د.أحمد جميل عزم - النجاح الإخباري - يؤكد مسؤولون مطلعون أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب في لقاءاته مع نظيره الفلسطيني انتقل إلى محطات بدت مفاجئة أثناء الحديث، من تفهم وجهة النظر والرواية الفلسطينية (على النحو الذي قدمه تقريبا الرئيس محمود عباس في خطابات منها خطابه أمام المجلس الوطني الفلسطيني هذا العام)، إلى تقديم النصح، والحديث عن فن الصفقات (خصوصاً مسألة تبادل الأراضي) باعتباره خبير تجارة وتبادل عقارات، بل وقال إنّه سيساعد الفلسطينيين في التوصل لاتفاق جيد، وهذا ربما شجع الفلسطينيين لإعطاء الجهود الأميركية فرصة، إلى أن جاء قرار "السفارة" العام الفائت.

لا يختلف موقف القيادة الفلسطينية من ترامب وانتخابه، عن الموقف الشعبي الأميركي، وعشرات الملايين الذين انتخبوا ترامب، وذلك من زاوية "الملل" من النخب التقليدية التي حكمت البيت الأبيض. فهيلاري كلينتون بدت أقرب للبيت الأبيض في الحملتين الانتخابيتين اللتين خاضتهما أعوام 2008 و 2016، فهي السيدة الأولى سابقا (زوجة رئيس)، وهي عضو مجلس شيوخ، وهي وزيرة خارجية سابقة، وهي من هذه الزاوية مؤهلة، ولكن من زاوية أخرى هي من نخبة ملّها الناخب الأميركي، وملّ مصالحها وارتباطاتها المالية مع شركات ومانحين داخليين وخارجيين يعطونها الأموال لمؤسساتهم الثقافية وشركاتهم، وضاق الناخبون بحالة الركود التي أدخلت هذه النخب الاقتصاد فيها. وفي المقابل ضجِر الفلسطينيون وقيادتهم من النخب الأميركية التي تأتي لتدير الصراع وتحتويه، لا لتحله، وكلينتون تم تجريبها فلماذا يتم تجربتها مجددا؟ خاصة أنّه تسرب من ضمن البريد الالكتروني لها (أثناء الحملة الانتخابية وما قبلها) في مراسلات مع مقربين منها، أنها ترى مفيداً "بناء مدينة من الوهم للفلسطينيين" عن العملية السياسية. 

لقد أوضح تحقيق مجلة "ذا نيويوركر" المطول مؤخراً، بعنوان "نظام دونالد ترامب العالمي الجديد"، كيف تنبه اللوبي الإسرائيلي الجديد (وليس التقليدي) في الولايات المتحدة الأميركية، بقيادة شيلدون أديلسون، إلى أن فرص فوز ترامب موجودة فعلا، وتم اتخاذ القرار بدعمه وساعد في ذلك صهره جاريد كوشنير، ومحاموه الصهاينة ديفيد فريدمان وجيسون غرينبلات، وأكمل "الطاقم" بنائب رئيس مسيحي صهيوني، هو مايك بينيس. 

بعد أن بدا اقتناع ترامب بفرص لصفقة نهائية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لدرجة طلبه من مساعدين دراسة مسألة نشر قوات أميركية في الضفة الغربية، فإنّ "مساعديه" الصهاينة، اتصلوا بالفلسطينيين، قبل تسرب أي أنباء للإعلام، ليخبروهم بضرورة "نسيان" ما سمعوه من الرئيس، بانتظار المزيد من البحث. 

إذا كان مدير المخابرات الأميركية السابق، جون برينان (2013 - 2017)، قال تعليقاً على اللقاء الأميركي الروسي هذا الأسبوع، أنّه أثبت "أنّ ترامب في جيب (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين"، فالحقيقة أنّ هذا قد يكون صحيحا نسبيّاً، ولكن الأدقّ أن صاحب الجيب الكبير هو شخص مثل شيلدون أديلسون، الذي كان امبراطور القمار الأميركي، والآن هو إمبراطور اللوبيات الإسرائيلية الجديدة بما في ذلك الجامعات الأميركية والجماعة المعروفة باسم  المجلس الإسرائيلي الأميركي IAC، الذي ينافس حتى  اللوبي التقليدي (إيباك)، وصولا للإعلام، وهو ينفق مئات الملايين على كل ذلك. فلو كان ترامب حقاً في جيب بوتين، لكان صعباً أن نرى إلغاء الرئيس الأميركي للاتفاق النووي مع إيران، ولما قام بضربات في سورية، حتى لو كانت محدودة. 

لقد قام ترامب بتأجيل نقل السفارة الأميركية للقدس في منتصف عام 2017، فجن جنون أديلسون وأخبره أنّ هذه آخر مرة يسمح له بالتأجيل. ثم بدا ترامب مستعداً للتجاوب مع صفقة تفاوضية منطقية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فتحرك "الصِبية" الصهاينة المحيطون به. ثم بدأ التحرك في سورية، فقال له الإسرائيليون والروس اترك هذا لنا نحن نعالجه لوحدنا. فالموقف الإسرائيلي واللوبي المؤيد لبنيامين نتنياهو في الولايات المتحدة (جزء يميني محدد من اليهود هناك)، ان على ترامب دعم ما تريده إسرائيل فقط، دون الاجتهاد لوضع حلول بنفسه.

لا شك أنّ طبيعة "الانحناء" و"الانحياز" الذي يقوم به ترامب لصالح بوتين، يثير الكثير من الشكوك المبررة حول وجود سر شخصي أو مصالح، أو حسابات غير واضحة، تحكم جزءا من مواقف ترامب، وربما تتكشف يوماً ما، ولكن الحسابات والمصالح والارتباطات الإسرائيلية الصهيونية (أو الجيب الإسرائيلي) موجودة على السطح وظاهرة.

عن الغد الأردنية