عبد المجيد سويلم - النجاح الإخباري - على مدار شهور طويلة، توقع بعض التقديرات أن تأتي لحظة سياسية يصبح فيها حزب الليكود أمام الاختيار بين "التضحية" بنتنياهو أو التضحية بدوره ومكانته السياسية، وصولاً إلى تدهور هذه المكانة وهذا الدور.

وكانت هذه التوقعات تبدو بالنسبة للكثيرين بعيدة عن الحقيقة، وربما رغائبية، وكانت هذه التوقعات توصف، أو بالأحرى "توصم" باليسارية، وبأحلام وأوهام من هذا القبيل.

لكن الحقيقة أن هذه التوقعات كانت وما زالت أقرب إلى الموضوعية، خصوصاً أن أصحابها والقائمين عليها ليسوا من اتجاه سياسي أو فكري واحد، وهي (أي التوقعات) لم تكن إسرائيلية فقط، أو فلسطينية، بل إن معظم المراقبين المتابعين من خارج كل هذا النطاق كانوا ينبهون ويحذرون ويؤكدونها أيضاً.

وعندما يصل القيادي المخضرم ساعر لهذه النتيجة، ويعبر صراحة وبكل وضوح عن هذه القناعة وهذا الاستخلاص، المبني على تجربة حية فإن الأمور تكون قد خرجت من دائرة الشك والتوقعات ودخلت إلى حيز الواقع واليقين.

اختار ساعر الانشقاق. واختار الليكود ـ حتى الآن ـ نتنياهو مهما كلف الثمن.

الذي أراه أن الليكود مقدم على هزّة أخرى أكبر من هزّة ساعر، حتى وإن أخذت مساراً أقل صخباً من الصخب الذي أحدثه انشقاق ساعر ولكن ليس أقل تأثيراً أبداً.

أمام الليكود فرصة واحدة ووحيدة وهي الرضوخ الكامل وغير المنقوص لكل شروط غانتس حول الميزانية، وحول تسميات المناصب الحساسة، وحول "إلزامية" تداول مقعد رئيس الوزراء.

دون هذا الرضوخ الكامل لا توجد فرصة أمام الليكود، وأمام نتنياهو بالبقاء ممسكاً باللعبة السياسية مؤقتاً، والإبقاء على هذه الحكومة، كحكومة ضعيفة ومعزولة سياسياً على الصعيد الداخلي، وأضعف من أن تناور مطولاً في مواجهة الساكن الجديد للبيت الأبيض، بالرغم من صخب "الفرجة" الذي يرافق "إنجازات" التطبيع.

هذا الحل في الواقع هو حل ترقيعي لا يُغني ولا يُسمن من جوع لسبب بسيط، وهو أنه لا يضمن لنتنياهو التملص "الآمن" من المحاكمات، هذا من جهة، ولا يضمن بقاء الحكومة صامدة وثابتة أمام اقتراحات متوقعة لحجب الثقة عنها في أي لحظة قادمة.

هذا كله طبعاً لو أن غانتس قبل بالرضوخ الجديد، ولجأ إلى خيار الإبقاء عليها طمعاً وأملاً بأن يصل في يوم من الأيام إلى كرسي رئاسة الوزراء.
صحيح أن التجربة تقول إن غانتس يهيم حباً بهذا الكرسي، ولكن الصحيح بالمقابل أن الوصول إليه ليس مضموناً أبداً، إذاً يجمع كل المراقبين من حلفاء وأصدقاء وخصوم وأعداء نتنياهو، على أن لا أحد في هذا العالم يستطيع تأكيد استجابة حزب الليكود، وكذلك نتنياهو، والالتزام بأي اتفاق من أي نوع كان، سواء كان هذا الاتفاق هو الاتفاق القديم أو جرى تجديده وفق المعطيات الجديدة.

لكن ماذا لو أن الأمور انتهت إلى حل الكنيست، وذهبت إسرائيل إلى الانتخابات الرابعة خلال عامين فقط؟ ما الذي يمكن أن يتغيّر، وكيف سيؤثر انشقاق ساعر على المشهد السياسي، وكيف سيكون عليه حال حزب الليكود في مثل هذا الواقع آنذاك؟

في هذه الحالة سيهتز الليكود، ولا أستغرب أبداً أن يتشظى، لأن الانشقاق الفوري والمباشر لأعضاء بارزين من الليكود والاصطفاف إلى جانب ساعر قد يكون متعذراً اليوم، ولكنه يمكن أن يصبح ممكناً ومتاحاً من هنا وحتى الموعد المرتقب لإجراء الانتخابات الرابعة، هذا كله من جهة، أما من جهة أخرى فإن تصويت قطاعات معينة من الليكود لساعر في ذلك الوقت سيزداد احتماله بصورة كبيرة.

والسبب الذي يعرفه الجميع لهذه الإمكانية، هو أن نتنياهو ما زال قادراً على البطش بكل من تسول له نفسه الانضمام المباشر، أو "الضمني" لساعر في اللحظة الحالية، في حين أن نتنياهو سيكون أقل قدرة على هذا البطش في حينه، خصوصاً إذا تأكد للقيادات الليكودية التي تتحين فرصة الإفلات من قبضته أن الإفلات من المحاكمات بات متعذراً.

ليس هذا فقط وإنما أيضاً، إن انشقاق ساعر قد فتح موضوعياً إمكانية قيام تحالف يميني يميني جديد، ليس على رأسه نتنياهو، وربما ليس من بينه أيضاً، وإن مثل هذا التحالف أصبح له "رأس" جديد، يميني مثابر، ولا يقل يمينية عن نتنياهو، لكن لديه بعض النزعات الليبرالية، ولديه القدرة على جذب المزيد من القيادات الليكودية، وعلى استقطاب قطاعات معينة من الليكود للتصويت لصالح ساعر، ولصالح التحالف الذي يمكن أن يُبنى تحت قيادته.
في هذه الحالة يمكن لساعر أن "يسترضي" نفتالي بنيت، وأن يتفاهم مع ليبرمان، وقد تصل الأمور إلى تأمين شبكة حماية من الوسط أو حتى المشاركة معه من قبل لبيد وغانتس ـ إذا ما انتهت الأمور بالذهاب إلى الانتخابات ـ دون أن يكون ساعر مجبراً على التحالف مع "شاس" أو "يهودت هتوراه".

وحتى لو أن هذا الأمر كان صعباً وينطوي على مخاطر معينة فإن بإمكان ساعر أن يستغني عن ليبرمان، ويعقد الصفقة المناسبة بمشاركة شاس وهتوراه ويجبر الليكود على التخلي عن نتنياهو أو أن يواجه مصيره بنفسه، وأن تكون مكانته ودوره في مهبّ الريح.

في مطلق الأحوال فإن حزب الليكود يواجه لحظة سياسية عصيبة، وأغلب الظن أنه قد استنفد كل الإمكانيات بأن يحتفظ بنتنياهو على رأس حكومة قادمة في إسرائيل، وأن يظل الليكود في موقع القيادة والريادة لجبهة اليمين في إسرائيل.

صحيح أن ساعر مثله مثل نتنياهو، لن "يشيل الزير من البير"، وصحيح أن أزمة إسرائيل السياسية والحزبية فيها أعمق وأخطر كثيراً من التغيرات المشهدية للواقع الداخلي فيها، لكن ترقيع الحالة السياسية أصبح المتاح الوحيد لأن اليمين الاستيطاني المتطرف يتوثب للقفز على الطاولة لالتهام كل ما عليها وليس انتظار ما يُعرض عليه من حصص.