د.أحمد جميل عزم - النجاح الإخباري - قصف الطيران الإسرائيلي أمس قطاع غزة، فيما يعد وسيلة جديدة لوقف مسيرات العودة، بالضغط على القوة التي تحكم وتسيطر داخل غزة، متمثل بحركة "حماس"، بذريعة أنّ الحركة، تستخدم المسيرات لتهديد الأمن الإسرائيلي، وتدمير البنية التحتية للحدود، الموضوعة بين الأراضي المحتلة العام 1948 والقطاع، وبذريعة أن "حماس" حاولت الأحد إرسال متسللين بأسلحة وبمتفجرات متطورة لاختراق الحدود. والواقع أنّه عدا عن نفي هذه الادعاءات، يجدر تبني خطاب فلسطيني واضح، يتحدث عن حق عودة اللاجئين، وهذا الأمر سيكون مفيدا جداً لإعادة التعريف الأصلي للقضية الفلسطينية، وحتى لتحسين الموقف التفاوضي فلسطينياً، وخصوصاً بالنسبة لقطاع غزة.
إنّ تبني خطاب واضح مع تقديم الكثير من التفاصيل والأمثلة والقصص، عن قرى ومدن وبيوت ومزارع اللاجئين، الذين يسيرون نحو الحدود، أمر مهم جداً.
يريد الجانب الإسرائيلي وكثير من القوى العالمية، والغربية، حتى الرافضة للسياسات الإسرائيلية، في الضفة والقطاع، والتي تريد نهاية هذا الاحتلال، أن يعتبروا مسألة عدم عودة اللاجئين، من الأمور المحسومة، وأن يعتبروا أي حديث جدي في الموضوع تهديدا وجوديا مرفوضا لإسرائيل. وتأتي ردة الفعل الإسرائيلية الحادة والدموية ضد المسيرات، لأنها تعيد طرح مسألة عودة اللاجئين للواجهة. فهناك موقف ضد فكرة حراك اللاجئين، وإعادة طرح مسألة عودتهم، أكثر من الخوف من المسيرات بحد ذاتها.
لقد كان الحديث عن حل الدولتين، رغم رفض الإسرائيليين لهذا الحل، نوعا من خفض السقف الفلسطيني كثيراً. وما يحاول الجانب الأميركي-الإسرائيلي فعله، خفض السقف أكثر بخطط أحادية الجانب، وتحديداً رفع ثلاثة ملفات من التفاوض، أو رفعها عن الطاولة، بحسب تصريحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، هي: القدس، واللاجئون، والمستوطنات، واعتبارها خارج البحث.
وبما أنّه لا يوجد مفاوضات متوقعة قريباً، خصوصاً بسبب الرفض الفلسطيني الرسمي للتساوق مع المخططات الأميركية، فإن خطط استبعاد مواضيع القدس والمستوطنات واللاجئين من البحث تتحقق ضمناً، ولا يمكن تحدي ذلك إلا بتحرك ميداني فعلي على الأرض، على نحو ما يحدث من غزة الآن.
يحتاج الناطقون الرسميون وغير الرسميين، الفلسطينيين، وكل من يعبر عن الموقف العربي والفلسطيني، أن يعيد المسيرات لأصل القضية، وهي العودة. وأن تتردد عبارات ليسمعها العالم، هي أولا، أنّ هؤلاء اللاجئين أخرجوا من بيوتهم ومزارعهم وأراضيهم وأعمالهم وممتلكاتهم قسراً، العام 1948، وقد انتظروا كل هذه السنوات هم وأبناؤهم وأحفادهم من دون جدوى، وأنّه من حقهم محاولة العودة لممتلكاتهم ووطنهم.
والبند الثاني من الخطاب، أن الحراكات الشعبية رد فعل طبيعي سيتسع، وهذا نتيجة لهروب الأميركيين والإسرائيليين من حل الدولتين، ورفضهم لتسوية الحد الأدنى المتمثل بدولة فلسطينية كاملة السيادة، وحل قضية اللاجئين، وأن هذا التهرب، أو الرفض، له تداعيات كثيرة. وأن تخاذل العالم إزاء السياسات الإسرائيلية، سيؤدي لخلط الأوراق، وأن الفلسطينيين يستطيعون أيضاً تحدي السياسات الأميركية والدولية، لدرجة تهديد كيان إسرائيل فكرياً وسياسياً، إن لم يكن ماديّاً. 
العنصر الثالث المهم الذي يجب التركيز عليه، هو التصدي للخطاب الإسرائيلي، ومحاولة اعتبار حركة "حماس" المسؤولة عن هذه المسيرات. فرغم أنّ الحركة هي المسيطر على غزة ميدانياً، إلا أنه يجدر الاتفاق والتركيز على الطابع الشعبي للحدث، وحتى عندما يقال إنّ "حماس" مسؤولة، يجدر أيضاً الاستفادة من هذه النقطة، بالإشارة لأن هذا يعني ضمناً اتساع تبني الشعب الفلسطيني لخيار المقاومة المدنية.
ورابعاً، أن الحصار في غزة يؤدي لهذه النتائج، ولا بد من التوصل لترتيب جديد لتوحيد الضفة الغربية وقطاع غزة، ووقف المعاناة في القطاع، بل ويجب الإشارة إلى أن الوضع في القدس ومخيمات الشتات، ومناطق أخرى ليس أقل سوءا، وسيؤدي أيضاً لتداعيات كثيرة.
لا شك أن توسعة المسيرات لتشمل باقي فلسطين، والشتات، أمر مهم، ولكن أيضاً يجدر التفكير ملياً بخطاب سياسي واضح وصريح، غير تبريري أو اعتذاري، بشأن حق العودة، وهذا سيوضح أن نتيجة السياسات الإسرائيلية، من حصار، واحتلال، واستيطان، وتهويد، وتهرب من العملية السياسية، قد تكون العودة إلى المربع صفر في الصراع، وفي أفكار الحل، وأن الشعب لن ينتظر السياسات الرسمية للأبد.