وكالات - عبد المجيد سويلم - النجاح الإخباري - هذا السؤال، الذي سأطرحه ليس مُوجّهاً إلى منصور عباس وجماعته، وذلك لأن هذه الجماعة ليست معنية به من قريبٍ أبو بعيد.
السؤال هو: هل ما زال يوجد جدوى حقيقية من المشاركة في انتخابات الكنيست القادمة؟
هنا الأمر يتعلق بهذه الانتخابات، وليس بمبدأ المشاركة السابقة، ولا حتّى اللاحقة.
أقصد في ظل ما وصلت إليه إسرائيل من واقعٍ سياسيٍّ مأزوم على مستوى الاحتجاز «القانوني» لأي حقوق وطنية أو قومية للشعب الفلسطيني من خلال السياسات المعلنة رسمياً من الأغلبية الساحقة من القوى السياسية في إسرائيل، وفي ظل «تكريس» قانون القومية كقانون أساس، وفي ظل عدم وجود معارضة سياسية حقيقية لهذه السياسات، ولهذا القانون، أفلا يصبح السؤال حول المشاركة في الانتخابات «الحالية» سؤالاً مشروعاً بكل المعاني السياسية المباشرة، المُلحّة والراهنة؟
وإذا كنّا نعتبر، ونحن في الواقع نعتبر، أن نظام الحكم في إسرائيل ليس مجرّد نظام فصلٍ عنصري بنسخة صهيونية «تتفوق» على هذا المفهوم، وتتجاوز كل النسخ التي عرفناها وعرفها العالم، وإذا كنا على قناعة، ونحن في الواقع أصبحنا على مثل هذه القناعة، بأن المسألة تجاوزت حدود الفصل العنصري، وأصبحنا أمام عمليات انتقال متسارعة نحو نمطٍ أو أنماط من الفاشية، أفلا تصبح مسألة المشاركة في الانتخابات، الآن، وبسب وصول إسرائيل إلى ما وصلت إليه، وفي ظل التهديد الذي باتت تمثله على وجود وحاضر ومستقبل الشعب الفلسطيني كله، وعلى «الأقلية القومية» التي تتجسّد بحقوق هذه الأقلية القومية والاجتماعية.. أفلا يُصبح طرح المشاركة في هذه الانتخابات من عدمها سؤالاً في السياسة الوطنية، وسؤالاً في الحقل الاجتماعي، ناهيكم طبعاً عن سؤال الهوية والحق بالثقافة الوطنية؟
أليس مشروعاً التفكير بأن المشاركة في انتخابات الكنيست الحالية، وفي ظل تزايد وصم إسرائيل بالفصل العنصري من قبل منظمات حقوقية، إسرائيلية ودولية، ذات أهمية وهيبة وسُمعة كبيرة، وذات درجة كبيرة من المصداقية من شأنها أن «تؤثر» سلباً على اتجاه المعركة التي يخوضها المجتمع المدني على مستوى عالمي، وخصوصاً في المراكز الرأسمالية العالمية، في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية ضد إسرائيل وسياساتها العنصرية المتوحّشة، وضد ممارساتها التي تحولت في غضون عقدين من الزمان من «واحة الديمقراطية»، إلى نظامٍ للفصل العنصري المكرَّس، وبكل الأدلة والمؤشرات؟
أقصد، أليست المشاركة في انتخابات الكنيست الحالية من هذه الزاوية، «والحقيقة من زوايا أخرى كثيرة»، يمكن، أو قد تمثل وكأنها «غطاء» تستثمره المؤسسة الصهيونية للظهور بالمظهر «الديمقراطي»، أو محاولة تصوير ما تُوصَم به من قبل المنظمات الحقوقية الدولية، ومن قبل منظمات المجتمع المدني العالمية، وحتى من قبل أعداد متزايدة من المؤسسات الرسمية والأكاديمية في الغرب كله على كونها (أي ما تُوصَم به إسرائيل) مُنحازة أو لا سامية أو غيرها من المُسمّيات، والتصنيفات التي اعتادت إسرائيل على إطلاقها؟
هذا كله من جهة.
