وكالات - النجاح الإخباري - المحامي يحيى دهامشة - رئيس المكتب السياسي للحركة الإسلامية والأمين العام للقائمة العربية الموحدة
 
أفضت انتخابات الكنيست الـ25 إلى ما أفضت إليه، وتشكلت هذا الأسبوع في إسرائيل حكومة جديدة بقيادة بنيامين نتنياهو وحلفائه، سموتريتش وبن غفير، بعد خطوة سن قوانين تلائم القيادات السياسية لهذا الائتلاف، فُصّلت على مقاسه.
أما على مستوى القوى السياسية العربية في الداخل فقد صرحت بعض القيادات بشكل واضح -على مستوى الأحزاب والمؤسسات الما فوق حزبية - أنّ هذه الحكومة ستكون أخطر حكومة وأكثرها فاشية في تاريخ إسرائيل، وهذه هي التوقعات التي لا ينكرها أحد حقيقةً، لكن الأمر يبدو غريبًا عندما نفهم أنّ كل ما يحدث اليوم هو نتاج أيدي نفس القيادات السياسية التي تراقب هذه المرحلة بقلق ويتوجب عليها الآن مواجهتها.
ما يبدو من سلوك هذه القيادات والقوى قبل وبعد الانتخابات، يُظهر دلائل قوية وصارخة بأنّ هذه القيادات غير ناضجة حتى الساعة، لا في قراءة الواقع؛ ولا في استخلاص العبر؛ ولا في الاستعداد لمراجعة أخطائها، فما زالت هذه القيادات والقوى السياسية التي تنتمي إليها، مصرة على أنّ دربها صواب لا يحتمل الخطأ، وما زالت لا تستحي من استخدام عبارات التخوين والطعن بحق خصومها.
بعض هذه القيادات، وإن وصلت مراكز قيادية فوق حزبية، يفترض أنّها مظلة جامعة للجماهير العربية، إلا أنّها لا تستطيع قراءة الواقع إلا من خلال انتمائها الحزبي الضيق الهزيل الفاقد للبصيرة. فكيف يمكن أن نثق بقيادات كهذه، عاجزة في الحقيقة عن رؤية تقصيرها، وغير مستعدة ولا بأي شكل من الأشكال مراجعة أخطائها وإخفاقاتها؟!
هذه القيادات كما في السابق، تطير في مهب الريح، وتبني الآمال على كل حدث هنا وهناك في العالم العربي. فالقيادي الهزيل يرى التضامن العربي مع القضية الفلسطينية في مونديال قطر، ويعتقد أنّه تقويض لشيء ما وفاتحة لعهد جديد، ولا يفهم أنّ مع انتهاء المونديال انتهت هذه الموجة من التعاطف في هذه المرحلة.
والقيادي الهزيل يرى أنّ المشاركة في ائتلاف حكومي في إسرائيل هو "انزلاق"، وأنّ هذا الأمر لا يمكن أن يكون واردًا. ويهاجم بلا تردد أكبر حزب عربي موجود على الساحة العربية اليوم، بل ويتصادم مع مجتمعنا العربي بشكل عام، في نفس الوقت الذي يُعتبر فيه قياديًّا فوق حزبي. والقيادي الهزيل ما زال مقتنعًا إلى اليوم بأنّ مواكبة لجنة المتابعة لهبة الكرامة عام 2021 كانت على مستوى الحدث، وراضٍ عن أدائها ودورها.
كيف يمكن أن نُفهم هذه القيادات، بأنّ تعاطف العالم العربي مع القضية الفلسطينية في مونديال قطر، هو تعبير عن حقيقة كانت قائمة قبل مونديال قطر، وستبقى قائمة بعده، وأنّ التعبير عن هذه الحقيقة، وقيام الدلالات على وجودها، هو مجرد دلالات على وجودها. وأنّ الدلالات على وجود الشيء، ليست إعلانًا عن مرحلة جديدة أو واقع جديد ولا هي تقويض لواقع معين، بل استمرار لنفس الواقع.
كيف لنا أن نُفهم هذه القيادات، بأنّ ما عاد من حقها التطاول بالألفاظ والعبارات على الفئات السياسية الأخرى من أبناء شعبها، والتي لا ترى الواقع السياسي من خلال البوتقة اليسارية الماركسية-الاشتراكية كما تراها هي، وأنّ تحليل الواقع لا يتم بالضرورة من خلال اعتبارات "الصراع الطبقي" و"الإمبريالية" و"الاستعمار" كما تراها هي.
كيف لنا أن نفُهم هذه القيادات أنّ أداءها أثناء هبة الكرامة، كان أداءً مخجلًا لم يعطِ أي دعم حقيقي ذي وزن للعائلات التي تضررت في هذه الهبة، سواء نتيجة اعتقال أبنائهم أو إصاباتهم (الكاتب هو محام في مهنته، وهو ممّن واكبوا جزءًا من المعتقلين وما زال يتابع بعض قضاياهم حتى اليوم). وكيف لنا أن نُفهم هذه القيادات بأنّ أداءها اقتصر على التهييج من خلال استثمار الغضب الشعبي لمحاولة تسجيل نقاط على أكتاف أبناء شعبنا وشبابنا، ومحاولة لتجديد الدعم الشعبي لأحزابهم الهزيلة، وقد قامت هذه القيادات باستغلال ذلك بلا خجل، في الحملة الانتخابية الأخيرة.
