نابلس - صادق الشافعي - النجاح الإخباري - الآن، وقد أقفل باب تسجيل الناخبين وعلى نسبة استثنائية في علوها تخطت 90%، وأصبحت الانتخابات التشريعية أمراً مؤكداً لجهة الإرادة والقرار الفلسطينيَّين، لم يبق سوى التأكيد على ضمان نزاهة الانتخابات وديمقراطيتها في جميع مراحلها من الترشيح والقوائم والدعاية الانتخابية، إلى التصويت وفرز الأصوات وإعلان النتائج، والتأكيد على أمنها، وعلى تسليم الكل بنتائجها والانصياع لأحكامها.
بعد ذلك، يصبح ممكناً تسجيل عدد من الملاحظات الأساسية:
الملاحظة الأولى: منذ أن تم اتفاق التنظيمات الفلسطينية على إجراء الانتخابات، قبل أن يسبق ذلك، أي حديث جدي، ولا نقول اتفاق، عن الانقسام والخروج منه واستعادة الوحدة، أصبح واضحاً أن هناك توافقاً ضمنياً بين القوى الرئيسية على الأقل، وأن هذا الحديث مؤجل إلى ما بعد الانتخابات التشريعية على الأقل، وربما لما بعد «الرئاسية».
ومن الطبيعي التقدير/ الشك أن وراء هذا التوافق مراهنة، من كلا الطرفين على الأقل، أن تأتي نتائج «التشريعية» لصالحه بما يعطيه اليد الطولى والأفضلية في صياغة الاتفاق المطلوب وبنوده التفصيلية، خصوصاً أن عناوين أساسية من الاتفاق المطلوب يصبح بالإمكان أخذها إلى المجلس التشريعي والاستفادة من إمكانية توفير الأغلبية لإقرارها.
الملاحظة الثانية: هناك تجنب مقصود للتطرق إلى الأساس السياسي الذي تقوم عليه الانتخابات التشريعية بأي درجة وبأي حدود.
والمقصود هنا بوضوح أساس اتفاق أوسلو والخط السياسي العام الذي بني عليه بتفاصيله وعناوينه المختلفة، وبالذات لجهة المسار التفاوضي السلمي وحدوده ووسائله وشروطه.
وإذا كان مثل هذا الموقف مفهوماً من قبل أهل السلطة وقواها كونه الخط المعتمد لديها، فإنه يثير التساؤل والالتباس بالنسبة لقوى أخرى بالذات حركة «حماس»، التي يقوم خطها السياسي على رفض ومناهضة هذا الأساس (اتفاق أوسلو) بأسسه وتفاصيله وتعبيراته ومشاريعه.
القوى الدولية لا تتجنب هذا الأساس ولا تتجاهله، ولا تنتظر الانتخابات التشريعية ونتائجها للحديث حوله، بل تطرحه منذ الآن وتصل به إلى درجة الاشتراط المسبق بضرورة إعلانه وتبنيه من قبل أي قيادة سياسية قادمة.
أوضح وأهم المواقف في هذا الصدد هو الموقف الأميركي، كما جاء على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية، الذي اشترط على الجانب الفلسطيني بشكل عام الاعتراف المسبق بدولة الاحتلال والالتزام بالاتفاقات معها، وقبول التعامل والتفاوض معها، ونبذ العنف و... و... و...
الملاحظة الثالثة: هناك حديث كثير ومتشعب، من أكثر من جهة، وأكثر من خلفية، ولأكثر من هدف، حول حركة «فتح» بشكل خاص وشكل خوضها للانتخابات، وبالتحديد لجهة خوضها في قائمة واحدة وموحدة، أو في أكثر من قائمة متنافسة.
وأيضاً حول احتمالات وإمكانيات توفير القناعة بالقائمة المركزية لدى غالبية الأعضاء.
وتصل الأمور حد المراهنات على عدم قدرة حركة «فتح» على تحقيق الأغلبية في المجلس التشريعي، بما يعنيه ذلك من خسارتها لموقع القيادة في السلطة الوطنية، وانتقال ذلك إلى حركة «حماس»، ونتائج تفصيلية كثيرة غير ذلك.
هذا الحديث ومراهناته يستذكر تجربة آخر انتخابات تشريعية 2006 وأداء حركة «فتح» غير الموحد تماماً فيها، ما أدى إلى تراجع نتائجها فيها وفقدانها للموقع الأول صاحب الأغلبية. هذه لن تكون المرة الأولى التي تواجه فيها حركة «فتح» في تاريخها مثل هذه الحالة.
وغالباً ما كانت تنجح في الخروج منها والتغلب عليها، محافظة على وحدتها ووحدة أدائها. إن النجاح في الخروج من مثل هذه الحالة ظل يعتمد دائماً على معادلة:
- سعة صدر ومرونة من الهيئات القيادية، أساسهما الحفاظ على وحدة الحركة وهيئاتها وتمثيلها. والاستعداد في نفس الوقت لتجاوب تلك الهيئات مع مطالب وأسباب جمهرة الأعضاء التي تمتلك درجة مقبولة من المنطق ومن الصحة، وهي قائمة وموجودة فعلاً. وبالذات إذا جاءت المطالب والأسباب من رمز قيادي وله حضور وتاريخ نضالي معروف.
- الاعتماد والمراهنة على إخلاص أعضاء وجماهير «فتح» لحركتهم، والثقة بتمسكهم بالانتماء لها والنضال في صفوفها، والعمل المخلص لتحقيق أهدافها الوطنية والالتزام بسياساتها ومواقفها.
- يضاف إلى ما تقدم في التعامل مع الحالة الراهنة، ضرورة امتلاك درجة عالية من الواقعية وفي قراءة توازنات القوى على حقيقتها، والاستجابة لبعض الضرورات التي تفرضها.
الملاحظة الرابعة: إن خوض معظم القوى الأخرى غير «فتح» و»حماس» الانتخابات كل بمفرده، يحمل احتمالاً عالياً بخروج كل منها بنتائج متواضعة جداً وكاشفة لحجمها وحجم حضورها وقبولها لدى الناس (الناخبين)، وبعضها قد لا يتخطى نسبة الحسم.
لذلك، فإنه من الأفضل لها أن تجمع قواها وحضورها في قائمة موحدة لتضمن وصولها إلى المجلس التشريعي، وتضمن لنفسها حضوراً وتأثيراً كطرف ثالث فيه وفيما يخرج عنه.
ويبقى الأهم: حصول الانتخابات كاستحقاق واجب لأهل الوطن... على ديمقراطيتها من ألفها إلى يائها وبكل مراحلها وتفاصيلها... وسلمها وأمانها... وقبول وتسليم وانصياع الكل لنتائجها.
 

نقلا عن جريدة الأيام