منال الزعبي - النجاح الإخباري -
تضحك لنا الدنيا عندما يتدفق فينا الحب، إلا أنَّ للقدر كلمته التي تغيّر مسارات الحياة، السيّدة "هـ،ج" تروي قصتها بدمعتين، دمعة حزن حارة، ودمعة فرح سارّة، تقول: 

"حبه زادني زادني دلالًا، هو الذي فتحت عيون طفولتي على شبابه فكنت صغيرته المدلله حين علقت هواه.
بدأنا حياتنا بسعادة جناحيها الحب والرضى، الحب الذي ينسينا أنفسنا والرضى بواقع يشبه الخيال.. الحلم الذي جمعني بعالمي الخاص أختزل فيه كيانات شتى، حنان الأب وحرص الأخ وأمانًا ظلَّ موجودًا حتى حين حكم القدر وآه من الأقدار حين تحكم.. 
في بيتي الذي أتقنت تصميمه وجعلت فيه ركنًا دافئًا يحتضن ثمرة حبنا، مرّت الأيام خفيفة جميلة مرحة وحبنا يتضاعف.
لكن أسئلة الناس أيقظت قلقنا كلما قالت إحداهن: "ما حوّشتوا"، وطبعًا لا يقصدون المال إنمّا لا بد أن تكتمل زينة الحياة الدنيا بالبنين، مرّت سنة ماذا بعد؟ "خلينا نشوف دكتورة"، قلت له برجاء ووافق بناء على رغبتي .. حسنًا، غدًا آخذ إجازة ونذهب.. سألت عن أفضل طبيبة نسائية وتوليد في المنطقة وقصدناها صباحًا.. دخلت العيادة وكانت المرة الأولى ..نساء حوامل وأخريات معهن أطفال رُضَّع، قفزت إلى خيالي صورة بطني المنتفخة وأنا أنتظر دوري بنفس المكان جلست بصمت وانتظرني هو خارجًا مرّ الوقت ثقيلًا ثم جاء دوري أخيرًا، دخلت وكانت الطبيبة خفيفة الظل سألتني بعض الأسئلة ثم الفحص، انتابني الخجل والخوف كان قلبي ينبض بشدة تشعرني بانقباضه، بعد الفحص تجهمت و طلبت مني أن أجري بعض الفحوصات المخبرية وأعود، سألتها ببراءة متى سأحمل، قالت: " ماتيأسي ربنا يكتبلك الخير" .. ماذا تقصد؟غلفتني الريبة واجتاحني الشك.
ذهبنا إلى المختبر وأجرينا الفحوصات وعدنا على عجل، دخلنا معًا إذ كانت الهواجس تأكلني وجه الطبيبة لا يبشر بخير تنظر إلى الفحوصات وتتأملنا ثم قالت: 
" سأخبرك بصراحة، طبيًّا انت مستحيل تنجبي لكن مافي شي ع ربنا كبير، خلي إيمانك قوي"، كان كلامها صفعة على وجهي جن جنوني وبدأت أصرخ في وجهها وانهارت كل السعادة تحت قدمينا، زوجي الذي أصابه الوجوم حاول أن يهدئ روعي وسحبني معتذرًا من الطبيبة انقلبت حياتي جحيمًا بعد هذا المشوار وكل محاولات زوجي باحتوائي باءت بالفشل في البيت أتأمل جسدي، بطني التي تخيلتها تكبر، وصدري الذي يمتلئ حليبًا وآلام المخاض ثم طفل أحتضنه أشم رائحة الطفولة التي أحبها، كلمة ماما وملامح تجمع روحينا معًا  كلها أحلام راحت سرابًا؟؟ 
أيعقل أن أحرم من أمومتي وأنا الطفلة الأم لكل الألعاب؟! 
سافرنا إلى الأردن علَّ النتائج تتغير، عبثًا فقد أكدوا أنني لن أنجب.. عدت جثة بلا روح وكان زوجي يتألم لانطفائي وانقلاب حالنا وبذل جهدًا يخبرني أنَّه لايريد أطفالًا ويعزز حبنا، لكن قناعاتي وشعوري واحتياجي نيران بين الضلوع.

