وكالات - هاني عوكل - النجاح الإخباري - بعد أن عملت في مهنة الصحافة لسنوات طويلة، وغطت الأخبار الساخنة وشهدت الاجتياحات الإسرائيلية للمدن والقرى الفلسطينية، ووثقت ونقلت الأخبار عبر شاشة قناة «الجزيرة» بالصوت والصورة، تحوّلت الصحافية البارزة الشهيدة شيرين أبو عاقلة إلى عنوان الخبر وتصدرت الفضاء الإعلامي وكل أنواع المحتوى الإخباري والرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي.
لقد شكلت حادثة استهدافها من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي أثناء تأدية مهامها الصحافية، صدمة ومأساة كبيرة لكافة المتابعين والمناصرين للقضية الفلسطينية، وحتى للدول التي تقف في خندق واحد مع الاحتلال الإسرائيلي وتتستر على جرائمه التي يفلت منها دائماً.
حسب روايات زملاء الصحافية أبو عاقلة، فقد تواجدوا في منطقة لم تشهد تبادلاً لإطلاق النار بين مقاومين فلسطينيين وجنود الاحتلال الإسرائيلي، والأهم أنهم كانوا يرتدون الخوذ والدروع والسترات التي تشير بشكل صريح إلى طبيعة وظيفتهم، وحرصوا على أن يكونوا صوب الجيبات العسكرية وفي مرمى بصر جنود الاحتلال لتأكيد مهنتهم الصحافية.
من قتل الشهيدة أبو عاقلة هو نفسه من استهدف 55 صحافياً منذ العام 2000 لحجب الحقيقة عن الرأي العام المحلي والعربي والدولي، وهو نفسه أيضاً من قتل الوزير زياد أبو عين خلال مسيرة بقرية ترمسعيا في رام الله العام 2014، وهو كذلك من استهدف المناصرة الأميركية راشيل كوري بجرافة داست عليها العام 2003 لمنعها من مناصرة الفلسطينيين في قطاع غزة ضد سياسة ترحيلهم وهدم منازلهم.
لقد كانت الشهيدة شيرين أبو عاقلة شوكة في حلق إسرائيل التي رأت ضرورة في إسكاتها بالاستهداف المباشر، وكم هي المرات الكثيرة التي تعرضت لها لمضايقات جنود الاحتلال من أجل ثنيها عن نقل تفاصيل قتل الفلسطينيين بدم بارد، واقتلاعهم من جذورهم وتدمير وتخريب ممتلكاتهم.
والحق أن الشهيدة كانت نموذجاً يفتخر به للمواطن الفلسطيني الغيور على هويته وأرضه، وكانت حاضرة في كافة ميادين الاحتكاك مع الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك من أكثر الصحافيين التزاماً والتصاقاً بمهنته، حيث وهبت نفسها وكل وقتها لهذه المهنة التي دفعت حياتها من أجل نقل الصورة الحقيقية عن طبيعة إسرائيل العنصرية وجيشها المزعوم.
أبو عاقلة ظلت وستظل قيمة مضافة للقضية الفلسطينية، والحق أنها لم تنسحب من مهنة تحمل معها كما كبيرا من المخاطر والتحديات، خصوصاً في الضفة الغربية التي تواجه كل يوم ممارسات عنصرية واستفزازية من قبل الاحتلال في القدس ومحيطها وفي جنين ونابلس والخليل وغيرها من المدن والقرى الفلسطينية.
يحسب للشهيدة أنها أمينة ووفية لهويتها ومهنتها، وحريصة على استمرارية العمل الصحافي بصرف النظر عن الصعوبات ومعوقات تحركاتها بسبب مضايقات الاحتلال لها وحجباً للحقائق، وكان يمكن لها السفر إلى الولايات المتحدة الأميركية التي تحمل جنسيتها والهروب من ضغوط وتخوفات هذه المهنة، ومع ذلك لم تنسلخ عن هويتها وفضلت البقاء في مسقط رأسها القدس، حيث أكملت مشوار العمل الصحافي.
الآن ثمة غضب عارم في صفوف الفلسطينيين والعرب والحانقين في شاشات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي، والكل يستنكر ويندد باستهداف أبو عاقلة، وكالعادة يجري الحديث عن فتح تحقيق في ظروف وملابسات استشهادها، وكذلك ترغب واشنطن في أن يفتح تحقيق مشترك بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لمعرفة الحقيقة.
فكرة فتح تحقيق هي بحد ذاتها فكرة غبية وساذجة، لأن النتيجة معروفة سلفاً ومرتبطة بأعلى مستوى في الهرم السياسي الإسرائيلي، الذي يعطي الأوامر للجنود والعساكر بفتح النار بشكل مباشر على أي هدف متحرك، ويشمل ذلك بطبيعة الحال الطواقم الصحافية والطبية والعاملين في مؤسسات حقوق الإنسان ومختلف المؤسسات المحلية والدولية.
نماذج كثيرة سبقت الشهيدة أبو عاقلة تدلل على أن إسرائيل فوق القانون ولا تقيم وزناً للمواثيق والأعراف الدولية ولا حتى تخاف الدول الحليفة التي تغض الطرف عن تصرفاتها وطيشها، واليوم يشكل حادث اغتيال المرحومة شيرين تأكيداً لا غبار عليه أن الاحتلال الإسرائيلي يواصل عدوانه على الشعب الفلسطيني دون رقيب أو حسيب، وكأنه يتمتع بحصانة كاملة للإفلات من جرائمه.
ستجد إسرائيل طرقاً كثيرة للإفلات من العقاب، وعلى الأغلب أن تخترع مواجهات جديدة مع الفلسطينيين لإشغالهم عن فضح جريمة استهداف شيرين أبو عاقلة، لكنّ ثمة عاملين رئيسَيْن يخدمان الهدف الفلسطيني للكشف عن الوجه الحقيقي للعنصرية والدموية الإسرائيلية، حتى لا يذهب دم شيرين سدى.
العامل الأول يتصل بوحدة الصف والاجتماع على قلب رجل واحد لمواجهة إسرائيل، والفكاك من الانقسام الداخلي الذي يستنزف كثيراً من وقت وجهد الفلسطينيين على حساب الهدف الأساسي المتمثل بتحصيل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
العامل الثاني يتعلق باستمرارية ملاحقة الجناة المتورطين في استهداف أبو عاقلة على كافة المستويات وفي مختلف المحافل المحلية والإقليمية والدولية، والحديث هنا مرتبط بالجندي الذي قتلها بدم بارد، ومحاسبة أعلى سلطة سياسية في إسرائيل متمثلة برئيس الحكومة نفتالي بينيت.
أبو عاقلة ليست ضحية جندي أطلق سلاحه مباشرة نحوها فقط، إنما هي ضحية الماكينة الرسمية الإسرائيلية المحرضة على قتل الفلسطينيين وسلخهم عن جلودهم وأرضهم.
أبو عاقلة ضحية بينيت والمستويين السياسي والعسكري، وضحية المجتمع الإسرائيلي الذي يتغذى على أكاذيب ساسته وأحزابه ومستوطنيه.