وكالات - هاني عوكل - النجاح الإخباري - تساؤلات كثيرة تطرح في وسائل الإعلام حول إمكانية تطبيع العلاقات بين تركيا وسورية، بعد سنوات من القطيعة التامة على خلفية اصطفاف أنقرة ضد النظام السوري، ودعم المعارضة هناك إبان الحرب الأهلية السورية التي مضى عليها أكثر من 11 عاماً.
فوق الطاولة كل المؤشرات تقول: إنه لا توجد نية لعقد مباحثات أو حتى اتصال هاتفي بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والسوري بشار الأسد، وصدرت تصريحات عن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قال فيها: إنه من غير الوارد حالياً إجراء اتصال هاتفي بين الرئيسين.
فوق الطاولة أيضاً ذكرت مصادر روسية وأجنبية أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اقترح على نظيره التركي خلال قمة ثنائية جمعتهما مؤخراً في سوتشي، إجراء حديث مع الرئيس بشار الأسد للبحث في شكل العلاقات بين البلدين وتنسيق الجهود السياسية والأمنية.
وكذلك لم يخفِ وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو اللقاء السريع الذي جمعه بنظيره السوري فيصل المقداد نهاية العام الماضي في العاصمة الصربية بلغراد، وتحدث عن مساعي بلاده لمصالحة النظام السوري والمعارضة تحت صيغة أستانا.
تحت الطاولة ثمة محاولات حثيثة من قبل أطراف دولية خارجية لرأب الصدع بين الطرفين التركي والسوري، وموسكو بالتأكيد تلعب دوراً مهماً في هذا الموضوع، كونها على علاقة جيدة جداً بالبلدين ولها مصلحة في إنهاء حالة الطلاق بين أنقرة ودمشق.
بالنسبة لتركيا يلحظ أنها تسعى منذ فترة قريبة إلى تصفير خلافاتها مع دول إقليمية وعربية في المحيط الآسيوي، وهذا الدور الذي تلعبه يتعلق بتعزيز مكانتها إقليمياً ودولياً، وحماية اقتصادها الذي تضرر بشدة على خلفية توتر علاقتها مع واشنطن وتوسع خلافاتها مع دول الجوار.
في الموضوع السوري بالتأكيد اختلفت الأولويات عند القيادة التركية التي كانت تراهن في السابق على المعارضة السورية المعتدلة، وترى فيها سندها وحليفها القوي الذي يمكنه صياغة وتشكيل المشهد السياسي هناك، غير أنها فشلت في هذا الرهان.
نتيجة هذا الفشل أن سورية قبل ثلاثة أعوام ليست سورية الآن وحتماً لن تكون نفسها الغد، وثمة تحسن كبير في العلاقات مع محيطها العربي، وهذا يشكل مقدمة للاعتراف بنجاح النظام السوري في هذه الحرب وبالتالي هو الأولى بجني هذا الحصاد.
في إطار ذلك، تعتقد أنقرة أن حماية مصالحها الإستراتيجية والأمنية تتطلب تطبيع العلاقات مع سورية، لكن وفق شروط محددة تتعلق بصون أمنها في الجنوب وإضعاف وإبعاد خطر قوات سورية الديمقراطية وتفكيك أي مشروع كردي سوري متصل مع أكراد تركيا.
أيضاً لا تريد أنقرة التخلي عن المعارضة السورية لأنها ذراعها وعينها في الداخل السوري، ومن المرجح أن تتوسع خطوط الاتصال بين الطرفين التركي والسوري في المستقبل القريب تحت عنواني إقامة دستور جديد يلبي كل مكونات الشعب السوري ومصالحة حزبية ومجتمعية تؤسس لانتخابات رئاسية وتشريعية، والأهم - ثانياً - فهم واستيعاب المتطلبات الأمنية لدى الحكومة التركية.
ثم إن أردوغان أمام التضخم الاقتصادي وارتفاع معدلات الفقر وتدهور قيمة العملة المحلية وتدني مستوى شعبيته، متضرر من فتح جبهة اشتباك طويلة الأمد مع سورية لحماية أمن بلاده في الجنوب، وفكرة تقريب وجهات النظر مع سورية تقلل الكثير من كلف مواجهة الأكراد في الشمال السوري.
قد يصح القول: إن النظام السوري يحتاج تركيا والعكس صحيح، والدليل أن "حبل" الاتصالات الأمنية والمخابراتية لم ينقطع بين البلدين منذ العام 2016، ومن المعروف أن حماية أمن الدول تستلزم حسن الجوار، وأهم أولوية بالنسبة لأنقرة إزالة أي خطر أو تهديد كردي في شمال سورية.
النظام السوري رغم حجم الخلاف الكبير مع أنقرة، إلا أنه يحتاجها لتخفيف عزلته الدولية وحماية أمنه من الإرهابيين، بالإضافة إلى القاسم المشترك المتعلق بضبط إيقاع الوجود الكردي حسب النغمتين السورية والتركية.
كذلك من مصلحة روسيا أن يتوافق الطرفان التركي والسوري، لأن ذلك يعني نجاح دبلوماسيتها في تعزيز وجود حليفها الأسد وشرعنته شيئاً فشيئاً، وإحباط المشروع الأميركي الذي يدعم أكراد سورية ويحركهم مثل قطع الشطرنج ضد الحكومتين السورية والتركية.
من غير المستبعد أن تتغير اللهجة بين القيادتين التركية والسورية في الفترات المقبلة، وربما تشن أنقرة عملية عسكرية في الشمال السوري ضد قوات سورية الديمقراطية بموافقة وسكوت روسي وسوري، وتواصل سياسي وأمني بين الأطراف الثلاثة.
إن عاجلاً أم آجلاً ستلتقي مصالح الطرفين السوري والتركي ولن يجدا من مفر سوى إعادة العلاقات الثنائية بينهما، لكن المسألة تكمن الآن في وضع الترتيبات السياسية والأمنية وإيجاد مخرج مناسب للمعارضة السورية ومستقبلها.
قد يحدث ذلك الآن من تحت الطاولة ومن فوقها، وحينذاك قد نسمع على شاشات التلفزة اتصالاً هاتفياً أو لقاءً يجمع أردوغان والأسد. لو لم تحصل الحرب الروسية على أوكرانيا، ربما كنا أمام مرحلة جديدة من تطبيع العلاقات بين تركيا وسورية.