يوسف مروان - النجاح الإخباري -  عيناه مليئتان بالتعب، جسد صغير ضعيف لايقوى على الثبات، صعد  سيارة الأجرة يطوف على الركاب، فضولي القاتل دفعني لأسأله:

كم عمرك؟

 فأجابني بصوت مخنوق بالكاد سمعته:

 8 سنوات

 أصابتني الدهشة وداهمني شعور الأبوة.. أكملت الكلام معه، فقاطعني:

-اشتري ملبّس!

شعره المنكوش، وهيئته الدالة على التعب والإعياء، ووجهه الصارخ في حرارة الشمس اللاذعة، وعلبة الملبّس التي يتشبّث بها بيدين صغيرتين كحلم صغير،استفزّ الكثير من الأسئلة في رأسي، قلت له:

- بتروح ع المدرسه.

أجابني:

اه بروح، وبعد الدوام ببيع ملبس.

نظرة واحده في تلك العيون البنيّة تخبرك عن تعب الحياة وحسرة طفولة ضائعة بين شوارع المدينة وزحمة سياراتها الفارهة.

أكمل حديثه قائلًا:

- "الساعة سبعة الصبح صحيت ورحت ع المدرسة، وجيت أبيع الملبس بعد الدوام عشان أساعد أبوي".

سألته إن كان والده يعمل، فأجابني بنعم، قلت بقرارة نفسي، بأيّ ذنب تقتل براءة الأطفال في هذا الوطن السليب، المحشو بالمأسي والمغطى بالخوف؟!

أطفال يجوبون الشوارع ويقطعون إشارات المرور لاتحميهم وتعجز عن ارشادهم، في داخل كلٍّ منهم عجوز أرهقته نوائب الدهر، تبًا للفقر!

 تأمّلت المشهد مجدَّدًا، كم نحن غارقون في الحياة، نائمون عن أوجاع الناس!

 وضع جبينه الصغير وكلَّ تعبه على شباك سيارة الأجرة، وعيناه تتوسلان السائقين والمارّة، اشتروا الملبس وامنحوني بعض الراحة.

 وكأنَّه بأعماقه يلعن الحياة والعمر والطفولة والملبس، دلّتني خطواته على هذا فتبعته:

  • اسمع، بتحب المدرسه؟

 فنظر إلي وقال:

- اه بحبها وبحب ألعب مع صحابي، ما بشوفهم إلا في المدرسة.

قلت عساي أغرس بذرة أمل في تربة واقعه الجافّة:

- بس انت رح تكون إنسان ناجح، بكرة الحياة أحلى.

 أنهيت بغصة خنقت إنسانيتي، ما أدراني، هل أضحك عليه أم على نفسي؟

تخيلته يمسك ألوانًا ويرسم لوحة، أويحمل كرة ويلعب رفقة أقرانه ..يصرخ يمرح ويتعب فرحًا.

طفولته الغائبة حتى عن تفكيره، تعاتبنا جميعًا، تعاتب كل من يرى هذه النماذج في وطنه ويصمت، بل منهم من يهشّهم بسخرية أو شتيمة.

 أمسكت علبة الملبس بيد، وبالأخرى ناولته ثمنها وقلت له انطلق والعب مع أصحابك.

شعرت يديه تتحولان لأجنحة ودَّ لو يطير والفرح في عينيه، فرَّ هاربًا من واقعه التعيس.

موقف دفعني لأكتب وأشارككم .. أعاتب الأهل أوَّلًا، والشرطة ثانيًا، والمؤسسات ثالثًا، وكل المجتمع المتفرّج رابعًا وخامسًا وسادسًا:

لا تقتلوا الطفولة في فلسطين، يكفينا الاحتلال والتشرّد، امنحوا الأطفال طفولتهم حيث وجدتموهم لتكون إنسانيتنا بخير، ودمتم.