نابلس - رجب أبو سرية - النجاح الإخباري - لم يبدد افتتاح السفارة الإسرائيلية في عاصمة دولة الإمارات العربية، أبو ظبي، مؤخراً، غيوم الأزمة الدبلوماسية التي تلوح في الأفق بين «الدولتين»، بل ورغم أن افتتاح السفارة لم يكن سريعاً، بالنظر إلى أن إعلان إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، قد مرّ عليه نحو العام، إلا أن إنجاز مهمة افتتاح السفارة، ربما كان من قبل الجانب الإسرائيلي بالذات، عملاً استباقياً، لمرحلة قد تشهد ظهور الندم الإماراتي الحقيقي والعلني، على إقامة تلك العلاقات بينهما، وبذلك يبدو افتتاح السفارة، محاولة لجعل احتمال التراجع الإماراتي، الذي قد يصل لدرجة قطع العلاقات الدبلوماسية، أو حتى إلغاء اتفاق أبراهام، أمراً بالغ الصعوبة، إن لم يكن مستحيلاً.
لا يبدو أن الأزمة بين البلدين هذه المرة، هي من باب التوقعات أو تكهنات الإعلاميين، الذين عادة ما يبحثون عن المثير في الأخبار، ولا يتمتعون بما يتمتع به السياسيون من خبث وتريث، فإذا كان وزير الخارجية الإسرائيلي، مهندس حكومة التغيير الحالية، والرجل القوي فيها، قد أشرف بنفسه على افتتاح سفارة بلده في أبو ظبي، حتى يقطع الطريق على رد فعل إماراتي قادم، على خطوة إسرائيلية قد تكون سبباً في ذلك، فإن إجراء رئيس الحكومة نفتالي بينيت مكالمة هاتفية مع الحاكم الفعلي للإمارات الشيخ محمد بن زايد، قد تكون لتحقيق الهدف ذاته، والذي من أجله وحسب صحيفة هآرتس الإسرائيلية، سيعقد اجتماع لممثلي ديوان رئيس الوزراء ووزارات الطاقة والخارجية والمالية والبيئة والعدل، يضم مختصين للبحث في الاتفاقية بين إسرائيل والإمارات الخاصة بنقل النفط الخليجي لأوروبا.
من الواضح أن هذا الاجتماع سيكون فنياً، لأن اجتماع الوزراء المسؤولين عن هذه القضية، سيعقب  الاجتماع الفني، لاتخاذ القرار الذي يحدد موقف الحكومة الإسرائيلية من هذه القضية.
سبق أن ظهرت خلافات عكرت جو العلاقات التي بدأت حارة بين الجانبين، في أكثر من مجال، خاصة المجال السياحي، لكن هذه المرة، تبدو إسرائيل بحكومتها بصدد مراجعة واحدة من الاتفاقيات التي كانت حافزاً للإمارات للتقدم نحو عقد اتفاقية أبراهام التي كانت مدخلاً لجر ثلاث دول عربية أخرى نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل، في خرق فاضح لموقف الإجماع العربي، وفق قرارات الجامعة العربية في هذا المجال.
المهم في الموضوع، أن إسرائيل، وبالنظر إلى كل ما عقدته من اتفاقيات سابقة مع أكثر من دولة عربية، كانت تؤكد أنها إلى جانب كونها دولة احتلال عسكري، هي دولة نصب واحتيال سياسي، فهي لا تلتزم بما تعقده من اتفاقيات نصاً وروحاً، وأكثر من ذلك، قبل عقد الاتفاقيات توهم الطرف الآخر بالأحلام الوردية، التي سرعان ما تتبدد، وتظهر أن إسرائيل في السياسة، كما لو كانت تاجر عقارات أو أي رجل أعمال يدخل مزاداً علنياً، ما أن ينتزع التوقيع من الآخر، حتى يظهر على حقيقته كمستثمر وحيد للاتفاق، ولا يتصرف كشريك فيه.
حدث هذا بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد مع مصر، حين جرت إسرائيل مصر لمفاوضات قضائية دولية استمرت عشر سنوات حول طابا، وبعد أن عقدت اتفاقية وادي عربة مع الأردن، حيث ما زالت تحتكر مياه طبريا ووادي الأردن، وتحرم البلد العربي مما يحتاجه من مياه، هو بأمس الحاجة لها، أما الاتفاق الأهم الذي تنصلت منه إسرائيل، فهو اتفاقها مع الجانب الفلسطيني، حيث لم تلتزم مطلقاً بالتنفيذ المتدرج للاتفاق، والذي كان ينص على إنهاء الاحتلال خلال مدة أقصاها خمس سنوات، بالتوصل للحل النهائي، وتوقفت إسرائيل عند حدود الشق المرحلي منه، بل تراجعت عنه منذ العام 2002.
