محمد يعقوبى - النجاح الإخباري - سنة 2000 غطيت مؤتمرا للتقريب بين المذاهب نظمه المجلس الاسلامي الأعلى بفندق الأوراسي في حياة المرحوم الفيلسوف عبد المجيد مزيان. لفت انتباهي  برمجة محاضرة لعلامة سوري يحمل إسمي، أو لعلنا نتقاطع في اسم ولقب واحد .. العلامة محمد يعقوبي بينما كنت أنا مجرد صحفي لا يكاد يعرفه أحد. راقبت الشيخ عن بعد فلما أنهى محاضرته وفرغ من زحمة السائلين، إقتربت وانفردت به وقلت له أنا أحمل نفس الاسم الذي تحمله فهل لذلك أية دلالة؟ أخذ بيدي وجلسنا وفِي لسانه كلام كبير، قال لي هل أنت يعقوب أم يعقوبي ؟ قلت الثانية قال يعقوب موجودة في كل اسقاع الأرض لكن يعقوبي بالياء قليلة نادرة وعلى الأرجح بأصل واحد وفروع متعددة، ثم أدهشني بصدمة أولى عندما قال أنا جزائري الأصل من أحفاد أحد المهاجرين مع الأمير، ثم أتبعها بصدمة ثانية .. أنا أصولي من إحدى مداشر تيزي وزو (نسيت اسمها) فكانت دهشتي كبيرة ليس لأصول الرجل، فهو أشقر أبيض اللحية في عز الكهولة، بل اختلج في صدري سؤال كبير فجره هذا العالم هل يمكن أن تكون أصول أسمر مثلي نشأ مسكونا بالعروبة والعربية والعرب أن تكون أيضا أصوله أمازيغية !!

أدخلني شبيهي في الاسم في أزمة سؤال هل يستطيع أحد منا وفينا أن يجزم بأصوله هل هي عربية أو أمازيغية!

تدور السنوات ولم يفارق خيال الشيخ محمد يعقوبي بالي، حتى نهاية ماي الماضي، تواصل معي صديق لطيف رقيق المشاعر على الفيسبوك، يقول لي أنا سوري مقيم في الحزائر لكنني أحمل نفس الاسم الذي تحمله هل يمكن أن أزورك في المكتب؟ اندهشت لأنه ذكرني في الشيخ العلامة محمد يعقوبي. في اليوم الموالي استقبلت صديقي الفيسبوكي فوجدته كهلا أسمرا كسمرتي لطيف الحديث مؤدب القول والحركة، لم أنتظر طويلا حتى قال لي ضيفي السوري الذي يحمل هو الاخر نفس اسمي، قال أنا أصولي من احدى مداشر تيزي وزو !! حينها تجلى أمامي الكلام نفسه الذي كنت قد سمعته من العلامة محمد يعقوبي قبل 16 سنة وبدا لي في الأمر غرابة. سألته هل لك قرابة بالعلامة قال لي نعم أصولنا واحدة، سألته أين هو الآن قال لي لاجىء في المغرب، قلت لماذا المغرب؟ قال لي ربما جاذبة الأصول ! ثم استخرج ملفا كان بحوزته وقال لي هنا تفاصيل شجرة آلِ يعقوبي فنحن أدارسة والأدَارِسَة هي سلالة أسّسها إدريس بن عبد الله الملقب بإدريس الاول 788-793م) بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت الرسول محمد بن عبد الله، نجا بنفسه من المذبحة الرهيبة التي ارتكبها الجيش العباسي في موقعة فخ في مكة المكرمة، والتي أقامها العباسيون لأهل البيت سنة 786م وتوفى كثير من آل البيت فيها. فر إلى وليلي بالمغرب. تمت مبايعته قائدا وأميرا وإماما من طرف قبائل الأمازيغ في المنطقة. وسع حدود مملكته الأمازيغية حتى بلغ تلمسان (789م). التي انتشروا منها الى أن استقر الكثير منهم في أنحاء متفرقة من المغرب العربي (حاليا) ثم بدأ بهم بناء فاس. قام الخليفة العباسي هارون الرشيد بتدبير اغتياله سنة 793م. لـإدريس الأول (مولاي إدريس في المغرب) مكانة كبيرة بين المغربيين. ويعتبر ضريحه بالقرب من وليلي بزرهون (أو مولاي إدريس زرهون اليوم) مزارا مشهورا الى اليوم.

أمسكت رأسي وأنا الجاهل بعلم الأنساب وقد عشت معتقدا أنني قادم من الساقية الحمراء وواد الذهب، وقلت لضيفي هل أنا عربي أم أمازيغي ! كان رد ضيفي قمة في العلم والعقل عندما قال لي أنا أقول لك أنه يمكن أن تكون أصولك من آلِ البيت وأنت تسألني هل أنا عربي أم أمازيغي !!

شعرت بالخجل من سؤالي لكنه أطفأ ما بداخلي من حيرة وقال لي لا يستطيع كائن من كان أن يجزم بعد كل هاته القرون بأن أصله عربي أو أمازيغي، لأن الأنساب تداخلت تماما مثلما اختلطت الدماء في الدفاع عن هذه الأرض الشريفة التي لم يفرق المعتدون عليها بين عربها وأمازيغها، لا يمكن لك الآن بعد كل هذه القرون المليئة بالفتوحات والهجرة والمصاهرات ودوّل تقوم هنا وتسقط هناك وحدود تضيق هنا وتتوسع هناك .. لا يمكن لك أن تميز عربيا عن أمازيغي، فالتاريخ والجغرافيا طحنا الجميع في بوتقة واحدة صارت فيها الارض هي الام والشرف والدين هو العماد والمحرك وما دونهما ثراء وغناء وكنوز، الجميع مشترك فيها تزيد في الميزان ولا تنقص منه شيئا .. صحيح بدأت القصة بعرب وافدين وأمازيغ قاطنين لكنها انتهت الى عرب وأمازيغ لا تكاد تميز بينهم، وليس دليلا أن هذا يتكلم الامازيغية فهو أمازيغي ولا ذاك يجهلها فهو عربي، فالجغرافيا لها عبقريتها صنعت منا جميعا شركاء في شرف واحد هو الأرض .. أنت جزائري وكفى .. فعلى ماذا تتقاتلون !؟.