وكالات - أشرف العجرمي - النجاح الإخباري - بعد عامين على انطلاق المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل ولبنان، برعاية الأمم المتحدة؛ بهدف ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين، أصبحت الظروف الآن جاهزة لعقد اتفاق بين الجانبين، خاصة بعد التدخل الأميركي الفاعل، وتقديم صيغة حل وسط يبدو أنها مقبولة على الطرفين، فقد قبلتها إسرائيل، وقبلها لبنان مبدئياً وأرسل رداً يتضمن بعض الاستفسارات الفنية والقانونية إلى الجانب الأميركي، ويتوقع أن يتم التوقيع على الاتفاق قريباً. خاصة أن كل الأطراف اللبنانية: الرئيس، ورئيس الوزراء، ورئيس البرلمان، موافقة على العرض الأميركي. و"حزب الله" كذلك لا يعارض الصيغة المقترحة لأنها تستجيب لمطالب لبنان، بعدما قبلت إسرائيل أن يكون الخط 23 هو خط الحدود البحرية بين الطرفين.
قبل بدء المفاوضات كان الموقف الإسرائيلي الذي أبلغ للأمم المتحدة يعتبر الخط رقم 1 هو خط الحدود الفاصل بين لبنان وإسرائيل. وافتتح لبنان المفاوضات بالإصرار على خط 23. وقد طرح الوسيط الأميركي صيغة حل وسط باعتماد خط يقع بين خط 1 وخط 23 ويمنح لبنان أكثر من نصف المساحة المختلف عليها الواقعة بين الخطين والمقدرة بثمانمائة وستين كيلومتراً مربعاً، ولكن لبنان رفض العرض وبدلاً من ذلك عدّل موقفه باعتماد خط 29 لترسيم الحدود بين الطرفين، والخط الجديد يضم جزءاً من حقل الغاز "كاريش" الذي تريد إسرائيل استخراج الغاز منه ويقع جنوب خط 23. ثم عاد الوسيط الأميركي للخط 23 بناء على الموقف اللبناني المبدئي.
لبنان يبدو موحداً في موقفه من العرض الأميركي، والحكومة الإسرائيلية موافقة ولكن الساحة الحزبية والسياسية الإسرائيلية منقسمة على نفسها. ويبدو أن استقالة رئيس الوفد الإسرائيلي المفاوض، أودي أديري، شكل مادة جيدة ومبرراً للمعارضة الإسرائيلية برئاسة زعيم حزب "الليكود" ورئيس الحكومة الأسبق بنيامين نتنياهو لمهاجمة الاتفاق، ومحاولة الاستفادة من ذلك انتخابياً. ورئيس الحكومة المؤقت يائير لابيد يدعي أن الاتفاق "سيحمي مصالح إسرائيل الأمنية والتجارية بشكل كامل"، وأن إسرائيل "لا تعارض أن يطور لبنان حقل غاز إضافياً، فمثل هذا الأمر سيضعف تبعية لبنان لإيران".
من جهته، يتهم نتنياهو رئيس الحكومة لابيد بأنه "استسلم بشكل مخجل لتهديدات نصر الله" وأنه سلّم "حزب الله" أرضاً ذلت سيادة إسرائيلية بخزان غاز ضخم، وذلك دون نقاش برلماني ودون استفتاء ودون تفويض. وتعهد بأنه عندما يفوز في الانتخابات سيلغي هذا الاتفاق ولن يلتزم به. كما يتهم نتنياهو الإدارة الأميركية بأنها مارست ضغوطاً على لابيد وأنه استجاب لهذه الضغوط.
من الواضح أن موضوع الاتفاق مع لبنان سيكون مادة مناكفة سياسية بين الحكومة، خاصة لابيد ونتنياهو. فمن جهة لابيد هذا يعد إنجازاً سياسياً له أنه نجح في عقد اتفاق مع لبنان الدولة العدو حتى لو لم يكن هناك اتفاق سلام أو تطبيع بينهما، وهذا يضمن عدم تدهور الوضع الأمني على الحدود الشمالية التي كانت قاب قوسين أو أدنى من الاشتعال. وحسب تقديرات الجهات الأمنية سيكون للبنان ما يخسره إن قام "حزب الله" بالتصعيد ضد إسرائيل، خاصة أن لبنان يعيش وضعاً اقتصادياً كارثياً وبحاجة ماسة لإنتاج الغاز من البحر، وحقل قانا الذي يتحول إلى ملكية لبنانية سيكون بداية لتطور اقتصادي مهم، وقد يتبعه تنقيب واكتشافات أخرى في مجال الطاقة. وإسرائيل تنازلت في المجال التكتيكي ولكنها ربحت إستراتيجياً، وهي الآن بحاجة للبدء فوراً في إنتاج الغاز من حقل "كاريش" وتعويض الغاز الروسي في أوروبا، وبالذات في وقت يرتفع فيه سعر الغاز عالمياً، ما يضمن لإسرائيل دخلاً إضافياً كبيراً وقدراً أكبر على التأثير على المستوى الدولي.
أما نتنياهو فسيركز على تنازلات الحكومة، وعلى عدم وجود تفويض لها، خاصة أنها حكومة انتقالية ولا تملك أغلبية برلمانية، وسيحاول منع لابيد من استثمار هذا الاتفاق انتخابياً باعتباره إنجازاً إقليمياً ودولياً عدا أهميته اقتصادياً وأمنياً لإسرائيل. وسيركز نتنياهو على استقالة أديري من رئاسة الوفد، خاصة أن الأخير يدعي أنه استقال بسبب إدارة مستشار الأمن القومي إيال حولتا للمفاوضات، وبسبب معارضته للاتفاق، حسب ما نقلته صحيفة "معاريف" الإسرائيلية عن مقربين منه، أول من أمس. وقد لجأ "الليكود" للمحكمة العليا الإسرائيلية لرفض الاتفاق، الذي على ما يبدو سيقره المجلس الوزاري الأمني السياسي المصغر يوم غد.
هذا الاتفاق إذا تمت المصادقة عليه من قبل لبنان وإسرائيل سيشكل اتفاقاً جيداً للطرفين، حتى لو قيل: إن إسرائيل تنازلت عن مواقفها الابتدائية.. فلبنان كان على حق، وإسرائيل حاولت استغلال تفوقها العسكري ولكنها لم تنجح في فرض موقفها، وفي نهاية المطاف نجحت معادلة الردع في شق الطريق أمام اتفاق مربح للطرفين، ويمكن أن يساعد في استقرار الوضع في لبنان الذي يعاني من انهيار اقتصادي.