نابلس - النجاح الإخباري - لا أقلل من أهمية النضال باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي، بل بالعكس، أعتقد أنه شكل مشروع ومهم ومؤثر في صراعنا الحضاري والسياسي، وهو أحد الأساليب الفعالة في هذا العالم الجديد، المعتمد بشكل كلي على شبكة الإنترنت.. كل «بوست» مؤثر، وكل «هاشتاغ»، وكل صورة، وتعليق، ومشاركة.. هذا العالم الافتراضي جعل من كل مواطن مراسلاً صحافياً، ما زاد من قوة وفعالية الإعلام.. والإعلام على مدى التاريخ وفي كل الحروب أحد أقوى الأسلحة وأشدها تأثيراً.. عدونا يدرك ذلك، وربما هو سابقنا في هذا المجال، ولا يدخر من جهده شيئاً من أجل توظيفه في حروبه.
لا أوافق على المقولات النمطية والتوصيفات الجاهزة، التي تريد حرمان أي شخص من خارج ميدان المعركة (أي من هم خارج فلسطين، وفي دول الشتات) من التعبير عن آرائهم، والمشاركة المعنوية في النضال، بحجة أنهم في غرف مكيفة، وغير معرضين للخطر، ويزايدون على من هم تحت الضرب، هذه تصنيفات غير مقبولة، خاصة أن أغلبية هؤلاء يكتبون بشكل واعٍ ومسؤول، وهم متشوقون لتقديم أي شيء، وفوق ذلك هم مؤثرون في بلدانهم وأماكن تواجدهم.
النضال الوطني والمشاركة في المعركة لها ألف شكل ولون، ومن الخطأ حصرها في قالب واحد، والاعتقاد أن الصواريخ، أو الاشتباكات المسلحة، أو المواجهات على خطوط التماس هي الشكل الحقيقي للنضال.. هذا خطأ يجب أن يتوقف.. فليس في مقدور كل شخص أن يكون مقاتلاً، وهذا أصلاً ليس هو المطلوب.. أحياناً يكون المنشور أو التعليق أو المشاركة في تظاهرة شعبية هي الوسيلة الوحيدة الممكنة، على الأقل كشكل من المشاركة المعنوية والوجدانية، والتعبير عن التضامن.
الآن، في خضم العدوان على غزة، زاد الإقبال على شبكات التواصل الاجتماعي بشكل غير مسبوق، وبكثافة عالية، والموضوع المطروح الوحيد تقريباً هو ما يجري في فلسطين، هذا ممتاز، ولكن مع هذه المشاركات الكبيرة لا بد أن تظهر أخطاء كثيرة، وبعضها أخطاء قاتلة.. فالمواطن العادي البسيط وحتى المتعلم والمثقف غير متخصص في الإعلام، ولا يعرف الكثير عن مدونة السلوك الأخلاقي والقواعد المهنية التي تحكم عمل الصحافة، لذا تجد الكثير من الأخبار غير الصحيحة، والصور الزائفة، وهذا مضر.
لتفادي الأخطاء، وحتى تكون المشاركة في شبكات التواصل الاجتماعي مجدية، وفي الاتجاه الصحيح، سأقتبس بعض ما كتبه الإعلامي المختص الصديق عماد الأصفر:
استخدم الهاشتاغ بتعقل بعد الاستماع إلى رأي الخبراء في هذا المجال، لا تشارك أي بوست لا يفيد فلسطين وقضيتها. توقف عن الانتقاد والتلاوم والشخصنة، ولا تكتب عن الآخرين ما لا تستطيع قوله لهم وجاهياً. راقب خطابك واجعله خالياً من أي تعبيرات عنصرية أو خطاب كراهية، وتجنب حرف الأنظار بأي اتجاه مهما كان، وابتعد عن المشاعر والدعوات الفئوية والمناطقية مهما بدت لك مبررة. ودائماً يجب إرجاع القصة والقضية إلى أصلها وجوهرها وهو الاحتلال الإسرائيلي.
انتقاد الأنظمة يجب ألا يسيء لشعوبها أو رموزها الوطنية كالعلم مثلاً، وتذكر أن الشعوب العربية وشعوب العالم معنا، وقد خرجت في مسيرات حاشدة تضامنية.. وهناك الكثير من المتضامنين والمؤيدين العرب والأجانب من رياضيين وفنانين ومشاهير.
