عمر حلمي الغول - النجاح الإخباري - كلما تنفس الشعب بعض الأمل، وحاول الخروج من نفق الظلام وانسداد الأفق، أعادتنا حركة حماس لمربع التشاؤم والإنغلاق. بعد انفضاض اجتماع القاهرة يومي 8 و9 شباط/ فبراير الحالي، وصدور البيان الختامي، الذي فتح نافذة صغيرة للتفاؤل، كونه راكم خطوة جديدة على مخرجات اجتماع الرئيس محمود عباس مع الأمناء العامين في الثالث من ايلول/ سبتمبر 2020، عادت قيادة الانقلاب في محافظات الجنوب يوم الأربعاء الماضي بإصدار فتوى وقرار قضائي، ممن يغتصب مسمى رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في حكومة الانقلاب، حسن الجوجو دون وجه حق بفرض قيود على سفر النساء، كما ورد في النقطة الرابعة، وجاء فيها: "يمنع سفر الأنثى غير المتزوجة بكرا كانت أو ثيبا دون الحصول على إذن من وليها العاصب، ولوليها أن يمنعها من السفر إذا كان في سفرها ضرر أو وجدت دعوى قضائية بينهما تسلتزم المنع من السفر، على أن تتبع الإجراءات المنصوص عليها في التعميم القضائي رقم 1/2021 الصادر بتاريخ 30/1/2020".

وهذا القرار فيه خروج فاضح، وإصرار على التناقض، والانقلاب على النظام الأساسي (الدستور)، وعلى ميثاق حقوق الإنسان الدولي، وعلى المواثيق والأعراف الدولية  كافة المرتبطة بالأمر، وتكريس لسيطرة عهد الظلامية، وعدم الالتزام بالمساواة بين الرجل والمرأة، وما تضمنته وثيقة الإستقلال بشكل واضح بشأن الحقوق المدنية، وتكبيل وخنق الحريات الخاصة والعامة، وتهديد لخيار الديمقراطية في المجتمع الفلسطيني.

حتى محاولة الجوجو لتبرير قراره، والادعاء بأنه سيعيد النظر فيه، ليست أكثر من محاولة التفاف على الرأي العام الفلسطيني، وشكل من أشكال المناورة المكشوفة، لأن الأمر لا يحتاج لإعادة نظر، إنما يحتاج إلى إلغاء كامل وكلي، ووقف انتهاك الحريات وحقوق الإنسان، والالتزام بالنظام الأساسي، لأنه الناظم لحقوق المواطنين الفلسطينيين، والمرجعية الأساس للعقد الاجتماعي الفلسطيني، وللعلاقة بين الحاكم والمحكوم. آن أوان الكف عن سحق واغتصاب حقوق الإنسان الفلسطيني، واحترام القانون العام، وصيانة مكانة ودور وحقوق المرأة الفلسطينية، التي جرى انتهاك أبسط حقوقها القانونية والاجتماعية والسياسية.

يعلم الجميع أن القانون والنظام الأساس لا يسمح لأي مواطن بالسفر رجلا كان أو امرأة ثيبا أم بكرا من السفر إذا كانت هناك قضية مرفوعة ضده أمام المحاكم المختلفة، أو متهما بارتكاب جرم ما، أو هناك دعوى قضائية ضده لسبب من الأسباب. ولكن حصر الأمر بالمرأة، ومواصلة استمراء المنطق القبلي والعشائري، والنظام الأبوي البطريركي الظلامي فهذا مرفوض، ولا يجوز أن يبقى سيفا على رقاب الماجدات الفلسطينيات، اللواتي حملن راية الثورة، وشاركن في كل معاركها، ودفعن ثمنا، وما زلن يدفعن ثمنا باهضا من الدم والعرق والاعتقال والمسؤوليات داخل الأسرة وفي نطاق المجتمع الأوسع، وفي مواجهة الاستعمار الإسرائيلي.

ومرة أخرى يثار السؤال، على أي أساس ستبقى المرأة أسيرة الأجندات الظلامية، ونحن جميعا نتحدث عن ضرورة تعزيز مكانتها في المراكز والمواقع الحكومية والبرلمانية والسياسية والدبلوماسية والقضائية والاقتصادية والثقافية والحزبية؟ ولماذا هذا السيف مرفوع على رقبتها وحدها؟ ولماذا، وعلى أي أساس تحرم من أبسط حقوقها في التنقل داخل وخارج حدود الوطن؟ وأين المصلحة في انتهاك حقوقها؟ سأفترض قام مدعِ من ذوي امرأة ما بمنع سفرها بشكل كيدي، وقد تكون وزيرة أو عضو برلمان أو في أحد المواقع المسؤولة، هل يجوز وقف مهمتها الوظيفية بذريعة أنها أنثى؟

المسؤولية الوطنية والاجتماعية والأخلاقية والحقوقية تملي على الجميع في كل محافظات الوطن وخاصة في محافظات قطاع غزة، وحيث الانقلاب على الشرعية، التوقف كليا عن أية خطوات أو إجراءات أو انتهاكات تتعلق بالمرأة أو الرجل، وهذا ما أكد عليه البيان الختامي لاجتماع القاهرة في مساء التاسع من شباط الحالي، والعمل بكل الوسائل لتوسيع وتعميق دائرة الأمل لإنجاح الانتخابات، ونزع كل الألغام من طريق المصالحة وحرية الرأي والتعبير، والعملية الديمقراطية برمتها، وصون حقوق المرأة كاملة غير منقوصة لمراكمة الإيجابيات في الشارع الفلسطيني، وفتح الأفق لإعادة الاعتبار للنظام السياسي التعددي الديمقراطي.

 

عن الحياة الجديدة