حلّ الاكتئاب ضيفًا مقيمًا عليّ وصرت أتجنب كلَّ الناس، ونظراتهم المشفقة ساعات كثيرة أتضرع إلى الله أن ينتهي هذا الكابوس مرّ وقت طويل وهذا الحال يلازمني ذهبت بهجتي وكبرت عشر سنين في عام، لم نخبر أحدًا ما زاد في حيرة أهلي وصديقاتي وظنوا أنَّ حبنا تبخَّر، ثمّ وفي يوم استيقظنا على صراخ جارتي أم محمود فزعنا ككل الجيران لأشهد أبشع منظر وابنها ينهال عليها ضربًا وهي تصرخ وتستجدي، كلماتها مزقتني: "ربيتك من رموش عيني تحملت الذل والفقر وإهانة أبوك بعت حالي
ومالي عشان تدرس وتكبر الله يجازيهم الي خربوك وخرّبوا عقلك"، بكاؤها وصراخها أيقظا أنانيتي وبطري على النعم، عرفت لاحقًا أن ابنها يتعاطى المخدرات ويعود كل أسبوع من أجل المال فقط بينما تعيش وحيدة تطبخ في بيتها الصغير وتبيع المأكولات البيتية.. بدأ الوعي بهذه الدنيا ينضج بداخلي وبدأت أخرج من قوقعتي وصمتي وأخالط الناس، وكلما ضاق صدري أزور أم محمود أو أذهب إلى المقبرة في آخر الحي حيث أسكن وأجلس اتأمل سخافة الحياة، ومابين ضجيج من فوقها وسكون من تحتها عمر نعيشه بإرادة الله  وقضاء لا راد له إلا هو، إنّه القدر، مرَّت سنوات ونحن نعيش بقلب واحد والناس تتقول، لكن كلما رأيته يحتضن أبناء إخوته وأخواته يعتصر قلبي ينبش وجعي.. عشرون عامًا ولم أشعر أنَّ في باله الزواج من أخرى، عشرون عامًا ولم يجرحني بكلمة ولم يشعرني بنقصي لذا قررت أن أدوس على قلبي وأكافأه، فمن حقه ولد يحمل اسمه، اقترحت عليه أن يتزوج لكنَّه يرفض في كلّ مرّة لأنَّه يفهمني ويعلم أن طلبي ليس من قلبي بل من قبيل الواجب هذه المرّة أنا جادّة، في المدرسة حيث أعمل تعرفت على
معلمة جديدة لفتتني براءة ملامحها رغم الحزن الطاغي على سكونها وكشفت الأيام أَّنها يتيمة تعيش في بيت عمها وكافحت لتكمل تعليمها يا اللهي أيّ قدر هذا ؟! 
ولأننا بشر تجذب أرواحنا ما يشبهها، انجذبت إليها  كنت أستدرجها لتخرج عن صمتها حتى باحت بكل أصناف الوجع وكم تألمت لأجلها حتى قرَّرتُ أن أضمها لأسرتي الصغيرة،  وأقنعته بقناعتي بل حاربت لأجل أن أجمعهما حتى ظنَّ أنَّني جننت، ويوم تم النصيب، قلت لها: "اسمعي أنا أختك وأمك وصاحبتك رح أعوضك عن كل
الحرمان  بس إنت حتكوني ضرتي، كل إلي بطلبه منك ما تضريني في روحي"،  احتضنتني وبكت بضعف فربما وجودها ضرة أرحم ألف مرة من وجودها ببيت عمها خادمة وهي صاحبة علم ومكانة، إنَّ المتأمل لحال الناس والصدف وكيف يضع القدر أمامنا الاشخاص بالوقت المناسب لا يمكن أن يحمل في قلبه مثقال ذرة من كبر أوحقد أوغل.
فجَّر زواجهما بترتيبي وحضوري الكثير من النقد اللاذع والكلام القاسي دسته بإيمان وثبات وكافأني الله بها فهي نعم البنت والأخت والصديقة، ورغم أنَّها أجمل وأصغر مني لكنَّ حبَّه لم يتغير، بفضل الله مع مرور العام الأول أكرمه الله بالولد الأوّل، يوم ميلاده كان عيدًا أعاد لي  ذكرى صفعة الطبيبة بحرماني، 
حين ألقاه على صدري ضممته قبل أمه ثمَّ ضممتهما معًا، نحن بشر لابد أنني أمر بلحظات لوم وغيرة لكن سرعان ما أستعيد وعيي فلا ذنب لأيٍّ منا، بل جمعنا الله لنرمم كسورنا ونجبر بعضنا .. اليوم نعيش خمسة تحت سقف واحد ولو اتبعت كبريائي لعشت وحيدة بائسة، أولاده هم أولادي ينادوني باسمي تسبقه كلمة "ماما" فيفز قلبي، أمّا هي فخير معينٍ لي على أعباء الحياة .. من أراد السعادة صنعها ومن اكتنفه الشر والحقد أكله كما تأكل النار بعضها.