د.أحمد جميل عزم - النجاح الإخباري - تحدث الإعلام في الأيام الماضية عن المقاومة الفلسطينية الشعبية في منطقة الخان الأحمر، ولكن ما هو الخان؟
في الماضي (قبل احتلال العام 1967) كنت تستقل الحافلة من أمام مبنى البنك العربي، وسط عمّان، بجانب دخلة كنافة حبيبة (افتتح 1951)، وبجانب موقع كشك أبو علي للكتب الآن (افتتح هناك في السبعينيات)، وتصل إلى القدس، لتصلي في كنيسة القيامة، أو الحرم الشريف، وفي الطريق بعد أريحا ستمر بالخان الأحمر.
الآن، رغم أن الطريق إلى فلسطين من الأردن صعبة، وأحياناً بالغة الصعوبة، تحتاج بسبب التعقيدات والإجراءات الإسرائيلية، لتغيير المواصلات فيها مراراً وتتعرض لإهانات، كالتي مر بها القاضي رائد زعيتر، العام 2014، وأدت لاستشهاده، ورغم ذلك فأنت محظوظ إذا كنت تستطيع سلوك هذه الطريق، فالغالبية العظمى من العرب؛ مسلمين ومسيحيين، ممنوعون من بلوغها، وغالبية الفلسطينيين أيضاً.
عندما تُنهي آخر إجراءات هذا السفر المتعب، نفسياً وجسدياً، تحدث انفراجة نفسية عند كثير من الناس، وتغمرهم سعادةٌ، تحتاج تحليلا نفسيا. هذا ما يحدث معي، ومع أبنائي، ومع كثير من الناس الذين أعرفهم. ولكني إذا كنتُ أوقف سيارتي في أريحا، وركبتها وحدي وصعدت غرباً، فإني بعد إنهاء موقع أريحا اليوم أشعر، بأني محظوظ بشكل إضافي، بشعور غريب، من السعادة، يخالطه توتر.
نبهني أستاذٌ بريطاني مصاب بالدهشة، وأنا أجول به التلال بين رام الله ونابلس، أوضح له معالم المشهد الاستيطاني الاحتلالي، لسر من أسرار جمال المنطقة. فقد تحدث عن تفاعل الشمس مع لون الأرض هناك لتعطي شعوراً جميلاً. والتلال غرب أريحا، قاحلة جرداء، إلا أسابيع قليلة في الربيع يغطيها زغب أخضر، لذلك من لديه صورة عن فلسطين كجنة خضراء، تواجهه صدمة. ولكن رغم ذلك قد تستعر جمالاً غريباً هناك، ربما لسبب نفسي، وربما أيضاً هناك علاقة بتفاعل القمر والشمس مع الأرض. ألم تُسَمَّ أريحا، مدينة القمر؟
في تلك التلال الجرداء كانت مدينة أريحا القديمة، أقدم مدن الأرض البشرية، وهي منطقة بالغة الأهمية في التاريخ الإنساني، ثم المسيحي، فمثلا هنا تقع قصة "السامري الصالح"، وهذه القصة بحسب الإنجيل حيث مسيحي صالح، وجد شخصاً من قومٍ من أعدائه، اعتدى عليه لصوص وعرّوه، وأوشك على الهلاك، ومرّ به أكثر من شخصٍ تركوه، ولكن هذا السامري (واليهود يكرهون السامريين تاريخياً) أنقذه وأعانه، وانتصر إخلاصه للحب في روحه. وصارت القصة عن إكرام الغريب، وصارت من تراث العمل الطبي الخيري.
تمتلئ التلال هناك بما يستحق الاكتشاف. وقرب موقع "السامري الصالح" بني في الماضي، خان (فندق) سمي الخان الأحمر، يعتقد أنّه كان من الحجر الوردي، الذي يعرف بالحجر الأحمر، وتشتهر به منطقة القدس، وقد اختار المخرج الفلسطيني الشاب أحمد الضامن اسم "الحجر الأحمر" للحديث عن بيوت أهالي القدس الغربية، الذين شُردوا العام 1948، ويسكنها اليوم مستوطنون ويمنعون أهلها منها.
لو لم يكن هناك احتلال، ربما، لكان في المكان الآن فندق ومنتجع خمس نجوم، من الحجر الأحمر، ليخدم من يريد استكشاف أقدم مدينة بشرية، ويريد رؤية الآثار المسيحية، أو الذهاب للبحر الميت القريب.
عندما طُرد البدو من أراضيهم ومضاربهم في جنوب فلسطين العام 1948، جاء جزء منهم لمنطقة الخان الأحمر، العام 1953. وبينما منعوا من البناء بعد العام 1967، بنيت هناك مستوطنات عدة، منها معاليه أدوميم. ولصمود "عرب الجهالين" هناك، قصة طويلة. فمثلا بينما كان هناك قبل 10 أعوام في معاليه أدوميم 34 حضانة أطفال، يُمنَع "الجهالين" من بناء مدرسة، وعلى سبيل المثال، بنيت مدرستهم بطريقة مبتكرة من إطارات السيارات والطين، بمساعدة جمعية إيطالية، العام 2009 (ربما من دون احتلال ستكون المدرسة من الحجر الأحمر). وأشعلت هذه المدرسة غضب المستوطنين، في المنطقة. وتم تحريض الحكومة، وصدر قرار بهدم المدرسة، وكل القرية. وبالطبع وجودهم يحبط خطط بناء مستوطنة كبرى، تصل القدس بالبحر الميت وتمنع تواصل شمال الضفة الغربية بجنوبها، ما يقوض فكرة دولة فلسطينية.
هذه المنطقة الثرية بالتراث الإنساني، منذ الأديان البدائية، ثم المسيحية والإسلام، كانت ستكون كنزاً سياحياً واقتصادياً وحضارياً وروحياً، لولا المشروع الصهيوني، وهي تتحول الآن لرمز للنضال.

عن الغد الأردنية