خيرالله خيرالله - النجاح الإخباري - أيّ سنة كانت 2018؟. كانت سنة من أسوأ السنوات التي مرّت على المنطقة كلها الممتدة من المحيط الأطلسي الى الخليج العربي. كشفت احداث تلك السنة كم الوضع ميؤوس منه في العراق وسوريا وليبيا... واليمن، حيث الحلول مستحيلة في غياب كسر للتوازن العسكري القائم حاليا.

كشفت 2018 كم تونس مهدّدة من داخل وكم الجزائر على كفّ عفريت. كشفت بوضوح كم تراجعت القضية الفلسطينية التي تبقى قضيّة شعب محروم من ابسط حقوقه الوطنية وعليه في الوقت ذاته ان يقاتل على جبهات عدة. جبهة إسرائيل التي تمارس إرهاب الدولة، وجبهة "حماس" التي تلعب كل الأدوار المطلوبة منها إسرائيليا بدعم إيراني واضح، وجبهة السلطة الوطنية التي ترهّلت الى اقصى درجات الترهّل...

هناك نقاط مضيئة ما زالت توفر بعض الامل بمستقبل افضل. هناك جزر عربية لا يزال فيها من يهتم بشعبه مثل المملكة المغربية ودولة الامارات العربية المتحدة. هناك، في الواقع استثناءان عربيان في منطقة تواجه فيها دول عدّة تحديات كبيرة، بما في ذلك المملكة العربية السعودية التي تسعى الى تحقيق نقلة نوعية عن طريق رؤية 2030 التي يدفع في اتجاهها وليّ العهد، الأمير محمّد بن سلمان ، صاحب الطموحات الكبيرة.

استطاعت السعودية تجاوز الخطأ الذي تمثل بقتل احد مواطنيها، جمال خاشقجي، في القنصلية التابعة للمملكة في اسطنبول. كانت مشاركة محمّد بن سلمان في قمّة مجموعة العشرين في بوينس ايرس الدليل الاّوضح على ذلك. لكنّ ذلك يفرض على الرياض البقاء حذرة بعدما تبيّن مدى فعالية المحور القطري – التركي في مجال شنّ الحملات الإعلامية على المملكة وعلى محمد بن سلمان تحديدا...

يواجه الأردن بدوره تحديات لم يسبق ان واجه مثلها في الماضي بعدما شاركت طبقة اجتماعية، ميسورة الى حدّ ما اعتادت ان تكون بعيدة عن السياسات الداخلية، في اسقاط حكومة هاني الملقي الذي لم يستطع ان يكون على تماس مع الشارع. لا شكّ انّه سيترتب على الأردن، الذي يعاني من ازمة اقتصادية عميقة، الاقدام على إجراءات تتسم بكثير من الجرأة في غياب الحلول السريعة التي يمكن ان تنتشل اقتصاد المملكة من حال الركود التي تعاني منها لاسباب مرتبطة باوضاع المنطقة، خصوصا في غياب التسهيلات التي كان يؤمنها العراق والخليج. هناك رغبة خليجية في مساعدة الأردن بدليل المساعدات التي اقرّتها قمة مصغرة انعقدت في الرياض، لكنّ على الشعب الاردني أيضا تفهّم ان أمورا كثيرة تغيّرت في الاقليم وانّ لا بديل من إصلاحات في العمق تعني اوّل ما تعني التخلّي عن الاتكالية وعن مقولة "سيّدنا (الملك) بدبّرها".

ليس الأردن وحده الذي يواجه تحديات كبيرة سيتمكن، على الأرجح، من تجاوزها بفضل عوامل عدّة من بينها قدرة الملك عبدالله الثاني على التعاطي مع الواقع بعيدا عن ايّ نوع من العقد، فضلا بالطبع عن وجود مؤسسات لدولة قويّة.

توجد دول عدّة اخرى تنتظرها صعوبات كثيرة. في مقدّم هذه الدول الجزائر التي يعاني النظام فيها من مرض خطير يعود الى عجزه عن تطوير نفسه. ليس مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة المقعد منذ العام 2013 سوى دليل على عمق الازمة الجزائرية التي يخشى من ان تحول الجزائر الى احد عناوين السنة 2019.

