «العليا»!عالِم الديمُوغرافيا الإسرائيلي ميرون بنفينستي، وضع هاجس «السّابقة» في القريتين - حال تنفيذ قرارات «العليا» - في صيغة مسحٍ إحصائي، فوجد أن ثلثي القرى العربية المدمّرة تنطبق عليهما مُواصفات «حقّ العودة» المتوفّرة في حالة القريتين .. علماً أن المقصود من ذلك الحق هو «عودة داخلية»، وحقوق سكّان يحملون الجنسية الإسرائيلية، وليس حق عودة اللاجئين، أو حتى النازحين، خارج فلسطين.
***
يبني الفلسطيني بيته على مَهْل: الأساس أوّلاً، وعندما تتوفّر القدرة يبني الجدران، ثم السقف. في المقابل، يبنون المستوطنات اليهودية على أراضي الفلسطينيين على عَجَل.. ثم يهدمون «البيت المُخالِف» الفلسطيني في دقائق، دون أن يتعرّقوا، أو يسفحوا نقطة عرقٍ واحدة.. ودون أن يوفّروا طلقاتٍ غزيرة وقنابلَ مُسيلةٍ للدموع ، وهرَاواتٍ.. وأعقابَ بنادق.
***
ــ هناك إحصائيةٌ مفتوحة لعدد البيوت الفلسطينية التي هدّمها الاحتلال الظالم منذ احتلاله الثاني (استكمالاً لاحتلاله الأوّل).
ــ هناك إحصائيةٌ محفوظة لعدد القرى الفلسطينية المدمّرة، منذ بداية الموجة الأُولى للاحتلال الأوّل.
ــ هناك إحصائياتٌ مختلفة لعدد المُبعدين عن أراضيهم وديارهم.
ــ هناك إحصائياتٌ مختلفة لعدد القتلى الذين سقطوا.
ــ .. والى كلّ ما سبق هناك بنودُ الاتفاقيات التي بقيت بُنوداً على ورق.
إحصائياتُ الظُلم حقيقيّة وحيّة، وليست مدفونة في مقبرة الصراع. وأما اشتراطات إسرائيل، فهي إحصائيات قام بها ساسة يُديرون سياساتهم، علناً او ضمناً، من منطلق أن جذور الشعب في أرضه أوهي من جذور خُرافاتهم.
***
«أبو يعقوب» سيُفطِر باقي أيّام رمضان على القهر والغضب، وفي السُّحور سيرفع الدعاء لاعناً الظالمين. سيُقيم لدى أخواله أو أعمامه، ريثما يستطيع بناء بيتٍ جديد. أمّا وَلَدَا يعقوب الموعودان بسلامٍ فلسطيني - إسرائيلي، فسوف يكبُران. يذهبان إلى المدرسة، وعندما يشتدّ ساعدهما وتتّسع مداركهما، سيكون أوانٌ آخر.. سلامٌ آخر، خالٍ تماماً من اشتراطات نتنياهو الذي يقود إسرائيل بالكذب وبالتهريج، ويُجيد كل شيء ما عدا اتخاذ القرار الصحيح.
القرار الصحيح هو قرار وَلَدَي «أبو يعقوب».