أما من جهةٍ أخرى فإن جماهير الداخل ــ كما أرى ــ لم تعد تعلّق نفس الآمال، ولم تعد تراهن، كما كانت في غالبيتها تراهن على تحقيق مكتسبات حقيقية بسبب هذه المشاركة. وهذا كله أمرٌ طبيعي، وهو نابعٌ من جوهر اهتمامات الجمهور العربي الفلسطيني بالمسألة الوطنية ـ القومية، وكذلك بالحقوق الاجتماعية، إضافةً إلى الاهتمام الخاص والجوهري بقضية الهوية.
من يعتقد أن مبدأ المشاركة كان من دون أي جدوى منذ أن بدأت أول مشاركة فهو على خطأ بكل تأكيد، لأن إسرائيل حتى ولو كانت تمثل التجسيد العملي للفكر والممارسة التي تنتمي للمشروع الصهيوني، فإنها ــ أي إسرائيل ــ لم تكن قد وصلت إلى ما وصلت إليه، ولم يكن حتمياً أن تصل إلى ما وصلت إليه، ولم يكن هذا الوصول ليتحقق بمعزلٍ عن «نضج» ظروف موضوعية، وكذلك ظروف ذاتية خاصة، ولا بمعزلٍ عن المدى الزمني الذي تحتاجه كل ظاهرة اجتماعية، والتي لا يمكن أن تتحقق من دون توفُّرِه، وهي ليست هي نفسها إذا كانت خارج هذا المدى الزمني.
وليس صحيحاً أبداً أن عدم المشاركة، في مرحلةٍ معيّنة يعني بالضرورة رفض مبدأ المشاركة في ظروف لاحقة، يمكن أن تشكل وأن تصبح ممكنةً وضرورية ربما.
قد يحتمل الأمر حتى هذه المرّة الدعوة للمشاركة في الانتخابات، وقد تكون هذه الأسئلة ـ التي أراها مشروعة ـ ما زالت قيد التفكير والتأمُّل، وقد يكون «منبر» الكنيست ما زال منبراً قابلاً للاستخدام من قبل الحركة الوطنية في الداخل الفلسطيني لفضح السياسة العنصرية.
كل هذا ممكن، لكن الممكن والضروري، أيضاً، أن تكون هذه الحركة الوطنية قادرة على إقناع الجمهور بها، وقادرة على تحشيده من على أساسها، ومستعدة ـ وهذا هو الأهمّ ـ للاستغناء عنها عند درجةٍ معيّنة من تطور الأحداث والمُعطيات، وعند درجةٍ أخرى من التغيرات، بما في ذلك تحويل كامل السياسة «الديمقراطية» في إسرائيل إلى مجرّد ديكور سياسي شكلي تستخدمه قوى اليمين والعنصرية والفاشية، التي تُحكم قبضتَها على الحكم في إسرائيل، وتتحكّم بكل تلابيب الحياة السياسية فيها، وتدير معركتها ـ اليمين والعنصرية والفاشية ـ للإجهاز على كل ما هو تقدمي من المجتمع الإسرائيلي، وعلى كل من ينادي بالحقوق القومية والاجتماعية لشعبنا في الداخل.
لستُ أنا، ولسنا نحن من خارج الإطار المباشر للحركة الوطنية من يعرف أكثر من هذه الحركة، وهم الأكثر قدرةً على القراءة، وعلى تحديد الأهداف والوسائل، لأن قيادات الداخل، هي قيادات مجرّبة في حنكتها وأصالتها ووطنيتها ولا تحتاج إلى شهادةٍ من أحد، بقدر ما تحتاج إلى الدعم والإسناد والمؤازرة.
ما يمكن قولُه في هذه المرحلة حول كل هذه الأسئلة أن بالإمكان استطلاع رأي الجمهور، والتعرّف على احتياجاته وتقديراته، مخاوفه وهواجسه، وبالإمكان تحشيدُه بأضعاف مضاعفة عندما يتم احترام توجّهاته، وعندما تتمّ مشاورته.
ما أظنّه أن قيادات الداخل تمتلك من الحكمة ما يكفي ويفيض، وهي جديرة بالقيام بكل ما تُمليه عليها المسؤولية، وتمتلك من الدراية والمعرفة ما يُؤهّلها أكثر من أي طرف أو جهة أخرى لتحديد الأهداف، والبحث عن الوسائل، وهي في كل الأحوال ومطلقها موضع ثقة عالية، وافتخار من كل فلسطيني على وجه هذه الأرض.