أشرف العجرمي - النجاح الإخباري - نفذت الحكومة الإسرائيلية قرارها بشأن الالتزام بخط سير مسيرة الأعلام التي يقوم بها اليهود المتطرفون في القدس الشرقية وخاصة في البلدة القديمة، حيث تم تقسيم المسيرة إلى قسمين؛ قسم يأتي من باب الخليل من الجهة الغربية، وقسم يمر من منطقة باب العامود والحي الإسلامي، ومع أن رئيس الحكومة نفتالي بيينت قال إن المسيرة لن تدخل الحرم القدسي، إلا أن مجموعات من اليمين المتطرف تقدر بحوالي ألف عنصر قامت باقتحام الأقصى صباح الأحد الماضي، اليوم الذي شهد تنظيم المسيرة بمناسبة ذكرى احتلال مدينة القدس حسب التقويم العبري. وكان على رأس المقتحمين بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة السابق وزعيم المعارضة، وكذلك العنصري المتطرف إيتمار بن غفير وحاخامات الصهيونية الدينية.
ويمكن القول إن الصهيونية- الدينية قد انتصرت بفرض وجهة نظرها على الحكومة، وإجبارها على الموافقة على مسيرة الأعلام بشكلها الاستفزازي الحالي وبالدخول من باب العامود، وأيضاً باقتحام الأقصى قبل المسيرة، وبالاعتداء على المواطنين الفلسطينيين في القدس، في ظل فرض إغلاق المحلات في البلدة القديمة، وتطويق القدس ومنع المواطنين من الوصول إلى البلدة القديمة والاقتراب من باب العامود. ومن وجهة نظر هؤلاء العنصريين المتطرفين، هناك جدوى سياسية لمثل هذه الفعاليات. فاستطلاعات الرأي تشير إلى ازدياد قوة الصهيونية- الدينية وحصولها على ستة مقاعد بدلاً من الأربعة التي لديها الآن.
غير أن الحكومة ودولة إسرائيل عموماً ظهرت بشكل مأزوم وهزيل في المسيرة، فقد حولت القدس إلى ثكنة عسكرية، وتم إغلاق الطرق المؤدية إلى باب العامود ومنع الفلسطينيون من عبور الحواجز العسكرية التي غطت جميع الشوارع التي تصل إلى البلدة القديمة. وفي الواقع من يشاهد الإجراءات التي اتخذت يصل إلى قناعة بأن إسرائيل لديها شكوك عميقة بوحدة القدس التي تسميها عاصمتها. ولا توجد دولة طبيعية تغلق العاصمة وتنشر آلاف العسكريين من شرطة وحرس حدود ووحدات الجيش النظامي لكي تثبت أنها عاصمة الدولة. حتى أن مسيرة الأعلام ضرب من إثبات شيء ليس موجوداً. ولو أن القدس غير مقسمة لما كانت إسرائيل بحاجة لا للمسيرة ولا للاجراءات الأمنية المشددة. والإصرار على المسيرة كان للتغطية على ضعف الحكومة التي لم تعد تمتلك أي أغلبية في البرلمان وهي آيلة للسقوط، ولكي تثبت أنها قوية وتحافظ على الأمن وحقوق اليهود المزعومة.
عدد ليس قليلاً من الكتاب والمحللين والباحثين الإسرائيليين يقرون أن القدس غير موحدة وأنها مقسمة وفيها جماهير فلسطينية تعيش في ظروف بائسة، ولكنها تقاوم وتفرض معادلات تجعل الحكومات الإسرائيلية تخشى ردود فعلها. والنموذج  قدمه الفلسطينيون خاصة في القدس الشرقية الذين يتصدون لكل محاولات إسرائيل لتغيير الأمر الواقع في الأقصى وتقسيمه زمانياً تمهيداً لتقسيمه مكانياً ثم السيطرة عليه بصورة تامة. وفي هذا السياق قدم المواطنون في القدس أنموذجاً يحتذى في المقاومة. والأمر المهم هنا هو أن القدس وحدت شعبنا في كل أماكن تواجده في الضفة المحتلة وغزة والداخل والشتات، ولكن الإنجاز الأهم هو ما حدث في الميدان مرات عديدة، حيث تم إفشال مخططات سلطات الاحتلال.
نموذج المواجهات في القدس وفي المسجد الأقصى والبلدة القديمة يفتح الباب لتساؤلات مشروعة كبيرة منها: لماذا ننجح في الأمور المتعلقة بالأقصى ونفشل في أماكن أخرى في القدس وفي الضفة الغربية؟. هنا قد يقول قائل بسبب الموضوع الديني وقدسية وحساسية المكان. وهذا صحيح ولكن ماذا مع باقي البلاد التي كلها مقدسة وكلها وطننا. أين قوى الشعب كلها عما يجري في موضوع الاستيطان والاستيلاء على الأرض في كل المناطق المحتلة. في الحقيقة هناك نجاح إسرائيلي وفشل فلسطيني كبير. وتعمل إسرائيل على مدار الساعة في موضوع التهويد والاستيطان، ونحن نرفع شعارات ومطالبات لا حصر لها دون جدوى.
مرت مسيرة القدس هذا العام كما خططت لها إسرائيل، ولم تنجح تهديدات فصائل المقاومة في غزة في ثني إسرائيل عن مخططها. والبعض يرى أن "حماس" على وجه التحديد لم تنفذ تهديداتها بضرب إسرائيل إذا دخلت المسيرة منطقة الأقصى ثم الحي الإسلامي. وفي إسرائيل يعتقدون أن بينيت كان معنياً بعدم الاستجابة لتهديدات الفصائل مهما كلف الثمن. وكان أفضل لو كان خطاب فصائل المقاومة أكثر واقعية حتى لا تسجل على نفسها أنها تراجعت.
نحن بحاجة ماسة لجهد كبير وضخم ومثابر في توسيع نطاق المقاومة الشعبية التي تثبت المرة تلو الأخرى أنها قادرة على إجبار الاحتلال على التراجع وتفعيل الضغط الدولي على إسرائيل، بعيداً عن الخطاب الأقصوي المتشدد الذي لا يتوافق مع الواقع في ظل اختلال موازين القوى. وفكرة المقاومة الشعبية التي تجمع عليها كل الفصائل تحظى بتفهم ودعم دوليين، وهي قادرة على فضح جرائم وعنصرية الاحتلال وتجنيد المجتمع الدولي ضده، والمهم كذلك أنها قادرة على تفتيت المجتمع الإسرائيلي، كما يحدث الآن مع مسيرة الأعلام التي باتت موضع خلاف حول جدواها وطريقة تنفيذها. فماذا لو تحولت إلى مواجهة شعبية شاملة؟