وكالات - أكرم عطا الله - النجاح الإخباري - هذا ما يشعر به الإسرائيليون الذين يكتبون مقالاتهم بدهشة ما يحدث من اتفاقيات ائتلافية بين الليكود الحزب اليميني الاستيطاني مع الأحزاب الدينية، فتكتمل ملهاة المشهد الإسرائيلي التي تتراءى خلف هذه الاتفاقيات ومأساة العلمانيين ورجال القانون واليسار الذي تضعه بعض الاتفاقيات شاخص رماية سيطلق رصاصة رحمته آفي ماعوز رئيس حزب نوعام.
كل شيء في إسرائيل جديد يثير دهشة العالم والداخل الإسرائيلي مركزه رئيس وزراء الظل بتسليئيل سموترتش الذي يمسك نتنياهو الهرِم من عنقه ويجره بعناد إلى حيث خيالاته التوراتية.
ولا خيار لزعيم الليكود إلا أن يسير حيث يشاء رئيس الصهيونية الدينية وإلا فالخيارات إما انتخابات قد لا تضمن له فرصة جديدة لتشكيل حكومة أو السقوط والمحاكمة أو في أفضل حالاته الفوز والعودة لنفس الابتزاز وتلك الحالة القائمة فلماذا يفرط بها.
وسموترتش هذا وبكل ما ينفث من كراهية وتطرف صادق مع نفسه ومستعد للخسارة من أجل مواقفه ومبادئه، مستقبله السياسي أمامه فهو ابن الثانية والأربعين عاما، وله تجربة سابقة فقد ضحى بالوزارة حين اقتربت من التعارض مع قيمه العنصرية ولم يكن لنتنياهو خيار تشكيلها إلا بضم منصور عباس. وتلك كانت وما زالت خطوطا حمراء فضل سموترتش أن يخسر وزارة وأن يقف في المعارضة على ألا يتنازل عن مواقفه.
تلك أزمة نتنياهو معه، فهو أمام شخص عنيد ولا تهمه الخسارة يتقدم مع كل جولة انتخابية ولا تهمه إعادة الانتخابات وهي كابوس رئيس الحكومة الجديد القديم.
وقد حاول نتنياهو المناورة كثعلب مارس كل مناوراته مع جميع الشركاء والمنافسين لكنه مع سموترتش لم يكن أمامه إلا الرضوخ، وهذه بشرى لخصوم إسرائيل حيث تتشكل حكومة عنصرية على النقيض من القيم الإنسانية السائدة ونتركها لمقال قادم.
أصر سموترتش أن يكون وزيراً للدفاع ليس لأنه جنرال ولا لخبرته العسكرية فهو متهرب من أدائها بشكل كامل لكن بهدف تنفيذ مشروع الاستيلاء على الضفة الغربية وضمها.
وخشية نتنياهو ليست الضفة بل إن تلك الوزارة تعني أمن إسرائيل وتعتمد بكليتها على البنتاغون والتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية، وأن تعيين سموترتش قد يؤثر على ذلك التعاون ليعقد معه صفقة يبيع فيها وزارة الدفاع يأخذ سموترتش الجزء المتعلق بالضفة الغربية بالكامل «تعيين منسق شؤون المناطق ورئيس الإدارة المدنية» لوزير في الوزارة يعينه سموترتش ويتبع له مباشرة، وفي هذا ما يعني ضم الضفة حيث تبعيتها لوزير مدني بعد أن كانت تتبع قيادة المنطقة الوسطى بالجيش وهو ما علق عليه يائير لابيد قائلاً: «نتنياهو يبيع الجيش للمتطرفين».
لكن من يتابع الجدال الصاخب في الجيش وعلى الجيش يدرك أن الأمر أبعد كثيرا حتى من الضفة نفسها، وله انعكاسات داخلية كانت بروفتها في اعتقال جندي في الضفة حين تجند اليمين وسياسيوه ومؤيدوه للتنكيل بقادة الجيش ويتوعدونهم بوصول رفاقهم للحكومة، مشهد انقسامي يطل برأسه.
أما صفقة البيع الثانية التي لا تقل فداحة بالنسبة للمندهشين في إسرائيل من انزلاقها فهي تعيين الحاخام آفي ماعوز رئيس حزب نوعام وممثل الحاخام تسفي تاو الذي خاض الانتخابات ضمن قائمة الصهيونية الدينية بدرجة نائب وزير في مكتب رئيس الحكومة ومسؤولا عن تعزيز الهوية القومية.
والأهم في هذا التعيين أنه يقاسم وزارة التعليم في صلاحياتها وهو ما أثار موجة احتجاج شديدة فاجأت نتنياهو من قبل رؤساء السلطات المحلية وهي الصفقة التي وصفتها رئيسة حزب العمل بدخول إسرائيل في عصر الظلام.
يحاول نتنياهو أن يدافع عما يفعله مستعيداً تجارب سابقة بالسيطرة على شركائه في ائتلافات سابقة غير مدرك أن السياسة هي ابنة المتغيرات وأن موازين القوى أكثر لزوجة من أن تتوقف عند لحظة مجده الغابر حين كانت توفر له ما يكفي من القوة على الأرض للتآمر.
لكنه الآن بات مكشوفا يتفاوض من موقع ضعف يراه شركاؤه ويعصرونه مثل ليمونة حتى المقعد الأخير، وكان قبل ذلك قد باع الأمن للخارج عن القانون بن غفير وسط استغراب الأحزاب السياسية.
لا يعني ذلك أن ما يطلبه الشركاء هو على النقيض من فكر نتنياهو لأنه يميني يتفاخر بإلغاء اتفاق أوسلو وملأ الضفة بالمستوطنات وتدمير حل الدولتين وتعزيز انقسام الفلسطينيين بالإبقاء على حكم حماس والقضاء على التسوية والتنكيل بالسلطة ومحاولته ضم الضفة من خلال صفقة القرن، كل هذا قبل أن تجيء الصهيونية الدينية بأقطابها المتطرفة.
لكن الخلاف مع شركائه فقط في الإخراج، فقد فعل كل هذا دون ضجيج ينبه العالم لكنهم يريدون تطبيق كل ما يفكر به نتنياهو بدعاية انتخابية صاخبة هنا الفرق.
الرئيس الإسرائيلي يقول إن إسرائيل تشهد انشقاقاً خطيراً يهدد بتقويضها، وقادة الأمن يحذرون، وقادة الرأي يكتبون بما يشبه الصراخ، وقادة السلطات المحلية أصيبوا بصدمة ماعوز، وقادة المجتمع المدني يتحسسون رؤوسهم ومؤسساتهم مما وصفه لابيد بالجنون. وفي لحظة يعتقد نتنياهو أنه قادر على وقف هذا الجنون لكن سموترتش يتحرك مثل جرافة لا يهمه شيء حتى الخسارة ولن يتمكن نتنياهو من وقفه وفي أي لحظة قادر على إسقاطه ولن يتردد بفعل ذلك لو حاول نتنياهو، لذا فإن المزاد القائم للدولة القديمة على قيمها العلمانية ونظامها وقانونها وشفافيتها هو الحقيقة التي فهمها الإسرائيليون دون أن يتحدثوا عن فرصة وديمقراطية. إذ ليس هناك بعد صفقات البيع سوى فرصة واحدة تتوفر لسموترتش وهي تجريف الدولة.