ومع تصاعد الأحداث وسقوط الشهداء والضحايا يرغب الجميع في التعبير عن عواطفهم ومشاعرهم الداخلية، وهذا طبيعي ومشروع، لكن، للأسف، معظم التعليقات والمشاركات انفعالية وعاطفية، ونحن للأسف ما زلنا نحتكم للعواطف وتأسرنا الانفعالات وردود الأفعال الآنية، لدرجة يغيب فيها العقل، ويخفت صوت المنطق والتحليل الموضوعي.. وحتى بعض المثقفين وخبراء الإعلام والمحللين الإستراتيجيين يقعون في الخطأ ذاته، وبعضهم تجدهم في مثل هذه اللحظات، يجبنون، ويغيّبون عقولهم، ويخضعون لدكتاتورية الرأي العام، ويقولون فقط ما يرضي الجمهور، وما يفرحهم.. وبعضهم يستغل مثل هذه الظروف لركوب الموجة، وكسب التأييد الشعبي واللايكات بخطاب شعبوي ساذج وانفعالي.. والأخطر أولئك الذي يستغلون الفرصة لتصيّد الأخطاء، وتصفية حساباتهم الحزبية والفئوية.
أهم شيء في هذه المرحلة هو توحيد وتمتين الجبهة الداخلية ورص الصفوف، وعدم تشتيت الجهد، وهذا يعني الكف عن توجيه الاتهامات والتخوين والتشكيك، وأي تصرف أو قول يؤدي إلى صرف الأنظار عن العدو المركزي، وتسليط الضوء على جرائمه هو تصرف مشبوه، ومرفوض.  
من هم في غزة الآن، وتحت القصف، ويعيشون ظروفاً رهيبة ومخيفة، ولا يسمعون سوى دوي الانفجارات، وأزيز الطائرات، وبكاء الأطفال، هؤلاء لهم الحق في كل ما يقولون، لهم الحق أن يشتموا، وأن يغضبوا، وأن يصرخوا بأعلى صوتهم، ومن المخجل أن نطالبهم بالتروي والحكمة.. هؤلاء ليس لديهم مثل هذا الترف.. هم محقون في عتبهم علينا، وفي التعبير عن شعورهم بالخذلان، والتعبير عن خوفهم، وعن ضعفهم الإنساني. ومن الخطيئة أن نظل مصرين على حشرهم في تلك الصورة النمطية «الظالمة» التي تظهرهم أبطالاً خارقين لا يخافون الموت ولا يأبهون للدمار.. هم بشر عاديون، ينزعجون من طنين البعوض، فكيف لا يخافون القنابل الارتجاجية شأنهم شأن أي كائن طبيعي؟ والخوف يختلف كلياً عن الجُبن.
منشورات عديدة كانت تأتي من غزة، تعبر عن خوفها من قصف الطائرات والمدفعيات الإسرائيلية، خاصة في أعقاب كل رشقة صواريخ تتجه إلى إسرائيل. سأقتبس ما كتبته الصديقة المحامية فاطمة عاشور من سكان غزة: «كل حروف وكلمات اللغة العربية لا يمكن تقدر تعبّر أو تصف حالة الخوف والترقب التي يعيشها 2 مليون مواطن في قطاع غزة من احتمالية الضرب الليلي الوحشي البربري التي نعيشها، كل يوم أصعب من الثاني». «الليل صار كابوساً مرعباً». «بالنسبة لبعض المثقفين من خارج فلسطين وأيضاً من داخل فلسطين، الذين في كل لحظة يكتبون بوستات فرح بالصواريخ المنطلقة من غزة، وأنهم يقفون لعدّها.. معلش رجاء ممكن تعدوا الصواريخ التي تنهال على غزة أيضاً! ممكن تحترموا مشاعرنا شوية وتخبوا فرحكم الغامر أو تلغوا أصدقاءكم الافتراضين من غزة، وبعدها هللوا وصفقوا براحتكم». «للمرة المليون، اللي بعد العصي غير اللي بياكلها». «تعالوا عِدوا الصواريخ اللي طالعة من غزة من هنا معانا، مش وأنت صاحي من نومك الهني وبتشرب أميركان كافي».
تحية إجلال وإكبار إلى شعبنا الفلسطيني في الوطن وخارجه، وإلى الشعوب العربية وأحرار العالم مَن وقفوا إلى جانب الحق والعدالة، وضد الظلم والطغيان.

الكاتب:

عماد الدين حسين