نابلس - أكرم عطا الله - النجاح الإخباري - لا يمكن لمن تابع أسبوعا من التغطية وكتابات الرأي لدى أكثر الصحف رصانة في الولايات المتحدة الأميركية ومعها إسرائيل أيضا إلا أن يلمس الشعور بما يشبه الهزيمة منيت بها القوة الأكبر في العالم بعد عقدين على اجتياح أفغانستان، وهو الذي تم بهدف الوصول لزعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن الذي اغتالته قوة خاصة أميركية قبل عشر سنوات في باكستان.
الوثائق التي نشرت تباعا عن أحداث تلك الفترة والنقاشات التي تلت أكبر مفاجأة في تاريخ الولايات المتحدة عند ضرب أبرز رموزها برجي التجارة رمز الاقتصاد والبنتاغون رمز القوة عكست حجم الفوضى في أروقة المؤسسة الأميركية، فقد باغتتها الضربة ولم تكن تتوقع أن تتعرض لهجوم بهذا المستوى وعدو من هذا النوع لتحقق سيناريوهات الرد بعد فشل الدوائر الأمنية الأميركية قي توقع تهديد كهذا، فقد كان تقرير الأمن القومي الذي صادق عليه الرئيس بيل كلينتون في آخر ولايته صنف التهديدات التي تتوقعها واشنطن ولم يكن في خيال واضعي التقرير شيء بهذا المستوى وهو ما صادق عليه الرئيس بوش بداية ولايته دون أن يضيف مساعدوه جديداً فيما يخص ما تتوقعه دوائر الأمن من أخطار.
أثر الضربة آنذاك بدا كأن المؤسسة فقدت توازنها في ظل وجود رئيس جديد وغير مجرب ظهر ضعفه في ذلك اليوم عندما ظلت طائرته معلقة في السماء عشر ساعات متواصلة وكانت اقتراحات اللحظة تُعرض تحت عصبية وضغط شديدين، ولم يكن هناك متسع للتفكير الهادئ أو حتى لتأجيل البحث في كيفية الرد.
فقد تعرضت الولايات المتحدة لضربة في كبريائها وهيبتها والتأجيل كان يعني إهانة أكبر وخاصة مع رئيس ضعيف وجديد بدت قدرته على القيادة على المحك إلى الدرجة التي اعتبر البعض عدم رده يعني البدء بإجراءات عزله وفي ظل معارضة والده بوش الأب للتأجيل خوفاً على زعامة ابنه.
الوثائق تقول إن ردة الفعل الأولى التي سيطرت على النقاش المرتبك والذي حمل بصمة الثقافة الأميركية ورجل الكاوبوي المطالبة برأس بن لادن المسؤول عن الاعتداء الذي أهان الولايات المتحدة في عقر دارها.
ووضعت سيناريوهات خطف زعيم القاعدة وقد كانت أربعة سيناريوهات منها أن تدفع المخابرات المركزية أموالاً لزعيم قبيلة ليقوم بالمهمة، ولكن التجربة الأميركية تقول إن بعض زعماء القبائل أخذوا أموالاً ولم يوفوا بوعودهم، وبرزت فكرة أن تقوم الاستخبارات الباكستانية بذلك لكن أثار البعض تعاطف الأمن الباكستاني مع بن لادن وطالبان، وكان هناك سيناريو أن تقوم قوات خاصة أميركية بذلك لكن شبح الفشل في تحرير رهائن السفارة في طهران أثناء الثورة الإسلامية سيطر على النقاش، ولا يريد بوش ووالده ومساعدوه أن يغامر رئيس جديد وضعيف تلك المغامرة فهو لا يستطيع تحملها.
تقول الوثائق إن أرئيل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي تطوع للقيام بالمهمة كي ينفذها الموساد صاحب الخبرة الطويلة في الاغتيالات والاختطافات وكان المثال قدرته على خطف ايخمان ومحاكمته في إسرائيل، وقد رفضت الولايات المتحدة هذا الاقتراح خشية من إغضاب العرب وهو ما أثار حفيظة شارون الذي اعتبرها فرصة العمر التي أضاعها تلعثم البيت الأبيض وخوفه ورغبته بأن يبقي إسرائيل بعيدة عن تحالف ضد الإرهاب وحتى لا تغضب دول عربية، فيما علق شارون أن زمن الخوف من العرب انتهى ويبدو أن بوش مازال في الماضي.
لماذا يأتي استعراض هذا النقاش العاصف الآن؟ وهو وثائق تم تجميعها في عدة كتب لشهود المرحلة، أهمية ذلك للقول إن الولايات المتحدة لم تضع في أولوياتها اجتياح أفغانستان كردة فعل، ولم تكن في حالة عداء مع حركة طالبان.
ففي العام 2015 رفض البيت الأبيض في عهد أوباما تصنيف طالبان كمنظمة إرهابية وهو ما أثار حفيظة الجمهوريين، أي أن جريمة طالبان لم تكن باعتبارها الحركة التي ضربت الولايات المتحدة بل إنها رفضت تسليم شخصية مطلوبة أميركياً، وهذا الذي لم يترك خياراً للأميركي سوى الاجتياح. ولكن بعد اغتيال بن لادن هل تبقى لواشنطن سبب لاحتلال بلد لم يشكل هو وقادته أي خطر على الولايات المتحدة؟
التاريخ محشو بالمؤامرات، والسياسة هي وليدة الغرف المغلقة وهي فعل إنساني يعكس أولاً صراع المصالح وتعقيداته وهي ابنة النفس البشرية غير النقية تماماً وخصوصاً أنها في العقود الأخيرة أعطت متسعاً لرجال المخابرات وقادتها ومنحتهم أدواراً سياسية بعد أن كانوا في الظل.
أصيبت السياسة بهوس الأمن بمغامراته ومقامراته وبجرعة أقل كثيراً من أخلاق السياسة كما في الماضي وعصر صراعات الفرسان.
هل تسلمت طالبان أفغانستان بالمقاومة أم بتواطؤ الأميركيين؟ سؤال شغل الناس منذ اللحظة الأولى التي تهاوت فيها الدولة والجيش الأفغاني المدرب بما لا يصدق، وكان الأسهل على العقل البشري استدعاء نظريات المؤامرة لكن التاريخ رغم ما يزخر به من مؤامرات إلا أن هناك أحياناً وقائع تفرضها الأحداث تتجاوز المؤامرات فليس جميعها نجحت أمام الميدان الذي يتحرك باستمرار.
لكن ما يمكن قوله إن الواقع رغم تباين تفسيراته يعكس حقيقة أن حركة طالبان كانت القوة التي لا يمكن تجاوزها سواء بالمقاومة كحالة فرضت نفسها في موازين القوى أمام دولة حققت مصالحها في أفغانستان، أو حتى بنظرية المؤامرة بأنها تسلمت باتفاق.
هذا يعني أن الولايات المتحدة رأت بطالبان القوة التي يمكن أن تتكئ عليها في ظل فشل وعجز وفساد دولة وجيش بدا أنه لا يمكن إقامة دولة مدنية في دولة قبلية، وتلك رواية أخرى تتعلق بثقافة الشعوب ونوع الحكم يمكن روايتها في وقت لاحق...!