أما ما يخص اتفاقية إسرائيل مع الإمارات، فإنها سعت منذ البداية لإيهام الإماراتيين بتحقيق هدفين أساسيين، وهما: حماية أمن الدولة الخليجية من الجار الإيراني، وهذا بالقطع لم ولن يتحقق، حتى فيما يخص منع إيران من امتلاك القنبلة النووية، وهذه الغاية هي مصلحة إسرائيلية أكثر منها إماراتية، بل إنها لن تدخل لا حرباً مع إيران من أجل تحرير الجزر الإماراتية الثلاث، ولا من أجل حماية شواطئ الدولة الخليجية، ولا أرضها أو أجوائها، وهي التي تحتاج القوة الأميركية لتدخل في حرب مع إيران بالنيابة عنها، كما فعلت عامي 1991، 2003 في العراق.
والثاني هو فتح الآفاق للاستثمار الاقتصادي الإماراتي، من خلال المشاريع المشتركة ومنها هذه الاتفاقية المشار إليها، والتي تقوم اليوم الحكومة الإسرائيلية بمراجعتها، فضلاً عن تضاد في المصالح والمواقف العديدة بين الدولتين، إن كان في بحر العرب، أو خليج عدن، أو حتى في شرق إفريقيا وغيرها من المناطق التي تشهد تدخلاً ثنائياً بينهما في أكثر من مكان.
وفيما الحال على الجانب الآخر من الاتفاقيات، وهو الجانب العربي مستقر، بما يعني الاستقرار على موقف الالتزام بالاتفاقيات روحاً ونصاً، فإن الجانب الإسرائيلي يجد في تغير الحكومات، وتبدل الأحزاب والكتل البرلمانية الحاكمة، مدخلاً للتراجع عن الاتفاقيات دون إلغائها، أي التراجع عما كانت تتضمنه من بنود لصالح الطرف العربي، والإبقاء على البنود التي تنص على المصلحة الإسرائيلية، والمثال الأوضح هنا، اتفاقية أوسلو، حيث تنصل الليكود من جوهرها، منذ العام 1996، فيما المثال الأخير يذهب بنفس الاتجاه، فاتفاقية أبراهام، دمغت باسم بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب، لذلك فإن كلاً من جو بايدن ونفتالي بينت -  يائير لابيد، لا يجدون أنفسهم ملزمين بها، أو متحمسين لها بنفس القدر الذي كان عليه الموقعون عليها.
قد لا تصل الأمور فيما يخص هذه المسألة للموقف الحاسم المتمثل بقطع العلاقات أو إلغاء الاتفاقية، لكن في ذلك درس لمن عقد الاتفاقيات ولم ينصت لنا حين قدمنا النصيحة الصادقة، ولم يتعظ بمن سبقه، ممن فتحوا مكاتب التنسيق بعد اتفاق أوسلو في كل من الدوحة والرباط وتونس، وهي دول لا تربطها بإسرائيل حدود الجوار كما هو حال الأردن ومصر وفلسطين، وهي بذلك ليست مضطرة لتطبيع العلاقة مع دولة محتالة دبلوماسياً، فضلاً عن كونها دولة مكروهة عربياً وإسلامياً وحتى عالمياً على المستوى الشعبي، لكن على ما يبدو فإن ما أظهرته الإمارات كدولة من التزام بالاتفاق، وما يظهره بعض الإماراتيين من «حماس» زائد تجاه إسرائيل، سيفتر وسيتراجع كثيراً، وفي ذلك عبرة لمن يعتبر، أما نحن الفلسطينيين، فنحن أدرى الناس بطبيعة و»أخلاق» الإسرائيليين، ونقول كلمة واحدة أخيرة، إن من يسرق أحداً من الناس لن يتورع عن سرقة كل الناس، ومن لا يحترم القانون الدولي، لن يحترم أي اتفاق، ومن يحتل أرض شعب آخر، لن يتورع عن احتلال أرض الآخرين، ولا عن سرقة ثرواتهم بأي شكل وبكل طريقة.