يفترض بالجزائر ان تنتخب في 2019 رئيسا يخلف بوتفليقة. لكن الظاهر، اقلّه الى الآن، ان هناك عجزا عن ترك اللعبة الديموقراطية تأخذ مداها في ظلّ نظام لم يستطع تطوير نفسه من جهة وإقامة اقتصاد لا يكون اسير سعر النفط والغاز. بكلمة، يرفض النظام الجزائري الاعتراف بانّ عليه التوقف عن ممارسة لعبة الهروب الى امام، أي الى خارج حدوده، وانّ الوقت حان ليتعلّم شيئا من تجارب الماضي، خصوصا من انّ هذه اللعبة ارتدّت عليه في الماضي وسترتد عليه مستقبلا. لا يكشف مدى الجمود الذي يتحكم بالنظام الجزائري اكثر من العجز عن الردّ على المبادرة التي اطلقها الملك محمّد السادس من اجل حل المشاكل العالقة بين البلدين. فقد ورد في خطاب العاهل المغربي في ذكرى مرور 43 عاما على "المسيرة الخضراء"، وهي المسيرة الشعبية التي اعادت الصحراء المغربية الى المغرب، في تشرين الثاني – نوفمبر من العام 1975: "یشھد الله أنني طالبت، منذ تولیت العرش، بصدق وحسن نیة، بفتح الحدود بین البلدین، وبتطبیع العلاقات المغربیة – الجزائریة.

وبكل وضوح ومسؤولیة، أؤكد الیوم أن المغرب مستعد للحوار المباشر والصریح مع الجزائر الشقیقة، من أجل تجاوز الخلافات الظرفیة والموضوعیة، التي تعیق تطور العلاقات بین البلدین. ولھذه الغایة، أقترح على أشقائنا في الجزائر إحداث آلیة سیاسیة مشتركة للحوار والتشاور، یتم الاتفاق على تحدید المستوى التمثیلی فيھا، وشكلھا وطبیعتھا .وأؤكد أن المغرب منفتح على الاقتراحات والمبادرات التي قد تتقدم بھا الجزائر، بھدف تجاوز حالة الجمود التي تعرفھا العلاقات بین البلدین الجارین الشقیقین. وتتمثل مھمة ھذه الآلیة في الانكباب على دراسة جمیع القضایا المطروحة، بكل صراحة وموضوعیة، وصدق وحسن نیة، وبأجندة مفتوحة، ودون شروط أو استثناءات. ویمكن لهذه الآلية أن تشكل إطارا عملیا للتعاون، بخصوص مختلف القضایا الثنائیة، وخاصة في ما یتعلق باستثمار الفرص والإمكانات التنمویة التي تزخر بھا المنطقة المغاربیة كما ستساھم في تعزیز التنسیق والتشاور الثنائي لرفع التحدیات الإقلیمیة والدولیة، لاسیما في ما یخص محاربة الإرهاب واشكالية الهجرة".

ان العجز الجزائري عن الردّ على المبادرة المغربية يؤكّد عمق الازمة التي يعاني منها هذا البلد المهمّ من جهة وغياب ايّ وعي فيه لما هو على المحكّ في الداخل الجزائري وفي منطقة المغرب العربي كلّها من جهة أخرى.

من الصعب تصوّر منطقة افضل في السنة 2019 بعدما أسست 2018 لحلول المستحيلة لكلّ أزمات المنطقة. من سوريا، الى العراق، الى فلسطين، الى اليمن، الى الجزائر، الى التدخل الايراني المباشر عبر ميليشات مذهبية في العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن...

يأتي كلّ ذلك على خلفية وجود إدارة أميركية دخلت في مرحلة من التخبط وإصرار إيراني على المضي في مشروع لا افق له باستثناء تمزيق المجتمعات العربية وترسيخ المذهبية.

تحولت اميركا في عهد دونالد ترامب من القوّة العظمى الوحيدة القادرة على دعم الاستقرار السياسي والاقتصادي في العالم الى قوّة تخدم اعداءها وكلّ من يسعى الى الفوضى. من يبحث عن تفسير لهذا التصرف الصادر عن إدارة استطاعت وضع افضل توصيف لسلوك النظام الايراني، ثم قررت الانسحاب عسكريا من سوريا، لا يجد جوابا بمقدار ما يجد امامه امامه المخاوف من فوضى عالمية ولا شيء غير ذلك.

تبدو 2019 سنة كلّ المخاوف، خصوصا في منطقتنا العربية ومحيطها الذي يشمل تركيا وايران طبعا.