ماجد هديب - النجاح الإخباري - اي امن ذلك الذي تتغنى به حركة حماس في ظل انقلابها الذي ما زالت تتمسك بحمايته ،وفي ظل تدميرها لآخر ما تبقى لنا من حصون او قلاع لحماية جبهتنا الداخلية؟،واي مقاومة تلك التي تدعيها في الوقت الذي يتسابق القادة فيها على اعلان التبرؤ من عملياتها ووصف ما يقوم به بعض ادعيائها بانها عبثية وغير وطنية؟ ،واي وحدة تلك التي تدعو اليها تلك الحركة واجهزتها الامنية ما زالت تمعن في قمع المواطن والبطش به مع التعمد بإذلاله وامتهان كرامته ؟، واي اعلام مقاوم ذلك الذي يسعى لضرب المكون الوطني والنسيج الاجتماعي بفعل تجاوز مفرداته للأخلاق والقوانين ؟،واي استقلالية تلك التي تؤكد عليها في الوقت الذي لا نجد في قرارتها الا كل تبعية منها ،واحتواء لها، ووصاية عليها ؟،واي وسطية تلك التي تدعيها الحركة في الوقت الذي يمعن عناصرها بالاعتداء على الرموز الوطنية والتاريخية مع صيحات الله اكبر؟

حقائق كثيرة تلك التي يجب ان نتوقف عندها جميعا ،خاصة هؤلاء الدين لا يعيشون في غزة ،ولا يعرفون ايضا ما يجري بشعابها بفعل قدرة حماس الاعلامية بقلب الحقائق ،فأي امن ذلك الذي تتغنى به حركة حماس في الوقت الذي سحقت فيه اجهزتها الامنية كل من خرج لطلب الامن من جوع وخوف ،وفي الوقت الذي يعاني الشعب فيه من انعدام نطاق الأمن بشكل عام وغياب المحافظة على الوحدة الوطنية والدفاع عن أراضي الدولة واستقلالها ،فأي وحدة تلك التي جسدتها حماس؟، واي دفاع عن غزة ذلك الذي تقوم به في الوقت الذي لا تستطيع فيه حماية من فيها من بشر وممتلكات في ظل الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة ؟.

علينا ان نعترف فلسطينيا بانعدام نطاق هذا الامن، والتأكيد ايضا على عدم امكانية تحقيقه بمفهومه الواسع والشامل ،وحتى بمفهومه الضيق ايضا ، ليس بفعل سيادة الاحتلال على اراضي الدولة الفلسطينية فقط، وانما بفعل ما احدثه الانقسام من انتفاء لصفة الوحدة بين اراضي هذه الدولة نتيجة ما قامت به حركة حماس من انقلاب على السلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة اذا ما اخدنا بعين الاعتبار بان السلطة ليست دولة، وإنما هي نقطة تحول إليها ، حيث ادى هذا الانقلاب الى زيادة التشابكات والتعقيدات وافتقاد اية قواعد وضوابط ومحددات من اجل الوصول الى الحد الادنى من نطاق الامن الفلسطيني في الدولة المتفق على حدودها طبقا لقرارات الشرعية الدولية ،وحتى في المناطق التي تتولى السلطة الوطنية زمام الامور فيها وفقا لاتفاقية اوسلو ،فلا توافق بين حركتي فتح وحماس ،ولا اعتراف من الاخيرة بالسلطة الفلسطينية،ولا ايمان منها بالدولة الوطنية ، ولا حتى افق ايضا نحو تحقيق هذا التوافق اوتجسيد هذا الاعتراف والايمان، على الرغم من عدم الخلاف بين الحركتين في البرامج ،واتجاه حركة حماس في الآونة الاخيرة نحو التبرؤ من المقاومة ،وعلى الرغم ايضا من غياب نطاق الامن في غزة وانعدام مستوياته الداخلية منه والخارجية ؟.

كثيرة هي القضايا التي يجب أن يشملها نطاق الأمن والتي لا يمكن دونها أن يتعزز هذا الأمن ،بل ان غياب هذه القضايا يؤكد انعدام الأمن ،والاستحالة ايضا في تطبيقه ،هذا اذا ما تجاهلنا المعطيات التي تخرج عن نطاق السيطرة الفلسطينية ،وفي مقدمتها سيادة الاحتلال على الاراضي الفلسطينية ودخلنا مباشرة في صلب الواقع الفلسطيني ،فما هي اذا القضايا التي يمكن الاعتماد عليها للقول بان الأمن في غزة قد تحقق فعلا ،وانه دخل في نطاقه الصحيح على المستوى الداخلي والخارجي ؟.

