باسم برهوم - النجاح الإخباري - يتصرف الرئيس ترامب كأنه يملك الارض العربية وما عليها وما في باطنها من ثروات، يأخذ منها ما يشاء لنفسه ويهب منها ما يشاء لإسرائيل، وربما في المستقبل لغيرها. هذا التصرف يؤكد انه رئيس مختلف عما سبقوه من الرؤساء الأميركان، فمن سبقه، جميعهم انحازوا لإسرائيل وحافظوا على تفوقها في المنطقة، وقدموا لها كل اشكال الدعم لتكون قوية ومزدهرة، وقدموا لها الدعم السياسي والدبلوماسي وجعلوا منها دولة فوق القانون لا تمكن محاسبتها على جرائمها.
ولكن كل من سبق ترامب من الرؤساء حافظ ألا تنتهك الولايات المتحدة القانون الدولي بشكل مباشر ومفضوح، هذا الرجل يتصرف إما انه لا يعرف شيئا عن القانون الدولي، او انه لا يأبه به أبداً ولا يعره أي وزن، واعتقد ان الأخيرة هي الأدق.
للإجابة على سؤال ماذا بعد القدس والجولان؟ لفت نظري ما كتبه صديقي انطوان شلحت في مقال عنوانه "القضية الفلسطينية في الانتخابات الاسرائيلية"، تحدث فيه عن اليمين الإسرائيلي الجديد الذي يختلف عن اليمين التقليدي، وتحدث أيضا عن اليسار الذي لم يعد يساراً، الذي اصبح فارغا من اي مضمون ومن أي ايديولوجيا.
ما قاله شلحت يفسر الكثير من تصرفات عالم اليوم، وتصرفات ترامب ونتنياهو، على وجه الخصوص.
فنحن نعيش حقبة تاريخية تغيرت فيها القوالب السياسية القديمة، في عالم اليوم لم يعد فيها اليسار كما كنا نعرفه، ولا حتى اليمين كما نعرفه، أو كما كان سائدا في القرن العشرين. وعلينا ان ندرك ان انهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومته الاشتراكية، وانهيار نظام القطبين، وما صاحبه من حرب باردة وصراع أيديولوجي، هذا التغير الاستراتيجي الذي شهده العالم، نشهد اليوم تغيراته في البنى التحتية، وبالتالي تغير المضمون السياسي للعالم، وليس في اسرائيل وحدها.
ترامب ونتنياهو يمثلان اليمين الدولي الجديد، الذي بدوره يمثل الشكل الجديد للرأسمالية، يمين لا ضوابط له، ولم يعد يؤمن بالنظام القانوني والانساني الذي جاء بعد الحرب العالمية الثانية ولا بخرائطه، انه يمين شره يتصرف وفق شهواته وغرائزه ومصالحة الضيقة، دون أي التفات للقانون الدولي والقيم الانسانية التي طورتها الحضارة البشرية عبر آلاف السنين.
هذا اليمين الجديد يعمم الفساد ويشرعنه، وينتهك القوانين المحلية والدولية، الغاية بالنسبة له تبرر الوسيلة، والغاية هنا انانية لأبعد الحدود، وهذا ما يميزه عن اليمين التقليدي الذي كان يحافظ على الخطوط الحمراء في الصراعات.
ترامب، شريك نتنياهو فكرا وممارسة، تبرع بالقدس لصديقه كأنها قطعة أرض من أملاكه الخاصة، وشرعن الاستيطان، وألغى مصطلح الاحتلال عندما يتحدث عن الارض الفلسطينية المحتلة، وشطب بضربة قلم قضية اللاجئين الفلسطينيين.
آخر التبرعات العينية لترامب، هضبة الجولان العربية السورية، التي وهبها هي الأخرى الى صديقه كهدية تساعده للفوز بالانتخابات في 9 نيسان/ابريل المقبل. ما بعد القدس والجولان قد تكون الضفة هدية ترامب القادمة لصديقه وربما مكافأة فوزه بالانتخابات.
ومن يعتقد ان ترامب سيتوقف عن تقديم هداياه فهو واهم، فترامب سيقدم قطعاً أخرى من أراضي العربية سوريا، وربما جزر الامارات ومناطق أخرى من الخليج لإيران في حال أبرم معها صفقه، وأجزاء من العراق واليمن، وقد نفيق صباح يوم وقد منح ترامب مضيق باب المندب لصديقه نتياهو لأنه هو من يستحقه، أو أجزاء من صحراء سينا مجدداً.
من المؤكد ان ترامب واليمين واليمين العالمي الجديد لا يؤمنون بالخرائط الموجودة ولا بالخطوط الحمراء، فكل شيء متاح.. فماذا عسانا نفعل؟

الحياة الجديدة