د. يوسف مكي - النجاح الإخباري - د. يوسف مكي

ضمن المواضيع التي أجلت لمفاوضات الحل النهائي للقضية الفلسطينية، في اتفاقية أوسلو، موضوعان حيويان ومهمان بالنسبة لمستقبل الشعب الفلسطيني، هما موضوع عروبة القدس، وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين بالشتات إلى ديارهم. ولم يكن إلحاح المفاوضين الإسرائيليين على تأجيل التوصل إلى حلول مقبولة من جميع الأطراف المتفاوضة، مجرد صدفة، أو لوعي صعوبة التوصل إلى حل تقبله الأطراف المنخرطة في الصراع، بل جرى تعمد ذلك، من أجل استثمار الوقت لتصفية هاتين القضيتين جملة وتفصيلا.

فيما يتعلق بعروبة القدس، رأينا كيف تم تسريع تهويد المدينة المقدسة، حيث مارس الاحتلال سلوكين استفزازيين تجاهها. الأول هو التسريع في عملية التهويد، من خلال مواصلة بناء عدد كبير من المستوطنات، حتى تمكن من قضم أكثر من خمسين في المائة من أراضيها.

ومن جهة أخرى، عمل على توسيع مناطقها، بحيث تشمل أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، بحيث تغدو مستقبلا هذه الأجزاء جزءا من الأراضي التي ينتهي من قضمها، بعد تثبيت ضمها إلى كيانه، وفرض سياسة الأمر الواقع تجاهها. أما الأمر الآخر، فهو الضغط على حلفاء إسرائيل التاريخيين، بالموافقة على اعتماد المدينة المقدسة عاصمة أبدية لكيانه.

وقد نجح في هذه السياسة إلى حد كبير. وفي هذا السياق، تعتبر موافقة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على نقل سفارة بلاده إلى مدينة القدس، قفزة نوعية على هذا الطريق، رغم أن هذه الخطوة، من الناحية القانونية، هي خروج على قرارات الشرعية الدولية، التي اعتبرت الأراضي الفلسطينية التي جرى احتلالها عام 1967م، أراضي محتلة.

أما فيما يتعلق بحق العودة، فإن العدو، ومن خلال التعاون الكامل من الإدارات الأمريكية المتعاقبة، اعتمد سياسات عديدة لتفريغ هذا الحق، وتجريد الفلسطينيين بالشتات من حق العودة إلى ديارهم.

أولى هذه الخطوات، هو ضرب الفلسطينيين في معاقل وجودهم بالمخيمات الفلسطينية، المتواجدة بالبلدان العربية المجاورة: الأردن، ولبنان، وسوريا، والعراق.

في الأردن، جرى تجنيس الفلسطينيين، واعتبروا مواطنين، لا تنسحب عليهم صفة اللاجئين، خاصة بعد ضم الضفة الغربية والقدس الشرقية للمملكة. وفي السبعينات، وأبان حرب أيلول عام 1970م، غادر عدد كبير منهم خارج البلاد.

أما في لبنان، فقد نالت الحرب الأهلية كثيرا من الفلسطينيين، وأجبرت عددا كبيرا منهم، على الهجرة إلى الخارج. وجاء الغزو الإسرائيلي لمدينة بيروت، عام 1982م، ليسهم هو الآخر، في ترحيل آلاف اللاجئين الفلسطينيين عن لبنان. ومنذ منتصف السبعينات حتى يومنا هذا تم ضرب مخيمات الفلسطينيين: صبرا وشاتيلا وعين الحلوة ونهر البارد والبداوي، والنبطية. كون هذه المخيمات قد شكلت تاريخيًا، العمود الفقري للمقاومة الفلسطينية في لبنان. وللأسف كان الفلسطينيون في لبنان ضحايا ليس للسياسة الإسرائيلية، وحدها، بل أيضًا لصراعات محلية وعربية وإقليمية ودولية.

وعندما جرى احتلال العراق، من قبل الأمريكيين، عام 2003م، نال الفلسطينيون حصتهم من. وتم طرد آلاف اللاجئين الفلسطينيين من البلاد، بتواطؤ واضح من الحكومة العراقية، التي نصبها الاحتلال.

ولم يكن حال اللاجئين الفلسطينيين، في سوريا، بأفضل من حال نظرائهم بالبلدان العربية الأخرى. فقد نالوا الكثير من الحيف، بسبب إعصار ما يسمى «الربيع العربي»، حيث جرى تدمير مخيم اليرموك بالكامل، والذي يضم العدد الأكبر منهم في سوريا.

يضاف إلى ذلك سياسات التضييق المستمرة على مصادر عيشهم، وتحديدًا ما تقدمه وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» لهم من دعم بالكاد يسد الحاجات الأساسية من متطلبات عيشهم. في هذا السياق، اعتمدت الإدارة الأمريكية، سياسة التقتير، وتقليص المبالغ المستحقة لهذه المؤسسة، بما انعكس سلبًا على أوضاع الفلسطينيين بالمخيمات.

أما الموقف العدائي الأمريكي، تجاه الفلسطينيين المقيمين في الشتات، فقد جنحت إدارة الرئيس ترامب، إلى التنكر لمبدأ حق العودة.

وكانت آخر صرعة للإدارة الأمريكية في هذا السياق، هي التقليل من عدد اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، والتي تشير إحصاءات الأمم المتحدة إلى أنهم تجاوزوا الخمسة ملايين نسمة، ليصبحوا من وجهة نظرها نصف مليون فقط، هم اللاجئون الذين ولدوا على أرض فلسطين، قبل خروجهم منها. أما الذين ولدوا خارجها، من آباء وأمهات من اللاجئين فإنهم غير مشمولين بتصنيف اللجوء.

وهنا تبدو المفارقة عجيبة وغريبة، فاليهود، وحلفاؤهم الأمريكيون، يؤيدون أسطورة الحق التاريخي لليهود، الذين لا تربطهم، أي رابطة بفلسطين، تحت ذريعة أن أجدادهم قبل ألفي عام كانوا متواجدين في فلسطين، بينما يحجبون هذا الحق عن أبناء الفلسطينيين الذي أجبروا على الرحيل قبل عدة عقود.

سوف تستمر هذه الغطرسة، وربما يضيع إلى حين حق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم، ما لم يقف العرب والمناصرون للحق، في كل أنحاء العالم مع شعب فلسطين، إحقاقًا للحق والتزاما بالأخلاق، وانتصارًا للكرامة الإنسانية.

عن «الخليج» الاماراتية