حسن البطل - النجاح الإخباري - مسبقاً، تحسبت السلطة الفلسطينية أن تنال بعض فصائلها أضرار جانبية محتملة، على انضمام فلسطين الى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ٢٠١٤، رئيس السلطة اشترط موافقة موقعة من كل الفصائل، «الجهاد» وحدها تحفظت ولم توقع، في المقابل، فإسرائيل وقعت ولم تبرم.

أخيراً، وبعد مراكمة وقائع وشكاوى ودعاوى فلسطينية، على مدى خمس سنوات، أعلنت المدعية العامة لمحكمة الجنايات الدولية، في لاهاي، انها ستفتح تحقيقاً شاملاً في جرائم حرب محكمة في الأراضي الفلسطينية.

ارتدادات هزة المدعية العامة للمحكمة، فاتو بنسودا، في اسرائيل كانت عصبية، حتى ان قناة اسرائيلية توقعت ان يثير التحقيق الدولي هذا، أهم معركة قانونية دولية بشأن القضية الفلسطينية، بينما قالت صحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة من الحكومة ان من بين خيارات الرد المتداولة هو صدّ محققي المحكمة عن دخول الأراضي الفلسطينية.

ان فعلت إسرائيل هذا، ستكرر غلطتها بمقاطعة بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق، حول جرائم حرب اقترفها الجيش الإسرائيلي عام ٢٠٠٨ التي أسفرت عن ١٤٠٠ ضحية فلسطينية مقابل ١٣ إسرائيلية.

عندما صدر تقرير لجنة القاضي ريتشارد غولدستون، بعد عام تقريباً من الحرب، أنحى التقرير باللائمة على إسرائيل لمخالفتها الفصل الثالث عشر من القانون الدولي الإنساني.

لاحقاً، في العام ٢٠١١ طالبت إسرائيل بشطب تقرير لجنة حقوق الانسان هذه، لأن غولدستون قال إن أي خطأ او خلل في سياق التقرير سببه رفض إسرائيل التعاون، علماً أن القاضي الابيض غولدستون واليهودي، اعترف أن الجيش وحركة «حماس» اقترفا جرائم حرب.

تحقيقات قضاة المدعية العامة بنسودا لم تكن ممكنة قبل انضمام السلطة الفلسطينية الى محكمة الجنايات الدولية ٢٠١٤، وفي العام التالي كانت بنسودا اطلقت تحقيقاً أولياً حول جرائم ضد الانسانية، ومن حرب العام ٢٠٠٨، ولجنة غولدستون الى العام ٢٠١٤ خاضت اسرائيل ثلاث حروب على غزة، وردت فصائل غزة، باطلاق صواريخ غير دقيقة على مستوطنات غلاف غزة، او شبه دقيقة على مدن وسط اسرائيل، لم تسفر عن ضحايا مدنية اسرائيلية، لكنها اعتُبرت، اسرائيلياً ودولياً اعتداءات على المدنيين.

منذ دخول م.ت.ف عضواً مراقباً في الجمعية العامة، ١٩٧٤ الى صيرورتها دولة مراقبة، لم تكف المنظمة والسلطة عن الاحتكام للشرعية الدولية، لكنها واجهت عقبة في مجلس الأمن لممارسة اميركا حق النقض. منذ العام 2011 باشرت السلطة خطوات انضمام للمنظمات الدولية البالغة 520 منظمة تحققت عضويتها حتى الآن في ١٠٠ منظمة، وردت اميركا بالانسحاب من كل منظمة دولية دخلتها السلطة، خاصة من «اليونسكو».

ليست عضوية محكمة الجنايات أول محاولة فلسطينية للاستناد الى القانون الدولي، بعد الشرعية الدولية، فقد سبقتها لجنة غولدستون، وايضا طلبت السلطة فتوى دولية من محكمة العدل في لاهاي حول بناء الجدار العازل عام ٢٠٠٤، فقررت محكمة العدل ان الجدار بني في معظمه على الاراضي الفلسطينية حيث التهم ١١٪ منها، واعتبرت محكمة العدل ان كل ضم فعلي يشكل خرقاً لحق تقرير المصير، ومخالفة لاتفاقية جنيف الرابعة حول السكان تحت الاحتلال.

اسرائيل ردت على محكمة العدل الدولية باللجوء الى محكمة العدل الاسرائيلية، التي قبلت الادعاءات والأسباب الأمنية الإسرائيلية، لكنها عدلت قليلاً في مسار جدار الفصل.

البعض يتوقع أن يمثل قادة اسرائيليون وعسكريون أمام محاكم جرائم حرب، ولا يستبعد مسؤول فلسطيني ان يطال التحقيق قادة فصائل فلسطينية، حصل مثل هذا مع قادة عسكريين في تقسيم يوغسلافيا.

الأهم من ذلك ان محكمة الجنايات الدولية ستركز على لا شرعية الاستيطان، باعتبار نقل السكان الى أرض محتلة جريمة حرب، ولو صارت إسرائيل تدعي حقوقاً دينية وتاريخية في الضفة الغربية وتستند الى هذه الادعاءات حول ضم وإلحاق ما يمكن من المنطقة (ج) والكتل وحتى المستوطنات خارجها، ومؤخراً خطط لضم منطقة الأغوار.

تؤكد قرارات متلاحقة من الشرعية الدولية ان كل ما يترتب على احتلال من استيطان ونقل سكان هو مخالف للشرعية الدولية، لكن من المهم ان تقر محاكم وتقارير لجان القانون الدولي ان ذلك يشكل جريمة حرب.

بعد قرار محكمة الجنايات بفتح تحقيق شامل، اعترف وزير خارجية إسرائيل، يسرائيل كاتس، ان التأخير في إخلاء الخان الأحمر كان درءاً لاحتمال فتح تحقيق ضد إسرائيل. يبدو ان ضم الكتل الاستيطانية، وكذا غور الأردن سوف يتأخر كثيراً او لا يتم بعد تحقيق قضاة بنسودا في الاستيطان باعتباره جريمةَ حرب.

بصدد جرائم حرب يقترفها جيش الاحتلال، يمكن لاسرائيل ان تحقق مع نفسها وتحاول طمسها بشكل أو بآخر، لكن فيما يتعلق بجرائم حرب تقترفها مخططات الاستيطان ونقل السكان، لا يمكن لأي تحقيق ذاتي ان يجيب عن أسئلة الاتهام من جانب منظمات القانون الدولي.

ادعاءات مثل «الجيش الأكثر أخلاقية» في الحرب تبقى ادعاءات عسكرية، لكن الادعاء بالدولة الديمقراطية الفريدة في الشرق الأوسط، لا يستقيم مع مقاومة ومنع حق تقرير المصير.

خمس سنوات من جمع الأدلة والوقائع صرفتها المحكمة الجنائية الدولية، وقد يمتد التحقيق الفعلي سنوات.. لكن يمكن القول ان النشاط الاستيطاني تم لجمه بعض الشيء.

 

نقلا عن صحيفة الأيام الفلسطينية