الجواب عن التساؤلات المطروحة هو بالسلب، فهذه القيادات لا تستطيع أن تقرأ الواقع إلا من خلال بوتقتها الأيديولوجية التي تربت عليها، والأمر واضح من خلال العبارات المستخدمة في توصيف الواقع، فكل مشاكل مجتمعنا وأمتنا يمكن اختزالها من خلال عبارات "الإمبريالية" و"الكولونيالية" و"الصراع الطبقي". بعد ذلك يأتي التعنت في الرأي والانحياز التام للحزب ووجهة نظره. وما يثير السخرية، أنّ نفس هذه القيادات تحذّر من "القبلية السياسية" وال "أنا" الحزبي. ألهذا الحد بلغ الاستهزاء والاستخفاف بعقول الناس؟!  
إنّ تشكّل الحكومة الإسرائيلية الحالية، وما سينتج عنه من ممارسات ضد المجتمع العربي، تتحمل مسؤوليته بشكل مباشر القيادات والقوى السياسية الفاعلة على الساحة العربية التي شنّت هجومًا ضاريًا ضد القائمة الموحدة ووجودها في الائتلاف السابق، بعد أن دأبت وحاولت تلك القيادات والقوى إفشال أي خطوة تؤدي إلى تقدم مجتمعنا العربي نحو الأفضل، وهي التي سعت للإتيان بهذه الحكومة، فلا يحق لها لا الندب ولا اللطم على بداية المرحلة الحالية، كونها علة أساسية في حدوثها واستحضارها، سواء القوى والقيادات التي كانت في المعارضة ونسّقت مع نتنياهو وسموترتش وبن غفير لتساعدهم في حل الكنيست السابقة، والدخول في معركة انتخابية أثبتوا من خلالها صبيانية على المستوى القيادي وإدارة الحدث، وغباءً مخجلًا في التقدير؛ أو القوى المعارضة لانتخابات الكنيست، تحديدًا القوى التي كانت دون علمها مطية لمستشاري الليكود الاستراتيجيين، من أجل خدمة مشروع الليكود في العودة إلى الحكم، بينما كانوا يظنون بأنّهم يقومون بخدمة "المشروع إسلامي".
هذه المقالة، ستكون مقدمة لسلسلة مقالات أدوّنها لمجتمعنا العربي، أبيّن من خلالها أنّ هذه القيادات بأحزابها هي جزءٌ من المشكلة لا من حلها، فالحزب الذي لا يمكن أن يراجع نفسه ليفهم مواضع الفشل والإخفاق لديه، لا يحق له أن يطلب الثقة والدعم من أبناء مجتمعنا.
في المقالات القادمة، سأجيب عن تساؤلات يجب أن تُطرح ويُتعامل معها، منها: كيف أصبح المجتمع العربي في الداخل أسيرًا للأفكار الأيديولوجية اليسارية ولا يرى إمكانية تحصيل حقوقه إلا من خلال هذا النهج الذي تحدده هذه الأحزاب؟ (بالأساس أحزاب المشتركة السابقة، الجبهة والتجمع)
كيف سيطرت هذه الأحزاب بأفكارها على مجتمعنا وعلى صناع الرأي والنُخب رغم التضاد بين جوهرها الفكري وبين مجتمعنا العربي، حيث جاء ذلك في مرحلة ظروف سياسية واجتماعية فرضها الواقع الصعب لمجتمعنا العربي بعد قيام الدولة؟ وكيف أصبحت الأفكار التي تروجها هذه الأحزاب -في مرحلة معينة- ليست أكثر من مُخدِّر لمجتمعنا وعائق أمام تحقيق أهدافه، بدل أن تكون رافعة لتحقيق الأهداف؟ ما مصدر وقدرة هذه الأحزاب في التبرير الدائم للفشل، حتى بلغ الأمر بأن يعتبر حرق ما يزيد عن مئة ألف صوت عربي انتصارًا؟ لماذا تحاول هذه القوى السياسية دائمًا ممارسة العمل السياسي من خلال طرح شعارات لا يمكن تحقيقها؟ سواء شعار تحقيق "العدالة الاجتماعية" أو "دولة جميع مواطنيها"؟ وما علاقة ذلك بخلفيتها الفكرية؟
لقد استطاعت هذه الأحزاب تحويل الفكر الماركسي اليساري، سواءً بشكله الأصلي الصرف (الجبهة)، أو بشكله النقدي الما-بعد-حداثي (الجبهة والتجمع)، إلى "مشروع وطني"، تحاول من خلاله إخراج كل من لا يتفق معها من دائرة الإجماع الوطني وفرضه كمشروع نضالي للمجتمع العربي في الداخل، وما زالت تفعل ذلك إلى اليوم، بكل صلافة وبلا تردد، حتى عندما زج بها مجتمعنا في خانة الأقلية، حيث يفترض أن يكون مكانها الطبيعي وحيث يجب لها أن تبقى، ورغم كل ذلك, فهي ما زالت تمارس إرهابًا فكريًّا ضد كل من لا يتفق معها.