من المعلوم بان حركة حماس قد فشلت فشلا ذريعا بالجمع ما بين المقاومة والحكم ،فلا هي وفرت متطلبات هذا الحكم ، ولا هي اتجهت نحو تشكيل سلطة المقاومة التي تذرعت بها عند قيامها بالانقلاب على السلطة ، فكيف لها اذا ان تحقق الامن بمستوياته اذا ما علمنا باستحالة تطبيق هذا الامن وضمانه دون الدخول بتحالفات ومعاهدات مع دول الجوار والمجموعة الدولية , واذا ما علمنا ايضا باستحالة اجراء تلك التحالفات او تنفيذ الاتفاقات لما فيها من تعزيز لانفصال غزة عن السلطة والاتجاه نحو اعلان كيان في غزة ،وهذا ما ترفضه دول الجوار ،حتى وان حاولت الادارة الامريكية واسرائيل تعزيز هذا الكيان تمريرا لصفقة القرن قيد الاعلان ،لان الامن الخارجي للدول او الكيانات لا يتحقق بإرادة من يصنع تلك الدول او تلك الكيانات ، وانما بإرادة الشعوب وارادة الشعب الفلسطيني هى حتما اقوى من كل مخططات الاستعمار ،مهما بلغ نجاح الادارة الامريكية في استغلال حاجات الشعب الانسانية لان ما يبحث عنه الانسان الفلسطيني وما يتطلع الى تحقيقه ليس تحقيق عوامل الامن الداخلي ومن اهمها الامن من الجوع فقط ، وانما بتحقيق عوامل الامن الخارجي ايضا ،ومنها الامن من الخوف على كيانه ومستقبله بوجود حكومة تعمل على الدفاع عن مناطق السلطة ووحدة الشعب وصولا الى تجسيد الدولة ، فما هي اذا عوامل الامن الداخلي التي لم يشعر المواطن الغزي بها منذ الانقلاب الذي قامت به حركة حماس وحتى الان؟.

لم يكن غياب السيد إسماعيل هنية قبيل الانقلاب ،وفي اعقابه مباشرة ،وغيايه ايضا الان رغم ما شاهدناه من قمع لحراك الشارع في غزة الا تأكيد على أن القيادة السياسية لحركة حماس غير قادرة على كبح جماح الجماعات المتطرفة فيها والتي ما زالت تتغلغل في صفوفها ،لذلك فان هذه القيادة اضطرت لمسايرة الانقلاب عام 2007،وما زالت تضطر لمسايرة من لم تستطع كبح جماحهم في قمع الجماهير التي خرجت الى الشوارع للمطالبة بحق العيش الامن والكريم ،فهل استطاعت حركة حماس مثلا رغم اعلانها الالتزام بالضوابط الدستورية محاكمة كل من خطف او قتل ،او قام بتهديد شويه أوجه النساء خلال الانقلاب ،وفي اعقابه ؟،وهل يمكن لحركة حماس الاعلان الان عن عزمها تقديم كل من اخطأ من عناصرها الى المحاكم لما اقترفوه من وحشية الضرب والاعتداء على الممتلكات اثناء الخروج العفوي الاخير للجماهير ؟،واذا ما اتثبتت الوقائع والاحداث استحالة اقدام الحركة على هذا الاعلان ،ولأسباب كثيرة ،فكيف لها اذا ان تحقق عوامل الامن الداخلي وتوفيرالعيش الكريم ؟.

وفقا لما هو متفق عليه ،فان من اهم عوامل استتباب الامن الداخلي وجود حكومة على اقليم لا انفصال فيه يعيش عليه المواطن المتحرر من الجوع والخوف ،الا ان حركة حماس رفضت وجود هذه الحكومة ،كما رفضت الخضوع للضوابط الدستورية والقانونية وامعنت في انهاء وحدة المشروع الوطني في الوقت الذي اتجهت فيه نحو تامين المصالح المادية والمعنوية للحركة على حساب الاستقرار في غزة و انعدام مقومات الحياة فيها ،مما زاد ذلك الشعور بالخوف والقلق والتوتر ،وخاصة في ظل عدم توفير الاحتياجات الروحية والفسيولوجية الأساسية للمواطن ،و في ظل انعدام الطمأنينة له او توفر العمل والقدرة على تقديم الرعايا والخدمات الاجتماعية ، يرافق كل ذلك الزيادة في نسبة الغلاء المعيشي ، فما هو الذي تسعى اليه حركة حماس؟، وما هو الذي تطلع الى تحقيقه اكثر مما حققته لصالح الحركة في ظل اختراقها المتعمد لكافة الاعراف والقوانين ،وفي ظل اصرارها على تجاوز القانون والدستور؟.

كانت حماس قد اعلنت عند اتمام انقلابها وسيطرة قواتها على غزة بان ما قامت به كان من اجل فرض الأمن ،وان ما حدث من تجاوز للضوابط الدستورية كان استثناءا وليس قاعدة, ولكن وبعد مرور اثني عشر عاما على ذلك الانقلاب وتقديم ذلك التبرير اين هي الضوابط الدستورية مما يجري الان من سيطرة على الحكم وظلم الناس والاعتداء عليهم وعلى ممتلكاتهم من اجل حماية حكم انتهت صلاحية وجوده ، ليس بانتهاء الصلاحية الدستورية فقط ،وانما صلاحيته الاخلاقية ايضا منذ اللحظة التي تسببت فيها بسيل الدم .

باعتقادي إن من ألغى الضوابط الدستورية والقانونية في 14/6/2007 يعمل الان على استمرار هذا الالغاء ،ويمنع ايضا كل محاولات العودة بالعمل في تلك الضوابط وعليه كيف يمكن لهؤلاء القول بان المواطن الغزي يشعر بالرضا والسعادة ،وانه لا تهديد لهويته، ووجوده ،وثقافته ،رغم انه وفي واقع الحال لا شأن لحركة حماس فيما يعانيه هذا المواطن منذ زمن،  ليس يسبب تدفيعه  ثمن  حروب لا نفع لقضيته منها  فقط ،وانما بسبب دفعه ايضا نحو ابقائه في حالة التبعية واستصغار الذات ،والاعتماد على الآخرين من اجل تحصيل قوت يومه ما لم يستطع الهروب عبر البحار والصحاري بحثا عن امن ،كان وما زال يفتقده بغزة ،ومنذ سنوات.